Site icon IMLebanon

«الوعد الصادق».. حتّى آخر لبناني

منذ عام تقريباً وتحديداً خلال لقائه عدداً من كوادر حزبه في منطقة بيروت رد الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله على سؤال لأحد العناصر الذي طالب بإعطائهم أربعاً وعشرين ساعة لتأديب بلدة عرسال البقاعيّة لدعمها ووقوفها الى جانب الشعب السوري بالقول: «اتركولنا هالقصّة هلق لحتّى يجي وقتها«.

اليوم يبدو أن «وقت» عرسال قد حان بنظر نصرالله، وأن في النيّة أيضاً أكثر من مُجرّد «تأديب» يمكن أن يصل إلى حد الإنتقام خصوصاً وأنه يبحث لعناصره الغارقين في حرب القلمون عن «إنتصار» في أي مكان آخر حتّى ولو في الداخل اللبناني ليُعوّض لهم عن الإخفاقات والإنكسارات التي باتت تلاحقهم من منطقة إلى أخرى وتُلازمهم كقدر محتوم، وتجعل من قيادتهم عاجزة عن تحديد موعد واضح لهم لإخراجهم من مستنقع الموت الذي وضعتهم فيه.

تحوّلت عرسال إلى هدف أساسي من أهداف «حزب الله»، وبدأ يتم التحضير لحصارها ومن ثم ضربها في حال تمكّن من ذلك ولو عبر الجيش اللبناني الذي يُحاول الحزب توريطه بها وجعله في مواجهة مُباشرة مع أهلها وذلك ضُمن مُخطّط يسعى اليه شبيه بمُخطّط السابع من أيار ومعارك عبرا يوم ارتدت مجموعات من عناصر «حزب الله» بزات شبيهة بتلك التي يرتديها الجيش وقاتلت تحت اسمه، وهناك العديد من المقاطع المصوّرة الموثّقة التي تُظهر عناصره وهم يتعرّضون بالضرب لمجموعة من الشبّان ويوجهون الإهانات المذهبيّة اليهم.

إنغماس أكبر وانزلاق أخطر نحو حرب دموية لا فرضيّة لخروج أحياء منها. هذا ما بشّرنا به نصرالله أو ما بشّر به أبناء الطائفة الشيعيّة في لبنان في كلام له نقلته احدى وسائل الإعلام المؤيّدة له. تحدّث نصرالله عن معركة «وجود» في وجه «التكفيريّين» هو من أقحم هذه الطائفة بها، ويُريد أن يقضي اليوم على نصفها في سبيل أن يحيا النصف الآخر، وهو أيضاً من زجّ بأبنائها في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل حتّى جعلهم قرابين على مذبح النظامين الإيراني والسوري ووقوداً لمعارك درّجهم بها بدءاً من حماية الحدود الى الدفاع عن المقامات الدينيّة وصولاً الى تحويلهم لصور مُعلّقة داخل المنازل وخارجها مُزيّنة بعبارة «شهيد الواجب«.

«إن شاء الله لن يستشهد هذا العدد» جملة قالها نصرالله خلال اللقاء المذكور بعدما أوقع نفسه في فرضية مقتل نصف أبناء طائفته في مشروع الحرب التي ينخرط فيها، وكأنّه أراد أن يُطمئن الحاضرين الى أن مجموع القتلى خلال المرحلة المقبلة لن يتخطّى نصف عدد الشيعة في لبنان، وهنا يتبادر سؤال مهم وهو، هل فعلاً يعتبر نصرالله مقتل مليون شخص أو أقل أو أكثر هو إنتصار؟ وهل تكون التضحيات في سبيل تحرير الأوطان والإنسان أم في سبيل الدفاع عن أنظمة ديكتاتوريّة تحكم شعوبها من داخل أبراج مُشيّدة وهي تستمتع بمشاهدتهم وهم يقتلون حرقاً ببراميل متُفجّرة وبأنواع من الأسلحة الكيماوية؟؟

من يغوص في بحر كلام نصرالله يُدرك مدى عمق الأزمة التي يعيشها اليوم «حزب الله»، وما اعلانه «التعبئة» في صفوف بيئته قريباً سوى دليل واضح على الخسائر التي يتكبدها لدرجة تحوّلت وعوده بالنصر الى أمنية بعدما كان سبق وأكد أكثر من مرّة أنّها باتت في متناول أيادي عناصره. وفي كلامه عن إسكات «الابواق» التي تُهاجم تدخّل «حزب الله» في سوريا وتنتقد ممارسته، يكون نصرالله قد وضع نفسه في مكان المجموعة المُسلّحة التي قال انها ذبحت مجموعة اخرى لمجرّد أنها رفضت مبايعتها وذلك من خلال دعوته المُبهمة على قاعدة «إمّا معنا وإمّا علينا«.

حاول اعلام «حزب الله» بالأمس وبشكل خجول أن يقول ان ما خرج عن لقاء نصرالله بالكوادر لم يُنقل بالدقة التي تحدث بها، مع العلم أن مندوب الوسيلة الاعلامية التي نقلت كلامه كان حاضراً خلال اللقاء وقام بتدوين كل كلمة، ونقل الجزء المُخصّص حول من أسماهم نصرالله بـ»شيعة السفارة الاميركية» ووصفهم بـ»الخونة والعملاء والأغبياء»، وهكذا نكون أمام اعلام آخر «ممانع» مُماثل للإعلام الذي توجّه يوماً الى مجموعة من الإعلاميّين وطالبهم بـ»تحسّس رقابهم»، وهو تهديد مباشر من جهة محشورة يُمكن أن تقوم بأي رد فعل فيما لو شعرت بخطر يُداهمها ويُهدّد «إنتصاراتها» الوهميّة. وأيضاً تكمن الخطورة في ترجمة كلام نصرالله من خلال قوله عن الجهة المُعارضة له «لن نسكت بعد اليوم ولن نداري أحداً».

كلام نصرالله كان له إنعكاس لبناني تُرجم من خلال رفض اللبنانيّين لمبدأ التخوين أولاً والزجّ بشبابهم في أي حرب خارج حدود وطنهم. لكن الإستغراب الأكثر كان ما خرج على لسان أكثر من شخص يُعتبرون من المحسوبين على بيئة «حزب الله» سواء داخل مناطق نفوذه وخارجها، والذي بدا متآلفاً ومُترابطاً من حيث المبدأ والشكل وتحديداً في آرائهم التي عبّروا عنها بقولهم انّهم غير مُستعدين للموت هم وأبناؤهم في سبيل بشّار الأسد، وأن «التعبئة» العامة تُلزمهم فقط في مواجهة إسرائيل على غرار الدعوة التي كان أطلقها نصرالله قبل يومين من استشهاد نجله هادي.