لا يتعدى إعلان رئيس «الكتائب» سامي الجميل عن استقالة وزرائه من مجلس الوزراء، حدود الإشهار السياسي، إذ إن مثل هذا الإعلان وإن جاء على لسان رئيس الحزب الذي ينتمي إليه فقط الوزيران سجعان قزي وآلان حكيم، إلا أنه لا يثبّت الاستقالة ولا يعدو كونه مجرد تمهيد لخطوات عملية تتبلور بإعلان كل وزير شخصياً استقالته باعتبار أن المشاركة في الحكومة هي حق شخصي دستورياً والعلاقة بين الوزير وحزبه «مسألة داخلية» لا شأن لمن يكون مكلفاً بتشكيل الحكومة فيه قانوناً، ولهذا فإن رفض سجعان قزي تقديم استقالته أو حتى إعلانها هو الموقف النافذ الإجراء الذي يتغلب حتى على موقف رئيس حزبه. كما أن استقالة الوزير آلان حكيم تتطلب، كي تكون نافذة الإجراء، إشهارها منه شخصياً من دون ربط قبولها بأي شرط من الشروط كالقول بالاستقالة والاستمرار في تصريف الأعمال في الوقت نفسه.
عندما يعلن الوزير استقالته يكون قد أصبح خارج المشاركة في السلطة، ولا يستطيع إبقاء أي ارتباط له بالوزارة، والأهم من هذا، أن تصريف الأعمال «لأي سبب كان» كما جاء في المرسوم 11260 تاريخ 9 نيسان 2014 الذي أعقب تشكيل الحكومة الحالية، ما زال ساري المفعول لجهة إناطة شغور كل وزارة بوزير آخر بالوكالة، فكيف يمكن في ظل استمرار نفاذ مفاعيل المرسوم المشار إليه لأي وزير أن يستقيل «لأي سبب كان» ويشترط الاستمرار بتصريف الأعمال، أي إبطال مفاعيل المرسوم، كما هي حال وزير العدل.
إن الاستقالة تصادر كل المهام التي يتولاها الوزير حتى لقب «صاحب المعالي»، ولا يستطيع أحد خرق تلك المصادرة، خصوصا الوزير المستقيل نفسه الذي يصبح عاجزاً عن تجنب ما فعلت يداه أو أباحه لسانه.
أما التذرع بخلو سدة رئاسة الجمهورية وبعدم إصدار مرسوم قبول الاستقالة، فلا يحد من نفاذ إعلان استقالة الوزير لأنها تكون نافذة الإجراء قبل أن تصل إلى حدود أن تتطلب إصدار المرسوم.
والجدير بالملاحظة هنا أن استقالة أشرف ريفي السابقة تخضع أيضاً للمعطيات الدستورية المشار إليها سابقاً والمرتبطة باستقالة حكيم وقزي.
وما يمكن قوله هنا ان الوزير الذي تؤول إليه أعمال الوزارة التي شغرت باستقالة الوزير الأصيل بفعل المرسوم الرقم 11260 المشار إليه سابقاً ملزم بتسلم أعمال الوزارة التي توكل إليه بعد شغورها، فإذا لم يتسلم المهام الموكولة بتصريف أعمالها يكون قد خرق القانون الذي يلامس المفاهيم والنصوص الدستورية ويتساوى بالتالي مع الوزير المستقيل الذي أصر بعد استقالته على تصريف الأعمال.
لهذا، المطلوب من مجلس الوزراء ورئيس الحكومة تحديداً حسم هذا الاعتداء على القانون والعودة إلى وضع الأمور في نصابها حفاظا على «هيبة» السلطة أو ما تبقى منها؟
إن الحسم من شأنه أن يصحح ارتكاباً بحق المفاهيم والنصوص القانونية ويقدم للحكومة جرعة من الجدية في عملها. ولكن ماذا إذا توالت الاستقالات في ظل تجاهل المرسوم المشار إليه سابقاً؟
إن المراهنة على إقالة الحكومة باستقالة أعضائها شبه مستحيلة لأنها تضم في تكوينها وزراء ينتمون إلى كتل تتحمل المسؤولية الوطنية وان كان بعضها يستفيد من تحمل تلك المسؤولية هو أيضاً. ومثل هذه العينة تحول دون استقالة أكثر من ثلث (1/3) عدد أعضائها المحدد في مرسوم تشكيلها الذي يمكن إذا ما حدث أن يؤدي إلى اعتبار الحكومة مستقيلة. فالحكومة اليوم تشكلت من 24 وزيراً، الأمر الذي يعني أن اعتبارها مستقيلة يحتاج إلى تسعة وزراء لم يصل عددهم حتى اليوم لأكثر من وزيرين بعد رفض سجعان قزي الاستجابة لطلب حزبه.