قال وليد جنبلاط ما يريد قوله بهدوء كلّي فخابت ظنون (وآمال) الذين راهنوا على موقف تفجيري. فبدا رئيس جبهة النضال الوطني كأنه يفسح في المجال أمام المفاوضات وأمام الحلول.
ولا بدّ من بضع ملاحظات:
1 – إنّ قبول جنبلاط بأن يبقى رئيساً للحزب التقدمي الإشتراكي، وهو الذي التزم (منذ العام 2015) بالتنحي لمصلحة نجله السيد تيمور إنما هو مؤشر الى أنّ الرجل ينظر الى التطورات والمستجدات نظرة جدية جداً ما دفع به إلى تأجيل إنتقال الخلافة سنة إضافية على الأقل.
2- تميّز الموقف الجنبلاطي، أمس، في مؤتمر الحزب الذي عقد في فندق فينيسيا، عن رغبة أكيدة في التفاهم مع الأطراف اللبنانية كافة، وهو خص الأحزاب والتيارات المسيحية بالذكر.
3- لم يشرح وليد بك، بالتفصيل لماذا كان أول من قال بالقانون الإنتخابي المختلط بين الأكثري والنسبي (يراجع المشروع الذي تقدم به ثلاثي أحزاب القوات اللبنانية وتيار المستقبل والحزب التقدمي الإشتراكي) كما لم يشرح لماذا تراجع عن هذا المشروع بعدما تبنته، من حيث المبدأ، أطراف أخرى أبرزها التيار الوطني الحر والرئيس نبيه بري، علماً أن ضلعي ثلاثي المشروع الآخرين (المستقبل والقوات) لم يعلنا التراجع عنه بعد، بل ان »القوات« مصر على الإلتزام به.
4- صحيح ما قاله الوزير جنبلاط من أنّ الطائف لم ينص إطلاقاً على النسبية. وهذه حتمية واضحة غير قابلة للنقاش. تتبين من نصوصه المعلنة والأمر لا يحتاج الى كبير جهد لقراءته وهو في متناول الجميع، وعبر الوسائل كافة. ولكن هل فات وليد بك، في المقابل، أنّ الطائف لم ينص كذلك على الأكثري قانوناً للإنتخاب؟ ومن باب أولى أنه لا ينص على أي صيغة ثالثة. ذلك أن الدساتير لا تتناول الصيغ القانونية القابلة للتعديل، إنما هي تتناول الثوابت الوطنية والإنسانية. وهذا مبدأ معروف في علم الدستور. وقوانين الإنتخابات هي قوانين عادية وليست دستورية، خاضعة للتعديلات وفق المتطلبات والمستجدات والضرورات الوطنية التي تطرأ.
من هنا إن هذه النقطة التي يلجأ إليها كثيرون بمناسبة وبغير مناسبة، وآخرهم جنبلاط في مناسبة المؤتمر العام للحزب الإشتراكي، يمكن أن ترتد على أصحابها ببساطة.
في أي حال جاءت الجمعية العامة الـ47 للحزب الإشتراكي مناسبة حيوية لافتة إن في توقيتها أو في مضمونها أو في إنتخاب المرأة بشكل ملحوظ في مجلس القيادة الجديدة.
ونحن الذين قيّض لنا أن نعرف الرئيس المؤسس المرحوم الشهيد كمال بك جنبلاط في السنوات الأخيرة من عمره، وقد سقط في ذلك الإغتيال المجرم نرانا نرحّب بهذه الأحزاب العريقة أمثال الإشتراكي والكتائب والوطنيين الأحرار والشيوعي والقومي، ولاحقاً التيار الوطني الحر، وتيار المستقبل، مشدّدين على أن هذا الحراك الحزبي هو دليل عافية وديموقراطية بالرغم من كل ما يعوق المسيرة الحزبية عموماً من عوائق وما يعتريها من شوائب أبرزها الحال العائلية في معظم تلك الأحزاب وتحوّلها الى تجمعات طائفية عموماً ، باستثناء الأحزاب العلمانية.
وبقدر ما نرحّب بالحراك الحزبي (تكراراً: بالرغم من الشوائب والعوائق) نرانا نأسف لأنّ «الكتلة الوطنية» و «الكتلة الدستورية» غابتا عن المشهد الأُولى منذ عقود طويلة، والثانية أخيرا… ما يثبت أن الأحزاب اللبنانية ذات طابع عائلي، حتى إذا إنقطع امتداد العائلة أو ضمر نفوذها تراجع الحزب حتى الإضمحلال.