على ما يبدو هناك مشروع فوضى مبرمج على وقع يهدف إلى إندثار النظام اللبناني أبطاله نظام إقليمي يُسيطر على الوضع اللبناني خلافاً لمندرجات القانون الدولي ومُنظّم داخلياً على المستوى اللبناني بواسطة ميليشيا تابعة لهذا النظام تتعاون معها مجموعات لبنانية تمتلك صفة شرعية مُستقاة من قانون إنتخابي فُصِّلَ على قياسهما وبمباركة إقليمية – دولية تسمح لهذا المـدّ اللاقانوني بالسيطرة على كل مفاصل الجمهورية اللبنانية.إزاء هذا الواقع إنّ هذه الميليشيا وبمعاونة الطرفين الداخلي والإقليمي تحتّل مركزاً مرموقاً في النظام السياسي اللبناني ويمتدّ هذا المركز ليطال دول عربية تدّعي المحافظة عليها…
الفوضى المبرمجة القائمة في لبنان، لا يقتصر دورها على التدخّل في الشؤون الداخلية اللبنانية بل يتعدّى ذلك التدخّل في شؤون بعض الدول عسكرياً وحتى اجتماعياً، من خلال الدور الذي أعطته طهران لنفسها كداعمة لبعض الأنظمة، وتظهر هذه النزعة في دول متعددة وفي محطات زمنية ليست ببعيدة. وهذا التدخّل السافر مُمارس على «عينك يا تاجــر» وكان آخره في الانتخابات الأخيرة التي أفضتْ إلى مجلس نيابي مِطواع على ما كان عليه سابقًا وبالرغم من الوعود التي قُطِعَتْ بعدم التدخّل في الشؤون اللبنانية الداخلية. ويُشكّل هذا التدخّل في لبنان والعراق وسوريا واليمن وفي بعض الدول نموذج التدخّل الواسع والذي يُعيدنا تاريخياً إلى دور المماليك والعثمانيين والسوريين والإسرائيليين، كما تعمد هذه الدولة الإقليمية بفوضاها هذه إلى فرض منظومات سياسية عسكرية – إجتماعية – مالية هدفها إحكام السيطرة على كل مفاصل الجمهورية اللبنانية.
إنّ الهدف من الديمقراطية في الأنظمة السليمة هو الحكم النزيه، كما تأثير الحكم هو المعيار الأساسي لقياس مزايا وعيوب الممارسة الديمقراطية. من الواضح كباحث وناشط سياسي وصاحب دار أبحاث إذا سألتْ أو سُئِلْتْ عن تأثير الواقع السياسي الحالي في لبنان الذي جلبه التدخّل الإيراني إلى واقعنا اللبناني سنلحظ جميعاً أنه سيّئ جداً، والفوضى هي القاعدة الأساسية له ولم يستطع تحقيق أداء جيِّد في مواجهة المخاطر والتحديات الكبرى التي تواجهنا على مستوى الداخل اللبناني والإقليمي، والمؤسف أنّ أتباع هذا النظام يدّعون التقيّة والألوهية في ممارسة فرائضهم على الجغرافية اللبنانية والأنكى من كل ذلك يدّعون بتحرير جنوب لبنان من الإحتلال الإسرائيلي ويتناسون عمداً أو إستثناءً أنّ وثيقة الوفاق الوطني تضمنّت في أحد شروطها تطبيق مندرجات القرار 425 الذي يُطالب بإنسحاب قوات العدو من الجنوب، لا بل يوهمون الناس أنهم حرّروا هذا الجنوب من رجس الإحتلال الإسرائيلي ولكن ليس بمقدورهم أنْ يُظهِّروا للشعب اللبناني هذا المدى الزمني الطويل من العام 1991 ولغاية العام 2000، حين قرّر العدو الإنسحاب أحادياً من لبنان وكان نتيجة تسوية شارك فيها من شارك وللبحث صلة.
