من أعاجيب هذا الزمن الرديء ومهازله، أن اللبنانيين يريدون إسقاط النظام اللبناني، وأن معظم العرب في الدول العربية «الجريحة»، يريدون «لبننة» نظام دولهم، ليخرجهم من الحروب والصدامات التي دمرتهم ودمرت بلادهم.
لا شك أن الفراغ السياسي الذي طال إلى جانب الفساد الذي تعمّق وتجذّر لدى جميع الطبقات والمرافق، والأزمات المعيشية اليومية، التي تهدد بإدخال لبنان خانة الدول الفاشلة، كل ذلك ولّد حالات من الإحباط واليأس، تسمح بالتعلق بـ»حبال الهواء»، طلباً للخروج من كل هذا الوضع الذي لم يعشه اللبنانيون حتى في عز الحرب الأهلية بكل تفاصيلها الدموية والسوداوية التي مهما كانت ضخمة وصعبة تكاد تكون «كاريكاتوراً» لما يعيشه السوريون والعراقيون واليمنيون حالياً.
شعار إسقاط النظام في لبنان، ليس هو الحل. القوى المستفيدة أو التي تشكل جزءاً أساسياً منه، إلى جانب تداخل كل هذه القوى بالوجود الأجنبي المتعدد الهويات والمصالح والنفوذ، لن تسمح بذلك. ولو كانت تريد او يمكنها على السواء ذلك، لوجدت أو شاركت في صياغة الحل الذي يخرج لبنان من حالة الفراغ والعجز عن إيجاد حل لمشكلة مثل «الزبالة» وقبلها الكهرباء والماء.
القوى الوحيدة التي تريد الحل هي القوى المدنية التي لم تدخل «طاحونة» النظام ولم تصبح بعد «برغياً» في آلته. لكن المشكلة أن هذه القوى ما زالت «وليدة» لم تتشكل بعد ولا تملك ما يجعلها تقف وتواجه من دون أن تخترق وتحترق.
هل يعني كل ذلك إعلان وفاة مبرمجة للبنان على وقع القضاء والقدر؟
من الواضح حتى الآن، أن لا احد يريد من القوى اللبنانية الأساسية بما فيها «حزب الله» وفاة لبنان، كذلك القوى الإقليمية والدولية تعمل منذ عشر سنوات، وباندفاع وقوة أكبر منذ أربع سنوات على منع «اغتيال» لبنان عبر دفعه إلى داخل «دوائر النار» الكامنة والمشتعلة. لكن بين منع لبنان من الموت وإيجاد الحلول مسافة كبيرة جداً تحددها التطورات الإقليمية والدولية.
انتهى الغموض الذي يلف «طاولة المفاوضات». بعد أربعين يوماً سيوقّع الاتفاق الإيراني الأميركي ويتم اختبار الإرادات السياسية. من دون الدخول في التفاصيل لأن «الشياطين» تكمن فيها. إيران تريد بعد أن استحوذت على الوجود في أربع عواصم عربية بقوة التدخل السلبي المباشر وبالوكالة، تثبيت هذا الوجود، المشكلة في «النسب» التي ستحصل عليها سواء في سوريا او لبنان والعراق واليمن. كل شيء خاضع للمفاوضات، التي تحدد موازين القوى والنسب.
سوريا ارض مفتوحة على الصراعات الدموية. من المبكر جداً الكلام فيها عن حل، خصوصاً وان إيران تعتبر سوريا جزءاً من وجودها الاستراتيجي في المنطقة. من الصعب جداً ان لم يكن مستحيلاً ان يصاغ الحل في عهد اوباما الذي لا شك سيكون سعيداً جداً اذا حصل ذلك. معنى هذا ان سوريا معلقة إلى ما بعد ربيع 2017.
لبنان هو المعني مباشرة بالخروج من الفراغ في ربيع 2016 في اقصى الحالات، حتى لا يبقى معلقاً بذيل الحل السوري. اسقاط النظام في لبنان ينهي حالياً لبنان. «المؤتمر التأسيسي« لن يقوم ولو ارادته جميع القوى لأن الأساس اتفاق إيران والسعودية من هكذا تشكّل جديد للبنان. باختصار دائماً يعود «القطار» إلى «المحطة» الأولى.
السعودية حمت في اليمن حدودها الاستراتيجية وقدمت للعالم «هدية» كبرى هي ابقاء «باب المندب» «باباً» لا تملك إيران ولا غيرها «مفتاحه». «باب المندب» «باب« لكل الدول الكبرى والمتوسطة. مثل هذه «الملكية» تبقى كما هي او تشعل حرباً كونية!.
إيران اخذت حقوقها في الملكية النووية. يمكنها ان تقدم «هدية» للعرب وللعالم في تسريع اخراج لبنان من الفراغ وتثبت بذلك انها انتقلت فعلاً من حالة التدخل السلبي إلى حالة التدخل الايجابي. من الأفضل ان يتم ذلك سريعاً لان إيران ايضاً امام استحقاقات داخلية مهمة وحساسة قد تنتج انتقالاً نهائياً إلى حالة الدولة.