IMLebanon

تسوية الترقيات: قرار سياسي لا صلاحية وزير

ما يعوز تسوية الترقيات العسكرية قرار سياسي فحسب. النصوص القانونية مطاطة ومرنة على التبرير والتفسير والاجتهاد كي تستجيب التسوية تلك. ليس وزير الدفاع سوى عقبة وهمية تخفي وراءها الخصوم الحقيقيين وتصفية الحسابات

اكثر من مفارقة ترافق سجال الترقيات العسكرية الموزّع على مؤيدين ومعارضين. بعضه سياسي، والبعض الآخر قانوني. تارة قرار الترقية عسكري يخضع لاصول القانون، وطورا سياسي ينجم عن لعبة المناكفات بين الافرقاء المعنيين. مرة يصح القرار في مجلس الوزراء، واخرى يرتبط حصرا بالوزير المختص. دائما يقال ان صاحب الترقية يستحقها، واحيانا يقال بحرمانه اياها لأن مَن يقطفها مرجع آخر. هكذا يكمل الخلاف على ترقية قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز وعميدين آخرين دورانه في طواحين الهواء.

لعل ابرز مفارقات المشكلة:

1 ــــ استندت التسوية الجاري الحديث عنها لترقية روكز الى لواء الى المرسوم التطبيقي 3771 (22 كانون الثاني 1981) لقانون الجيش 3/1979 الذي حدد عديد الجيش وفي متنه ثمانية الوية. ما يتيح رفع العدد الحالي للضباط الالوية، وهم خمسة، الى ثمانية بضم روكز وعميدين آخرين اليهم. على ان اولى المفارقات تلك ان القانون 3/79 ملغى بالمرسوم الاشتراعي 102/83، وتحديدا في المادة 158 منه، فيما مفاعيل المرسوم التطبيقي ذاك لا تزال سارية منذ 34 عاما بقرار من مجلس الوزراء.

بسبب تعذّر اصدار مراسيم تطبيقية جديدة ملحقة بالقانون الجديد للجيش في المرسوم الاشتراعي 102/83، قرر مجلس الوزراء في جلسة 22 تشرين الثاني 1983، بناء على اقتراح وزير الدفاع آنذاك عصام خوري، الابقاء على مفاعيل المرسوم التطبيقي السابق لقانون ملغى بذريعة «تأمين استمرار العمل» الى حين صدور المراسيم التطبيقية الجديدة. لم تصدر مذ ذاك المراسيم تلك، فاذا قرار مجلس الوزراء يحيي مرسوما تطبيقيا الغاه قانون عندما الغى قانون 3/79.

على نحو كهذا استمر العمل بعديد الجيش كما نُصَّ عليه قبل 34 عاما، بما في ذلك وجود ثمانية الوية فيه.

كما فرض القرار السياسي تأجيل التسريح، يفرض متى وجد ترقية روكز

طوال تلك السنين لم يكن ثمة لواء في الجيش خارج نطاق الاعضاء الخمسة في المجلس العسكري كون سادسهم هو العماد قائد الجيش. كان العمداء يحالون احيانا على التقاعد للتخلص منهم بحوافز مالية وترفيعهم الى رتبة لواء، لكن خارج الجيش. الا انه لم يكن في المؤسسة العسكرية مرة مذ ذاك لواء سادس، ولم تكن ثمة حاجة الى ملء عديد الالوية الثمانية في المرسوم التطبيقي 3771. لم تكن ايضا ثمة وظيفة مرتبطة بتلك الترقية. الى ان إستفاق مَن إستفاق فجأة على المرسوم التطبيقي كي يقول ان المؤسسة العسكرية تستوعب ثمانية الوية ما دام القانون اجاز هذا العديد، ومن ثم يتاح ترقية روكز وعميدين آخرين سني وشيعي الى هذه الرتبة.

