IMLebanon

تشريع المشاريع: «التوسّل» خشية التسوّل

أن يبلغ رئيس مجلس النواب نبيه بري حافة «التوسّل» لعقد جلسة تشريعية، مشهدية مأسوية تستحق التأمل ملياً في مدى حراجة الأوضاع وهول الأخطار المنذرة بغرق المركب الوطني في رمال التعطيل المتحركة بين ضفاف المؤسسات الرئاسية والتشريعية والتنفيذية.. الرمال نفسها التي دفعت آلاف اللبنانيين إلى بحور الموت الأليم في غياهب المهجر هرباً من موت بطيء غير رحيم في رحم الوطن.

هو التوسّل خشية التسوّل. فالخطر الاقتصادي يتضخم. الأمن الاجتماعي على شفير الانفجار. الركود يتفاقم. النمو يتقهقر. الناتج المحلي أقل من صفر. البنك الدولي يهدد بوقف تمويل المشاريع اللبنانية. الاستثمارات من الخارج انخفضت بنسبة 20% مقارنةً بالسنوات الفائتة. مئات المؤسسات أقفلت. عشرات آلاف الموظفين مهددون بانقطاع أرزاق عوائلهم في مختلف القطاعات بينهم 35 آلفاً في قطاعي السياحة والمطاعم. رواتب موظفي القطاع العام على وشك الانقطاع في كانون الأول… باختصار، الانفجار الاقتصادي والاجتماعي واقع حكماً إذا استمرّ التعطيل سيّد الأحكام متسلّطاً على رقاب البلاد والعباد.

«الخطر كبير» يقول العارفون بأحوال الدولة المالية والاقتصادية، وزوار حاكم مصرف لبنان رياض سلامه ينقلون عنه تأكيده أنّ «الوضع المالي ممسوك» لكنّ «تحذيراته تكبر ونصائحه تزيد» في معرض تنبيهه من مغبة عدم تدارك الوضع الاقتصادي المتردّي.

لكن إذا كانت مالية الدولة ممسوكة وأوضاع الليرة خارج دائرة القلق، أين يكمن هذا «الخطر الكبير» وما هي السبل المؤدية إلى تفاديه؟ يجيب العارفون: «المشاريع ثم المشاريع ثم المشاريع». فالمال موجود والتمويل موجود لكنهما لا يسمنان ولا يغنيان من جوع طالما بقيت العجلة الاقتصادية عاجزة عن الدوران في البلد. 

دورة الحياة الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية تحتاج إلى مشاريع، والمشاريع تحتاج إلى تشريع، والتشريع معطّل. هنا بيت القصيد بالتحديد، فخزائن المصارف تمتلك مخزوناً وافراً من السيولة النقدية والودائع المالية، غير أنّ الوفرة من دون إطار استثماري عملي يدير العجلة الاقتصادية والانمائية والاجتماعية تبقى «رصيداً على ورق» ممنوعاً من الصرف في مشاريع تنعش الوطن وتحيي آمال أبنائه الطامحين الطامعين بفرص عمل ترفع عن كاهلهم العوز والبطالة.

في بلد كلبنان يتّكل فيه مواطنوه على التحويلات والاستثمارات الخارجية، تدني درجات الناتج المحلي إلى ما تحت الصفر مؤشر كارثي خطير ينذر بمنخفض دراماتيكي عاصف على المناخ الاقتصادي العام، ربطاً بكون غياب الاستثمار والمشاريع إنما يكفّ اليد اللبنانية عن العمل ويفاقم السلبية الحاصلة على مقياس الركود الاقتصادي مع ما يتأتى عن ذلك من تراجع مستمر في النمو الوطني. وقد بات هذا النمو (على قاعدة مصائب قوم عند قوم فوائد) يتكل في بعض جوانبه على إنفاق النازحين للحد من تراجعه أكثر.

النظرة السلبية الدولية للدولة اللبنانية تتعزز، و«شرّ» دليل عليها وكالة التصنيف الائتماني العالمية «ستاندرد أند بورز» التي عدّلت نظرتها المستقبلية للتصنيف الائتماني السيادي للبنان من «مستقرة» إلى «سلبية».. الاستقرار ما يحتاجه البلد أمنياً وسياسياً ومالياً واقتصادياً واجتماعياً وصناعياً وسياحياً، لا السلبية التي تحيط بكل جوانب قطاعات البلد وتعشش في ذهنية ساسته من المدمنين على التعطيل.

الأمن والأمان والاطمئنان أسس موجبة لبنيان الأوطان.. رحم الله رفيق الحريري: «الأمن الاجتماعي لا يتوافر إذا لم تكن الإدارة اللبنانية على مستوى راقٍ من الفاعلية (…) نعيش في ظل نظام ديموقراطي يتسع لجميع القوى السياسية التي استحقت التمثيل الشعبي، ولكن عليها أن تقرر فعلاً الانخراط في الدولة ليس فقط في إدارتها، بل وفي عقلية الدولة المسؤولة القادرة والعادلة، فحرصنا على استمرار مسيرة النهوض يواكبه التزامنا صيانة المؤسسات وتمكينها من أداء دورها وتحصين الإدارة ضد الأهواء والتجاذبات ومحاولات الاستئثار والتسلط والمحسوبية». كلام قاله خلال وضع الحجر الأساس لمشروع المدينة الجامعية في الحدث عام 1998.