د. عامر مشموشي
يكثر الحديث هذه الأيام عن أن أطرافاً لبنانية تخرق وثيقة الوفاق الوطني التي نص عليها اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية التي نشبت قبل نحو ثلاثين عاماً وكأنها بذلك تؤسس لحرب أهلية جديدة، ويستشهد مثيرو هذا الحديث بما طرح به رئيس الجمهورية من بكركي لدى زيارته البطريرك الماروني مار بشارة الراعي للتهنئة بالاعياد المجيدة كدليل حسي على وجود مناخ عام في البلاد ينذر بوقوع هذه الكارثة.
وقبل هذا الموقف لرئيس الجمهورية، عقدت عدّة اجتماعات لرؤساء الحكومة في دار الفتوى وفي دارة الرئيس المكلف عبرت بشكل واضح عن رفضها التدخل في صلاحيات الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، خلافاً لما نص عليه الدستور ووثيقة الوفاق الوطني، وحذرت من تداعيات هذا التطاول على السلم الأهلي في البلاد وحرص المجتمعون على إعادة التذكير بنصوص وثيقة الوفاق الوطني التي تعطي الرئيس المكلف الحق الحصري في تشكيل الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية وبعد اجراء سلسلة مشاورات استطلاعية مع الكتل النيابية في المجلس النيابي بوصفه مصدر السلطات وهو من سمى رئيس الحكومة، وهو من يمنحها الثقة على أساس بيانها الوزاري ليعطيها الشرعية في ممارسة دورها كسلطة إجرائية أو يحجبها عنها لتطوى هذه الصفحة، ويدعو رئيس البلاد وفق الدستور بطبيعة الحال إلى استشارات نيابية جديدة لتكليف من تسميهُ الأكثرية النيابية تشكيل حكومة جديدة.
وقيل في الحالتين، أي بعد كلام رئيس الجمهورية من بكركي، وكلام رؤساء الحكومات السابقين من دار الفتوى، ان المقصود بهذا الأمر هو حزب الله كونه هو الذي يعطل تشكيل الحكومة بفرضه أعرافاً وتقاليد مخالفة لوثيقة الوفاق الوطني مثل محاولة فرضه توزير أحد النواب السُنَّة الستة أو من يمثلهم حصراً في الحكومة حتى يُبادر هو إلى تسمية وزرائه، ويفرج عن الحكومة وثبت هذا الاتهام بعد الصمت الذي التزمه الحزب على اتهامه بالانقلاب على اتفاق الطائف وخلق أجواء محمومة تذكر بتلك الحرب الأهلية التي أعادت لبنان عشرات السنين إلى الوراء، وانتهت إلى تفهم وتفاهم أو إلى لا غالب ولا مغلوب على حدّ مقولة الرئيس المرحوم صائب سلام.
وها ان عملية التأليف معطلة الآن، ولا تلوح في الأفق المنظور والمستتر أية بوادر حلحلة ما يجعل الخوف من الانقلاب على اتفاق الطائف وما يعني ذلك من اخطار على السلم الأهلي امراً واقعاً حتى لا نقول محققاً طالما ان الوقت لا يزال متاحاً لمراجعة الحسابات، الا إذا كان المقصود فقط من الاستمرار في التعطيل هو استعادة لعبة الانتخابات الرئاسية التي أعطى تعطيلها أكثر من سنتين ونصف نتائجه التي رسمها الذين فرضوا هذا التعطيل والمقصود هنا ايضا حزب الله، الا ان الظروف اليوم غيرها في تلك الفترة، كونها تتعلق بإتفاق الطائف، الذي أرسى السلم الأهلي وبوثيقة الوفاق الوطني التي حددت الصلاحيات بين رؤساء الطوائف الثلاث المارونية والسنّية والشيعية وأصبح أي تجاوز لها يُشكّل إعتداء على أحد هذه الطوائف، والسؤال الذي يتناوله اللبنانيون هذه الأيام، هل نحن امام عملية تشكيل حكومة أم اننا نؤسس لضرب السلم الأهلي؟