«سقطت» جلسة الهيئة العامة من المجلس النيابي، أول من أمس، تحت ضغط الشارع. الضغط لإلغاء الجلسة سببه جدول الأعمال الذي يضم مشاريع واقتراحات قوانين، «تبيّن» بعد الإطلاع عليها أنها دون مستوى المطالب وتأتي أشبه بالتهريبة لامتصاص النقمة. من بين تلك المشاريع مشروع «تعديل بعض أحكام قانون الضمان الاجتماعي وإنشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية»، وهو قانون «ضايع» ومبهم وغامض، ودونه أخرى تتمات لم ينته العمل عليها حتى الآن
كان من المفترض أن تنعقد أول من أمس الجلسة الأولى للمجلس النيابي، ما بعد الهبّة التشرينية، قبل أن يرجئها رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى الثلاثاء المقبل من دون أي تغيير في جدول الأعمال. في المبدأ، يُفترض بتلك «السلّة» من القوانين أن تترجم بعضاً من مطالب المواطنين الملحّة. ومن بين تلك القوانين، مشروع قانون «تعديل بعض أحكام قانون الضمان الاجتماعي وإنشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية» (مشروع القانون الوارد بالمرسوم 13760) والذي كان من المفترض أن يناقشه المجلس النيابي في جلسة هيئته العامة، قبل أن يرجأ.
صحيح أن المشروع لم يسقط بـ«الباراشوت» على جدول الجلسة، إلا أن سوقه في مثل هذا الوقت ضمن رزمة مشاريع أخرى تمهيداً لإقرارها، دونه سؤال جوهري: ما المغزى من طرحه اليوم؟
ما يدفع الى هذا السؤال أن هذا المشروع بالذات لم تنته حوله النقاشات ضمن اللجان المكلفة بدرسه، وآخرها اللجنة الفرعية التي لم تنه اجتماعاتها ولم تصدر تقريرها. كان من المفترض بـ«التتمة» المتبقية من الجلسات أن تحل بعض النقاط الخلافية العالقة، والتي تمسّ جوهر تلك التعديلات. آخر جلسة عقدتها اللجنة الفرعية كانت أواخر شباط من العام 2018، وكانت الحاجة «لجلستين أو ثلاث لنقاش بعض النقاط الأساسية العالقة»، على ما يقول أحد أعضاء اللجنة. أضف إلى ذلك أن بعض الدراسات التي كانت مطلوبة من بعض الجهات المتخصصة في هذا الشأن لم تأت بعد أو لم تناقش. ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، الدراسة «الإكتوارية» لمنظمة العمل الدولية التي لم تناقش حتى الآن. لا تعديلات جاهزة للبت. ثمة تعديلات وضعت، ولكن في المقابل ثمة تتمات لم تناقش ونقاط خلافية لم تحل، وهي أصل الخلاف بين الطرفين الأساسيين: أصحاب العمل والعمال.
أحد المتابعين لمشروع التعديل الذي انطلق في العام 2004، ولا يزال حتى هذه اللحظات «رايح جاي بين اللجان»، يؤكد أن ثمة أموراً كثيرة «تحول دون هذا التشريع المنقوص». وهي أمور كثيرة «تمس الجوهر»، منها «عدم التوافق مثلاً على الجهة التي يفترض أن تدير هذا النظام، هل هو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؟ أو هيئة عامة أخرى مستقلة تنشأ لهذه الغاية؟». باختصار، «الخلاف على الإطار المؤسساتي وين بدو يركب». وفي هذا الطرح بالذات، لم تغب عن خلفية «الصراع» ما بين الرأيين السائدين «السياسة». فهناك رأي الصندوق نفسه، المدعوم من جهات سياسية معينة، «مع فكرة أن يبقى هذا النظام ضمن إطار الصندوق الوطني كون الداتا المطلوبة عن المضمونين أو المشمولين بالنظام موجودة، كما أن الخبرة متوافرة»، انطلاقاً من «إنو ليش بدنا نفتح دكانة جديدة». أما الرأي الآخر، المطالب بفكرة إنشاء هيئة عامة مستقلة تدير هذا النظام، فتنطلق من فكرة أن «الصندوق غير قادر على الادارة انطلاقاً من الواقع الموجود، فالصندوق مديون، ولديه في ذمة الدولة مبالغ لا تقل عن 3340 مليار ليرة ما يجعله عاجزاً في هذا الإطار».
هذه ليست نقطة خلاف عابرة. إنما نقطة خلاف جوهري، ولكنها، ليست وحيدة، ثمة نقاط أخرى تتعلق مثلاً بالنزاع الحاصل حول «قيمة» المعاش التقاعدي وكيفية احتساب الحد الأدنى للأجور وما يتبع ذلك من تقدير للمخاطر. نقطة أخرى حول «حجم» مساهمة الدولة فيه، وحجم مساهمة الجهتين الأساسيتين ـ أصحاب العمل والعمال، فليس واضحاً «أديش قيمة الإشتراك» التي سيفرضها القانون. أما «الأخطر»، بحسب المطلعين على هذه التعديلات فتكمن في قياس مدى استعداد وقدرة المؤسسات والمستفيدين على رفع نسبة «الإشتراكات» كي تكون قادرة على تغطية المخاطر التي تطرأ، والتي أساسها تأرجحات الواقع الاقتصادي والمالي المأزوم.
المشروع يطال الأجراء النظاميين فيما نصف القوى العاملة ليسوا نظاميين
هل هذا يكفي؟ هناك ما هو أكثر، منها ما مثلاً من يشملهم النظام؟ الواضح من المشروع أن هذا «النظام لا يطال إلا القوى النظامية»، أي أنه لا يطال القوى غير النظامية «الذين لا سجلات لهم»، علماً أن التقديرات في السنوات الثماني الأخيرة تشير الى أن «نصف الأجراء هم قوى غير نظامية».
ثمة إضافات أكثر، ولئن كان يمكن حلّها على طريقة «إقراره ومن ثم تعديلها لاحقاً وتحضير مراسيم تنفيذية لها في ما بعد»، إلا أن المطروح اليوم «غامض ومبهم». لا المستفيدون قادرون على فهم الشق المتعلق بهم ولا حتى أصحاب المؤسسات. السؤال المطروح هنا، ما المغزى من دسّ هذا الطرح غير المكتمل؟ خصوصاً في ظل مطالبة المعنيين اليوم إعطاء مزيد من الوقت لاستكمال الدرس؟ وإن كان لا أحد من المعنيين يملك الجواب الشافي، إلا أن هذه التمريرة لا تأتي من خارج سياق امتصاص غضب الشارع. ذلك الإمتصاص الذي لا ينتج عنه سوى تمرير «وعود وتركيب طرابيش لا تغني ولا تسمن من جوع».