2 ــــ بدوره إستفاق وزير الدفاع الحالي ــــ او قد يكون إستُفِيق ــــ على الفقرة 4 من المادة 42 في قانون الدفاع كي يضرب قدميه في الارض ويرفض ترقية روكز الى لواء بمرسوم عادي لا يحتاج اقراره الى مجلس الوزراء، بل الى تواقيع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزيري المال والدفاع، بحجة تجنيب الجيش تسييه.

واقع الامر ليست الصلاحية القانونية تجيز تعيينا كهذا، بل القرار السياسي. لعل الوزير يذكر ــــ او ربما ذُكِّرَ ــــ ان القرار السياسي هو الذي ابقى قائد الجيش العماد جان قهوجي في منصبه سنتين اخريين بعد بلوغه سن التقاعد. ثم عُثر لاحقا على المادة التي تجيز تأجيل التسريح، وهي المادة 55 التي لم يسبق تطبيقها على نحو كهذا في رأس هرم المؤسسة العسكرية. كما لم يسبق من قبل ترقية عميد الى لواء تبعا للمادة 42 في المرسوم الاشتراعي 102/83 كي يكون بلا وظيفة.

كذلك القرار السياسي، بشقيه الداخلي والخارجي، برّر تأجيل تسريح رئيس الاركان اللواء وليد سلمان والامين العام للمجلس الاعلى للدفاع اللواء محمد خير، وايضاً وايضاً مدير المخابرات العميد الركن ادمون فاضل. القرار السياسي ــــ لا الاستدعاء من الاحتياط ــــ هو الذي ابقى فاضل في منصبه قبل العثور على المادة في القانون. وحينما كان وزير الدفاع يلح على تعيين خلف لفاضل هو قائد الحرس الجمهوري العميد وديع غفري، بناء على طلب الرئيس ميشال سليمان، كان القرار السياسي يفرض على الجميع ــــ واولهم وزير الدفاع الحالي ــــ بقاء فاضل، ومن ثم ايجاد مخارج تبريره.

ما هو واضح حتى الآن ان ليس ثمة قرار سياسي بابقاء روكز في المؤسسة العسكرية، على وفرة ما يدّعيه في العلن على الاقل معظم الافرقاء، وأبرزهم خصوم الرئيس ميشال عون، الذين يرفضون اعطاءه مكسبا سياسيا يُعدّ كبيرا وان كان ــــ فعلا ــــ ليس كذلك. اذ تمدد الترقية خدمة قائد فوج المغاوير سنة واحدة في الجيش برتبة جديدة، من غير ان يكون مأموناً انها ستقوده حتما الى قيادة الجيش بعد ذاك، لأن احدا لا يسعه التكهن بموعد انتخاب الرئيس الجديد في مدى قريب، ولا بما سيكون عليه الواقع السياسي عندئذ.

3 ــــ رغم ان الفقرة 4 من المادة 42 في قانون الدفاع تجعل صلاحية وزير الدفاع مقيِّدة وملزمة، بحيث لا يصدر مرسوم الترقية سوى بناء على اقتراح الوزير المختص، لا يسع مجلس الوزراء تجاوز هذه الصلاحية ووضع اليد عليها بتوليه هو الترقية.

ما خلا اختصاصه تعيين أعضاء المجلس العسكري، لا يسع مجلس الوزراء ترقية ضابط الى رتبة أعلى ايا تكن الاكثرية المصوّتة. وبينما يفرض تعيين أعضاء المجلس العسكري جميعا نصاب الثلثين، فإن ترقية الضباط اختصاص حصري باقتراح وزير الدفاع. ولولا ان المادة 38 في قانون الدفاع تخصص رتبة عماد لقائد الجيش فقط، في وسع وزير الدفاع ترقية لواء الى رتبة عماد. حصل ذلك مرتين على التوالي في ما مضى، في ظل قوانين دفاع سابقة، بترفيع رئيسين للاركان الى رتبة عماد رغم وجود عماد هو قائد الجيش، هما العمادان يوسف شميط عام 1970، وسعيد نصرالله عام 1975. على ان القانون النافذ يكتفي بعماد واحد هو قائد الجيش.