من البلوك رقم 9 وتهديدات افيغدور ليبرمان، الى الجدار الفاصل على الخط الأزرق، الى الجولة الحربية في اليومين الماضيين التي شهدت اسقاط مقاتلة اف 16 اسرائيلية وموجة من الغارات، الى انقسام اهل التحليل كالعادة، بين من لا يرى افق الحرب الشاملة طالما هي لم تقع، وبين من يراها وشيكة ليل نهار .. في كل هذا، تبدو المسحة “المحلوية” التي تلونت بها بدايات الموسم الانتخابي مضطربة، متخبطة، امام ايقاع رجعة “الهم الاقليمي”، من بابه الواسع.
هي مرة جديدة يجري تذكيرنا فيها بأن “المحلي” عندنا، يفتقد مجالاً خاصاً به، له حد ادنى من التمايز عن “الاقليمي”.
والحال انه، ما بين التعثر المتكرر للخروج بحلول سياسية في سوريا، وما بين ارتفاع وتيرة الاستقطاب الايراني العربي في منطقة الخليج، فقد دخلنا بالفعل مرحلة جديدة، مع اعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب نقل السفارة واعترافه بالقدس عاصمة لاسرائيل. ذلك ان حكومة بنيامين نتنياهو تتصرف كما لو انها حيال فترة دولية قد لا تتوفر لاحقاً، لفعل “شيء ما”. فطالما هي تحظى بترامب في البيت الابيض، وبوتين في الكرملين، يمكنها نسج سياسات اقليمية مدعومة من واشنطن وموسكو معا. واذا كان بوتين حالة “مزمنة”، يبقى ترامب، حالة “مؤقتة” ينبغي الاستفادة منها قبل ان تطوى صفحتها.
حتى الآن، ما زال افق التصاعد القصوي للتوتر صعباً، ذلك ان تحريكاً شاملاً للمواجهة مع ايران وحلفائها من الصعب ان يحظى باندفاع لصالحه في الشروط الحالية، ضمن المجتمع الاسرائيلي، وايضاً لدى الجيش الاسرائيلي الذي يريد قبل كل شيء تقدير القدرة الفعلية لمدى اشتغال نظام القبة الحديدية عند الانتهاء من تشكيله، قبل الانصراف لاي مخططات واسعة. يبقى ان سؤال “كيفية الاستفادة من ظرف لا يتكرر اسمه دونالد ترامب” هو الشغل الشاغل لكامل المؤسسة الحاكمة في اسرائيل.
في الوقت نفسه، اعتمدت حكومة نتنياهو في السنوات الماضية، وبشكل متزايد في العام الاخير، سياسة الحرب الجوية المتقطعة على اهداف للنظام السوري وحزب الله والحرس الثوري في سوريا، واعتبرت ان هكذا حرباً تعود بالغلّة، كل اسبوعين ثلاثة، ولا تأتي بالخسائر طالما ان الكل مكبّل بسواه في سوريا… الى ان حدث الاحتكاك في نهاية المطاف بين سياسة اسرائيلية اقليمية مبنية على “لنبني القبة الحديدية ثم نذهب للحروب الجديدة”، اي انطلاقاً من منظومة اعتراض للصواريخ، تقابلها سياسة ايرانية قوامها العسكري الاساسي تشكيل منظومة دفاعات ارض ـ جو. تخبرنا حادثتا الدرون وإسقاط المقاتلة الجوية عن هاتين المنظومتين.
الجولة الحربية التي شهدناها في اليومين الماضيين لا تفتح مباشرة المجال للحرب الشاملة، لكن ليس صحيح ابداً انها جولة معزولة يعود بعضها كل الى معتاده “التقليدي”. هي جولة ستتبعها دراسة لما حصل خلالها، وهذه الدراسة هي التي سيعود ويكون لها تأثيرها في متابعة المزيد من الجولات، التي يمكن ان تؤدي في نهاية المطاف الى الاحتراب الشامل.
حيال هكذا جولة، سؤال المصلحة اللبنانية وجد الطريق اليه في اعين الناس، واسئلتهم، قبل اي شيء آخر. من ناحية، التهديدات الاسرائيلية التي تشمل لبنان واللبنانيين ككل تزداد. من ناحية ثانية، تصاعد حملة التجفيف الاميركية لمصادر تمويل “حزب الله”. من ناحية ثالثة، الحزب هو في صلب المواجهة الاسرائيلية – الايرانية في سوريا. من ناحية رابعة، هناك موقف دولي ظل فاعلاً طيلة السنوات الاخيرة، عنوانه الابرز ابعاد لبنان قدر المستطاع عن الحريق الشامل في سوريا. كيف يمكن ان تتقاطع كل هذه النواحي لترسم المشهد؟ ترسمه وتبدل فيه يوماً بيوم. لا مشهد واضحاً، اقليمياً، لموقع ودور البلد في مسائل الاقليم الملتهبة. لكن الواضح ان الاقليمي سيزداد والمحلي سينقص في الاشهر المقبلة، وان الانتخابات لا يمكنها ان تُسقط كل هذا من حسابها، حماية لبنان، من المشاريع المعادية، ومن امتداد الحريق الاقليمي في نفس الوقت، هي مهمة صعبة.. لكنها الاشكالية المحورية الآن، وهي تعني من جملة ما تعنيه، ان حماية الانتخابات من حماية لبنان.