أدّى طرح مشروع موازنة العام ٢٠١٧ إلى كثير من الإنتقادات في شأن رفع الضرائب من دون التطرق إلى خفض الهدر أو الفساد. كما أن غياب الخطّة الإقتصادية، خصوصًا الإصلاحات في قطاع الكهرباء مع رفع الدعم لهذا القطاع لا يُمكن تبريره في ظل غياب الإصلاحات.
عانى قطاع الكهرباء في لبنان من مشاكل جمّة، على رأسها الهدر والفساد، أدّت منذ الحرب الأهلية إلى رفع الدين بما لا يقل عن ٢٥ مليار دولار أميركي. وتُشير أرقام وزارة المال إلى أن دعم مؤسسة كهرباء لبنان في العام ٢٠٠٨ بلغ ١.٦٢ مليار دولار، إنخفض في العام ٢٠١٠ إلى ١.٢ مليار دولار، أثر تراجع أسعار النفط من ١٥٠ إلى ٣٨ دولارا للبرميل الواحد.
وإرتفع هذا الدعم في الأعوام التي تلت حيث بلغ ٢.٢٧ مليار دولار في العام ٢٠١٢، و٢.١ مليار في العام ٢٠١٤، قبل أن يُعاود الإنخفاض إلى ١.١٤ مليار دولار في العام ٢٠١٥ تحت تأثير تراجع أسعار النفط العالمية. وتقديراتنا تنص على أنه في العام ٢٠١٦، بلغت فاتورة دعم مؤسسة كهرباء لبنان ما يوازي ١.٣ مليار دولار كنتيجة لإرتفاع أسعار النفط.
الجديد في هذا الملف أن مشروع موازنة ٢٠١٧ رصد ٢١٠٠ ليرة لبنانية كدعم لمؤسسة كهرباء لبنان في العام ٢٠١٧ أي ما يعادل ١.٤ مليار دولار، وبإعتقادنا أن هذا الأمر غير منطقي من ناحية أن المشروع يتوقع إرتفاع أسعار النفط وبالتالي يرصد مبلغًا أكبر مع العلم أن التوقعات لأسعار النفط هي نحو الهبوط، أو أقلّه نحو الركود.
المعروف من الإستراتيجية التي وضعتها وزارة الطاقة والمياه في العام ٢٠١٠، أن نسبة الفيول في كلفة إنتاج الكيلواط ساعة تتراوح بين ٦٥٪ و٧٠٪ من إجمالي الكلفة. وبالتالي، فإن إنخفاضا بنسبة ٥٠٪ في سعر الفيول ينعكس إنخفاضا بنسبة ٤٨٪ في الكلفة وبالتالي يتراجع بالنسبة نفسها الدعم لمؤسسة كهرباء لبنان. هذا الإنخفاض كان واضحًا في أرقام العام ٢٠١٥ نسبة إلى ٢٠١٣، لكنه ليس واضحًا في مشروع موازنة العام ٢٠١٧.
أسعارالنفط إلى انخفاض
الاتفاق بين دول أوبك وروسيا على خفض الإنتاج بقيمة ١.٢ مليون برميل يوميًا أدّى إلى إرتفاع أسعار النفط العالمية. وزاد من كلفة إنتاج الكهرباء في لبنان نتيجة إرتفاع كلفة الفيول. لكن إنتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب وما رافقه من مواقف تصعيدية تجاه إيران، جعل الأخيرة تلعب لعبة النفط بهدف الإستخدام السياسي.
الإتفاق الذي بدأ سريانه في الأول من هذا العام لمدة ستّة أشهر مُهدّد بالفشل نتيجة تصريحات مدير الشركة النفطية الإيرانية عن نية إيران رفع إنتاجها إلى ٤ مليون برميل يوميًا أي بزيادة ٢٠٠ ألف برميل يوميًا بحلول الـ ٢٠ من أذار من هذا العام. هذه الزيادة لن تدفع بأسعار النفط إلى الإنخفاض كثيرًا، لكن المُتوقّع أن تعمد المملكة العربية السعودية التي تملك قدرة إنتاجية إحتياطية بما يفوق الـ ٢ مليون برميل يوميًا، إلى رفع إنتاجها من النفط كردّة فعل على القرار الإيراني وهي التي تخلّت عن ٤٥٠ ألف برميل يوميًا من حصتها في الأسواق العالمية.
