السؤال المطروح حول الوضع السوري، هو «هل ان التغييرات على الارض وتقدم المعارضة هما مقدمة لحسم عسكري، ام ان الوضع سيبقى يتراوح بين الكرّ والفرّ؟».
مصادر ديبلوماسية واسعة الاطلاع ومهتمة بالشأن السوري، تشير الى ان الدول مدركة للتحولات التي استجدت في الواقع السوري، لكن الانظار تتجه الى معرفة هدفها الحقيقي. اذ تستبعد هذه المصادر، ان تكون التغييرات مقدمة لحسم عسكري في سوريا، مؤكدة ان الحسم شبه مستحيل، انما تأتي الانجازات الاخيرة للمعارضة، وللجهات التي افسحت في المجال امام حصول هذا التقدم، في سياق الدفع في اتجاه الضغط لتحقيق حل سياسي، وفق وثيقة «جنيف 1»، وهو الحل الذي يحظى مبدئياً بإجماع دولي. وتوقيت ذلك كان سجل عشية انعقاد اجتماعات جنيف التشاورية التي رأسها الموفد الدولي لحل الازمة السورية ستيفان دي ميستورا، والتي تشمل 20 دولة، وايران من ضمن هذه الدول. وهذه المشاورات انطلقت وهي تتم بصورة ثنائية. والتطورات الحاصلة على الارض قد تكون خطة دولية للضغط على كل الافرقاء الداخليين.. في سوريا، واولئك الذين يدعمونهم والذين لا يريدون التفاوض للتوصل الى حلّ، من اجل إلزامهم بالعملية السياسية، كذلك من اجل اقناعهم أن الحرب في سوريا، «يوم لهم ويوم عليهم»، وبالتالي ليس هناك من حل الا بالحوار. وهذه النقطة بالذات تشكل عاملاً اساسياً يساعد دي ميستورا في تقريب وجهات لنظر، واعادة العمل لوضع مؤتمر «جنيف 3» بين السوريين على السكة، وهو الامر الذي يهدف الى تحقيقه دي ميستورا اصلاً من خلال نتائج مشاورات جنيف الحالية. ومن الواضح تماماً ان مواقف الاطراف السوريين ومن يدعمونهم من الدول ستتأثر نتيجة الوقائع على الارض، التي تفرض نفسها على طاولة المفاوضات.
في هذا الاطار تقع التطورات اذاً، لانه يصعب التكهن بحسم عسكري، لأن اي حسم يحتاج الى قرار دولي كبير، وهذا غير متوافر حالياً. حتى انه لا تتوقع المصادر حصول انهيار عسكري مفاجئ للنظام، ولا سيما ان قوى كبرى ليس لها مصلحة بالحسم، بل بالتدمير واستنزاف كافة الافرقاء لمصلحة اسرائيل، اذ ان هذه المصلحة تعد الاولوية لدى دول كبرى وفاعلة في المنطقة، حيث ان المسّ بأمن اسرائيل وبالعلاقات معها خط احمر بالنسبة اليها، لذا فإن الدول الكبرى لا تزال غير راغبة بالحسم، وروسيا بالذات غير بعيدة عن الموضوع.
وبناء على نتائج مشاورات دي ميستورا، ستتقرر الدعوة الى «جنيف 3» ام لا. وهناك امل في ان يكون السماح بالتطورات السورية في هذا الوقت جزءاً من المحاولات الدولية لايجاد حل، مع ان الخطوة التي ستلي غير واضحة المعالم، واذا ما وجد دي ميستورا ان افق مهمته مقفل، فقد يلجأ الى الاستقالة.
وعلى الرغم من صعوبة الحسم العسكري في سوريا، فان ديبلوماسيين غربيين في عواصم كبرى متفائلون أن تلك التطورات هي بداية حسم عسكري فعلي، وانه بات مسموحاً للمعارضة ان تحسم عسكرياً. وهؤلاء يتوقعون ان تبدأ معركة دمشق، في تموز او آب المقبلين بعد ان تكون المعارضة قد حققت انتصارات على الارض في غير منطقة. ولكن يبقى السؤال عن مدى صحة هذه المعلومات، مع انه لا شك في ان التغيير على الارض لافت جداً ولم يكن يتوقعه احد.
مصادر اخرى تقول، ان ما يلفت فعلاً هو ان الانجازات المحققة من المعارضة جاءت بعد تعزيز العلاقات الخليجية التركية، وبعد الزيارات التركية، والمصرية لدولة خليجية كبرى حيث بدأت تظهر ملامح اضافية من الخطط الخليجية لقيادات جديدة، في مواجهة ايران في المنطقة. وهي تأتي في اطار معادلة جديدة لافهام ايران انها لا تستطيع ان تكون الاقوى دائماً. وانجازات المعارضة السورية جاءت فوراً بعد «عاصفة الحزم» في اليمن وعدم قبول المملكة العربية السعودية والخليج بالانقلاب الحوثي هناك، كون اليمن بوابة الخليج. والآن في سوريا هناك ضغط على الفرقاء للقبول بالحلّ السياسي.
ليس هناك من ترتيب للاوراق على الارض على عتبة امكان عقد «جنيف 3» فحسب، انما ايضاً الهدف هو تعزيز النفوذ قبل التوقيع على الاتفاق الدولي مع ايران، والبدء بالحوار حول ملفات المنطقة. والاتفاق حول الملفات سيكون في اطار «باكيج» وسط مصالح متشابكة ضمن مجموعة من المساومات والأخذ والعطاء.
ولاحظت المصادر انه في اليمن وسوريا جرى تحرك على الارض، لكن في العراق، وتحديداً في الانبار لم يحصل ذلك. وتفيد أن معطيات جديدة ستظهر ما بعد حزيران، وتصب في خانة المتفائلين بالحسم العسكري في سوريا.
هناك انتظار لما ستسفر عنه مشاورات دي ميستورا، اذ تبقى العين الدولية على سوريا دائمة على الرغم من وضعها الراهن، والاهم معرفة ما هو المدى المسموح به بالتغيير على الارض في هذه الفترة.