يلاحظ الهدوء السائد على الجبهة الجنبلاطية منذ عودة رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط من لاهاي، وخصوصا في سياق علاقته مع «حزب الله»، وهذا ما ابرزه خلال شهادته في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، اذ تجنب اي استهداف للحزب، في حين علم ان اتصالا مطولاً جرى بين النائب جنبلاط ورئيس المجلس النيابي نبيه بري اتسم بالمزاح، وفي الوقت عينه كان هناك اطراء ومجاملات من قبل رئيس المجلس تجاه صديقه الجنبلاطي، حيث تشير اجواء الطرفين الى تنسيق بينهما حول ملفات داخلية اساسية، ولا سيما ما يتناول الشؤون المجلسية من الجلسة التشريعية الى الموازنة والاستحقاق الرئاسي وقضايا اخرى هي محور توافق وتفاهم الطرفين.
وفي هذا السياق، تشير الاوساط المعنية الى ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وقبيل توجهه الى لاهاي، لم يشاور او يضع احداً في اجواء خطواته وشهادته سوى الرئيس نبيه بري، الذي كان مرتبطاً ببعض المحطات التي تطرق اليها جنبلاط، وخصوصاً بشأن القرار 1559والعداء لاسرائيل، وبعض المفاصل الاخرى التي فاجأت بري نفسه، وكان يتابعها من على شاشة التلفزيون، لذا فان زعيم المختارة أراد ان يضع بري ببعض العناوين التي التقاه موفده الوزير وائل ابو فاعور، وفي هذا الاطار لم تستبعد الاوساط نفسها، حصول لقاء قريب بين بري وجنبلاط يتناول الاوضاع والاستحقاقات الراهنة والتفاهم على الامور المطروحة راهنا، والتي قد تؤدي الى انقلاب سياسي من خلال الملفات الخلافية والتي تصب تحديداً عند العماد ميشال عون من موضوع التمديد لقادة الاجهزة الامنية، ورفض الجلسة التشريعية والمطالبة بإدراج قانوني الجنسية والانتخاب على جدول اعمال اي جلسة عامة، وهذه المخاوف والتباينات دفعت بالرئيس بري الى الغمز من قناة وزير الخارجية جبران باسيل بعد خطاب الاخير في الضنية اواخر الاسبوع المنصرم.
وعلى خط آخر، فان ما ادلى به النائب جنبلاط في لاهاي قد جاءته الردود المنتقدة من الدار الدرزية وتحديداً من النائب طلال ارسلان، الذي انتقد كلام رئيس الاشتراكي بحق حليفه النائب سليمان فرنجية، وهذا لم يفاجئ الاوساط والقواعد الجنبلاطية التي ابدت اسفها حيال تبرع ارسلان للدفاع عن حليفه الشمالي، باعتباره يقوم بحملة كبيرة لحض دروز جبل العرب للدفاع عن النظام السوري، وهنا علم ان الرئيس السوري بشار الاسد هو من رتب وأعدّ زيارة ارسلان الى موسكو ضمن رسالة واضحة الى زعيم المختارة، وبالتالي هذه الامور فاقمت في تدهور علاقة القاعدتين الجنبلاطية والارسلانية ولا سيما بعد الموقف المنتقد لزعيم خلدة، لما قاله النائب جنبلاط عن فرنجية.
ويبقى ان هذا الفتور بين خلدة والمختارة، والتباعد الهائل بينهما خصوصا حول الازمة السورية وملفات عديدة اخرى، قد اثر على انصارهما على المستويات الاجتماعية وغيرها، ووصل هذا الخلاف الى القرى والبلدات الدرزية في سوريا، اذ ان الزعيم الجنبلاطي يدعو دروز سوريا للوقوف على الحياد، وان لا يكونوا وقودا للنظام، بينما هنالك تنسيق وتواصل قائم على خط قصري خلدة والمهاجرين، وان كان هنالك غياب لاي مساجلات وانتقادات وحملات في العلن، ولكن كلما توترت في سوريا وذهبت الامور بعيدا كلما زاد الشرخ السياسي بين خلدة والمختارة.
وفي هذا السياق، ترى مرجعية روحية درزية، بان ارسلان ما كان عليه استهداف وانتقاد النائب جنبلاط، بل كان باستطاعته ترك الامور لغيره، ولو كان على ارتباط وتحالف وثيق مع هذا النظام.
من هنا، علم ان مرجعيات روحية درزية تعمل بعيدا عن الاعلام على ابعاد هذه الخلافات عن الزعيمين الدرزيين، وثمة لقاءات واتصالات لم تنقطع معهما في اي مرحلة، لكن المخاوف بدأت تتعاظم لدى المشايخ والجمهور الدرزي من تصاعد وتيرة الخلافات والانقسامات في جبل الدروز. وحيث هنالك اشكالات يومية قد يكون لها في مرحلة لاحقة انعكاس على دروز لبنان، وبالتحديد تنامي الخلاف الجنبلاطي – الارسلاني، والذي من شأنه ان يعود الى اصعب من مرحلة ما قبل العام 2005 وما بعدها بقليل، عندما لم يترك النائب جنبلاط مقعدا نيابيا شاغرا لارسلان في عاليه في عز حقبة الوصاية السورية.