إطالة أمد الأزمة الحكومية القائمة والاستمرار بتعطيل المبادرات المطروحة لحلها
حملات «حزب الله» المتجددة ضد الحريري محاولة مكشوفة لحرف الأنظار عن الخلاف مع «التيار العوني»
لن تقتصر نتائج الحملات التي بدأها حزب الله عند هذا الحد، بل ستدخل البلد عموماً في مزيد من الردود من هنا وهناك وفي تأجيج محموم للوضع السياسي المترجرج اصلا في خضم المتغيّرات الإقليمية والدولية المتسارعة وخصوصا في دول الجوار
لم تأت الحملة المنسقة التي شنّها «حزب الله» عبر قياديّيه البارزين مؤخرا ضد رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، محاولا تحميله مسؤولية التأخير في تشكيل الحكومة الجديدة زوراً، هكذا من هباء، وإنما جاءت في حمأة الاشتباك السياسي الدائر بين الحزب و«التيار العوني» على خلفية فشل أو تفشيل مبادرة رئيس الجمهورية لتوزير ممثّل عن النواب السنّة الستة التابعين للحزب، ومحاولة كل طرف إلصاق مسؤولية هذا الفشل بالطرف الآخر، وانتقال عدوى الخلاف الحاصل إلى القواعد الشعبية للطرفين التي كان لها النصيب الأكبر في تأجيج هذا الخلاف وصولا إلى تسمية الأشياء بأسمائها واتهام «حزب الله» بالمسؤولية في محاولة إفشال وعرقلة انطلاق عهد رئيس الجمورية وذلك من خلال تعطيل تشكيل الحكومة العتيدة.
لقد حاول «حزب الله» من خلال حملته المتجددة على الرئيس المكلف، ومحاولته حصر مسؤولية تشكيل الحكومة فيه خلافا للواقع، توجيه الأنظار باتجاه الرئيس الحريري دون غيره، للتقليل من أهمية الخلاف الحاصل مع «التيار العوني» ومنع انزلاق هذه العلاقة نحو الأسوأ، بعدما انكشف الخلاف الحاصل بين الطرفين، إن كان عبر الرسائل المباشرة التي وجهها رئيس الجمهورية من بكركي أو بعبدا، او من خلال ذهاب البعض إلى تحميل الحزب المسؤولية المباشرة باختراع عقدة توزير ممثّل عن النواب السنّة.
ومهما حاول الحزب في إلصاق تهمة التأخير بتشكيل الحكومة الجديدة بالرئيس المكلف، إن كان عبر الحملات السياسية على أعلى المستويات أو من خلال المنابر الإعلامية الموالية له، فإن مثل هذه المحاولات تبقى محدودة النتائج، لأسباب عديدة، منها ان ما قام به الحزب في الساعات الأخيرة التي سبقت تشكيل الحكومة العتيدة، عبر مطالبته علىلسان الأمين العام للحزب حسن نصر الله بوقف كل مجريات تشكيل الحكومة علناً وابتداع مسألة توزير ممثّل عن النواب السنّة التابعين له، مهدداً متوعداً كعادته في مثل هذه المناسبات المهمة، لا يترك مجالاً للشك لدى أي مواطن ان اختراع مثل هذه العقدة في هذا الظرف بالذات هو لتعطيل تشكيل الحكومة بالكامل، وليس لتحقيق توزير ممثّل عن هؤلاء النواب الستّة الذين تمثلوا في المشاورات التي سبقت تشكيل الحكومة، ان كان بتسمية الرئيس المكلف أو بتجديد شكل الحكومة مع كتلهم الأساسية وليسوا منفردين أو مجتمعين مع بعضهم البعض.
يضاف إلى ذلك ان منحى هذه الحملات المبرمجة للحزب، يعني أمرين أساسيين، الأوّل، استمرار «حزب الله» في تعطيل تشكيل الحكومة وامعانه في وضع العصي بالدواليب وسعيه الدؤوب لإفشال أي مبادرة لحل ما سماه بعقدة تمثيل النواب السنّة كما فعل في عرقلة وإفشال مبادرة رئيس الجمهورية بهذا الخصوص.
الثاني، تهدئة العلاقة مع «التيار العوني» مرحلياً، وعدم ترك بعض المواقف تندفع باتجاه المزيد من تردي هذه العلاقات، لأن هناك مصلحة مشتركة للطرفين بالابقاء على هذه العلاقة بالرغم من التباينات التي تحكمها وخصوصا فيما يتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة وتسهيل الخطى المرتبطة بها لانطلاقة العهد لإكمال ولايته بتحقيق ما يصبو إليه من إنجازات وعد بها اللبنانيين ولم يستطع تحقيقها حتى اليوم بفعل ما يحصل.
ولن تقتصر نتائج الحملات التي بدأها الحزب عند هذا الحد، بل ستدخل البلد عموماً في مزيد من الردود من هنا وهناك وفي تأجيج محموم للوضع السياسي المترجرج اصلا في خضم المتغيّرات الإقليمية والدولية المتسارعة وخصوصا في دول الجوار، في حين ان أهم النتائج التي ستنجم عنها في حال استمرت الأمور على حالها، هو مزيد من التأزم السياسي بين الأطراف كلها، وان كانت التهدئة الظرفية تحتم إبقاء هذه الحملات ضمن ضوابط محددة لمنع انزلاق الأمور نحو الأسوأ وهذا ليس من مصلحة أي طرف من الاطراف، بينما النتيجة المؤلمة لكل ما يحصل هو استمرار الأزمة الحكومية على حالها وبقاء البلد بدون حكومة حتى اشعار آخر، والا لكان الأداء السياسي والممارسات السياسية للحزب تأخذ منحى آخر، لا يتوقف عند اختراع ما يسمى بعقدة توزير ممثّل عن النواب السنّة أو غيره.