روسيا أيضا لن تقف مكتوفة الأيدي خصوصا أنها تخلّت عن ٣٠٠ ألف برميل وبالتالي، فإن ماليتها العامّة تعاني من نقص في السيولة لم يعوّضها إرتفاع أسعار النفط منذ إعلان الإتفاق. وهذا ما عبّر عنه وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك بقوله إن روسيا ستتخذ قرارًا فى نسيان المُقبل في شأن تمديد اتفاق خفض إنتاج النفط.
بالتالي، ومما تقدّم، نرى أن إتجاه أسعار النفط هو نحو الإنخفاض خصوصا إذا ما زادت كل من المملكة العربية السعودية وروسيا من إنتاجها حيث من المتوقع أن ينخفض سعر البرميل ١٠ دولار أميركي كحدّ أقصى بحسب تطور الوضع الجيوسياسي.
لماذا رفع الدعم لمؤسسة كهرباء لبنان؟
ويبقى السؤال المطروح عن أسباب رفع الدعم لمؤسسة كهرباء لبنان في مشروع موازنة العام ٢٠١٧ إذا من الواضح أن التوقعات بإرتفاع أسعار الفيول ليست في مكانها. وهنا يبقى إحتمال وجود خطّة إصلاحية في قطاع الكهرباء.
المُشكلة أن مؤسسة كهرباء لبنان تقدّمت إلى وزارة الطاقة بطلب رفع تعرفة الكهرباء بنسب مُختلفة بحسب الشطور حيث تتلقى الشطور الأولى أعلى النسب مع ١٠٠٪ وصولًا إلى ٤٦٪. هذه الإستفادة من رفع التعرفة (مما سيؤمن مبلغ ٣٥٠ مليون دولار أميركي) إضافة إلى رفع دعم الخزينة لمؤسسة كهرباء لبنان (١٠٠ إلى ٢٠٠ مليون دولار أميركي) يفرض إلزامية إطلاع الرأي العام على المبالغ الدقيقة التي ستحصل عليها مؤسسة كهرباء لبنان وطريقة إستخدامها.
وما يُثير التساؤل، هو فصل ملف زيادة التعرفة الكهربائية عن مشروع موازنة العام ٢٠١٧ مع العلم أن مؤسسة كهرباء لبنان على الرغم من أنها مؤسسة مُستقلّة إلا أن موازنتها تبقى مُتعلّقة بموازنة الدولة اللبنانية وأن أي عجز في هذه الموازنة ستتحمّله خزينة الدولة وبالتالي المواطن اللبناني عبر الضرائب.
غياب خطّة إصلاحية
تقول مصادر المؤسسة أن إرتفاع التعرفة سيوازيه إرتفاع في التغذية لمدة ٣ ساعات يوميًا بفضل إضافة وحدات جديدة في معملي الذوق والجيّة (٢٧٠ ميغاواط). لكن الواقع ان لبنان لا يزال يعتمد على بواخر تركية في تأمين التغذية بكلفة باهظة لا يُمكن تبريرها فقط بالنزوح السوري الذي يستهلك مما لا شك فيه قسما من القدرة الإنتاجية من دون مردود للشركة.
الضرائب في النظرية الإقتصادية مُشرّعة لأنها تُعطي في المقابل خدمات للمواطن. المُشكلة أن كلفة الدعم لمؤسسة كهرباء لبنان أعلى بكثير مما تقدمه للمواطن الذي دفع الكثير على هذا القطاع وسيدفع أكثر في الأعوام المقبلة. من هذا المُنطلق نرى أن زيادة الدعم للكهرباء ورفع التعرفة لا يُمكن تبريره إقتصاديًا دون أن يكون هناك خطّة إصلاحية واضحة تلتزم بتفيذها وزارة الطاقة والمياه.