لقد وصلت الفوضى السياسية عندنا في لبنان إلى نقطة يشعر فيها الكثير من اللبنانيين باليأس، وللتذكير بداية ثورة 17 تشرين هاجم الثوّار الشرفاء النظام القائم والسبب في أعمال الشغب التي رافقت المتظاهرين الثوّار إغتصاب هذه الثورة. وقد هـــزّ العنف والفوضى والدمار جوهر الثورة مما مثّلَ ضربة قوية لصورة الشعب الثائر ولصورة الديمقراطية التي كانت تتوخاها الثورة والتي تناضل لها، وهذا ما أدّى إلى فشل الثورة وإلى مجتمع ممزّق ونظام سياسي مشلول، ولقد تـمّ التقليل من أهمية الثورة وتأثيرها على مجرى الأحداث، وكل ذلك حصل بتخطيط من السلطة المهيمنة على مراكز القرار في لبنان وبإيعاز من الدولة الإقليمية الراعية لهؤلاء السّاسة.
على أثر هذه الفوضى الممارسة خلافاً للنظام الديمقراطي ولقانون العلاقات الدولية، ونظراً لتدنّي الخُلقية السياسية ونظراً لعدم جدّية النظام السياسي المعني مباشرة بتطبيق أحكام القانون والدستور وفي تحقيق الإلتزامات لمجابهة حالات الفوضى ونظراً لغياب الشفافية في العمل السياسي لدى أغلب السّاسة وإنعدام المعلومة في أغلب المواقع السياسية، بات ضرورياً اللجوء إلى الحكمة في ممارسة العمل السياسي الوطني على قاعدة التحرُّر من الفوضى والتبعية والإرتهان وعدم إحترام القوانين. إنّ عدم تطبيق الدستور والقانون في لبنان أمور ستُساهم في إثارة الفوضى وانتشار العصابات وخراب الاقتصاد وإرتفاع معدّل الجرائم. ولأنّ الدولة السيّدة على كامل ترابها الوطني عبر سنّ القوانين الرادعة تجعل الأفراد أمام حدود وإلتزامات معينة فلذا لا يمكن للمجتمع العيش بدون قوانين تنظم الحياة العامة في البلاد… لذا المطلوب اليوم هو إنقاذ لبنان من حالة الشواذ القائمة والتي تُخالف أبسط القواعد القانونية.
ما نحن عليه اليوم من إنتشار الفوضى بين أفراد المجتمع اللبناني، وسرقة وسلب ونهب ممتلكات الدولة على يد السّاسة، وعدم المقدرة على فض النزاعات بين اللبنانيين والأنكى تزكيتها من قبل السياسيين، وحالة إرتكاب الجرائم وعدم قدرة المجتمع اللبناني على النهوض في كل المجالات ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الاقتصادية – المالية – الاجتماعية – الإنمائية – الإستشفائية – التربوية، وغياب القانون الذي أدّى حكماً إلى هجرة أفراد من مجتمعنا إلى الخارج. عملياً وبعد أن أجرينا العديد من الأبحاث توصلنا إلى أنّ وجود الدولة أصلاً لن يستقيم بدون قانون وفي حالة الدولة اللبنانية التي تعاني من خلو القانون نحن في أمر مريب ومستهجن ونحن في دويلة تحكمها ميليشيا ونحن في دولة لا تتمتع بتنظيم وبالطبع ستفتّتْ الدولة حكماً.
الإحتلال والفوضى أمران يحتلّان المشهد السياسي اللبناني، إنّ الرؤية الواضحة لما يحصل عندنا تقتضي تركيز الأنظار على المُطالبة بفك أسر لبنان من الوصاية الإيرانية أولاً وثانياً تحرير النظام اللبناني من هيمنة الميليشيا الموالية لإيران، وبالتالي إعادة صياغة نظام يُبنى على الديمقراطية والإنضواء تحت راية القوانين والإلتزام الوطني الصرف والصادق، ومن المنطقي بمكان الركون إلى القرار 1559، على أنه المخرج لهذه الأزمة. نِعْمَ الذين خرجوا طوعاً من الحياة السياسية اللبنانية فلهم كل الإحترام، وبئس الذين يحتالون على لبنان وشعبه ومؤسساته الشرعية المدنية والعسكرية فلهؤلاء القضاء ليُبنى على الشيء مقتضاه.
* كاتب وباحث سياسي