من مهنة إنسانية الى أخرى تجارية بحتة، هكذا حوّل بعض «الأطّباء التجّار» الطبّ من رسالة الى تجارة تُفقد المريض كرامته وتُثقب جيوبه وتعرّضه للخطر. فكيف يخرج بعض الأطبّاء عن أخلاقيات المهنة، لزيادة أرقامهم في قائمة حساباتهم المالية، وكيف يحمي المريض نفسه، في ظلّ غياب الرقابة الدقيقة؟
يتناقل الناس كثيراً من القصص والشكاوى حول أعمال «بعض الأطباء» الذين وقعوا ضحيتهم بسبب متاجرتهم بهم وبمرضهم وفي جميع الاختصاصات دون استثناء.
وفي الفترة الاخيرة، ارتفعت بشكل كبير في لبنان، نسبة زيارة المرضى الى اختصاصيّي الامراض السرطانية والعيون وعمليات التجميل. في هذا الاطار، حاورت «الجمهورية» اطباء من هذه الاختصاصات، فكشفوا لنا التجاوزات الحاصلة، مقدّمين نصائح تحمي المريض الضحية.
في الأمراض السرطانية
بدأت «الجمهورية» جولتها مع خريج مستشفيات الولايات المتحدة والرئيس الحالي لقسم علاج الأورام بالإشعاع في مركز «كليمنصو الطبي» البروفيسور نيقولا زوين، الذي أوضح لنا الصورة قائلاً «نحن لا ننكر وجود خلل معيّن في النظام الصحّي اللبناني، ما يحمي تجاوزات البعض، وعلى الأثر على المريض ان يكون واعياً لحماية نفسه. بدايةً، نحن نلاحظ أنّ المريض اللبناني تجمعه علاقة عاطفية بطبيبه بسبب معالجته لفرد من عائلته مثلاً او لانتمائه للطائفة أو الحزب نفسه. هذه العقلية من المفترض أن تتغيّر، لأنّ المقاربة بين المريض والطبيب يجب ان ترتكز على الاساس العلمي، أي على المريض أنّ يعلم عند أيّ صاحب اختصاص عليه التوجّه، لا سيما عند الإصابة بالسرطان، لأنّه لا يوجد ايّ طبيب متخصّص في كل شيء، وعلى العكس إنّ توفّر فريق عمل يضمّ جميع الاختصاصات يؤمّن النتائج الأفضل للمريض. وفي هذا الاطار، أقدّم عدداً من النصائح التي يجب أن يتّبعها المريض لحماية نفسه:
– أولاً، على مريض السرطان بعض الواجبات قبل التوجّه عند طبيبه، وهي البحث عن مرضه، وبالطبع ليس بواسطة «Google» أوغيره، بل عبر مواقع علمية موثوقة، اذكر منها: «nccn.org»، «Astro.org»، «cancer.gov». هذه المواقع، تشرح للشخص عن مرضه بالتفاصيل المملّة، وتَذكر له ما هي الفحوصات التي يجب الخضوع لها وحتّى إنها تحدّد الأدوية والعلاجات المناسبة لحالته. وبهذه الطريقة، يحمي المريض نفسه من ايّ استغلال، وفي حال كان غير متعلّم، بالطبع سيجد احداً من عائلته او محيطه لمساعدته في هذا الموضوع.
إستبدلوا طبيبكم في حال…
– ثانياً، اؤكد للجميع أنه لا يمكن التأكد من السرطان بأيّ فحص سوى من خلال الزرع، وعند صدور النتيجة واذا كانت ايجابية، أطلب من المريض التوجّه الى مختبر او مركز او مستشفى آخر واعادة الفحص للتأكّد من نتيجته، كما أنصحه أن لا يتردّد في أخذ رأي اختصاصي آخر، وعدم التوقف عند فكرة «رحنا عند الحكيم وارتحنالو».
– ثالثاً، عند الشك بأيّ فحص او دواء او علاج، اطلبوا من الطبيب الدراسات العلمية او البراهين التي تفسّر سبب اختياره هذا، أو مثلاً فعالية الدواء على أجسامكم، واذا لم يستجب لطلبكم، استبدلوا طبيبكم بآخر.
– رابعاً، ولا سيما في العلاج الشعاعي، قد تسوّق كثير من المراكز أنّ الآلات المستخدمة هي الاحدث والاكثر تطوّراً، وهنا قبل تصديق هذه المعلومة اطلبوا من طبيبكم «الرقم السري» للآلة وابحثوا عنها بواسطة «الانترنت» وتأكدوا بأنفسكم. وأخيراً، غيّروا طبيبكم اذا لم يعطكم الوقت الكافي خلال الكشف، لأنه في العجلة الندامة خصوصاً أنها ترفع نسبة خطر حصول الخطأ الطبي، وعلى الدولة ايضاً تفعيل رقابتها لا سيما من ناحية تسويق الادوية من قبل الاطباء، واستغلال فاتورة المرضى الطبية».
في طبّ العيون
انتشرت بشكل كبير حديثاً على مواقع التواصل الاجتماعي الدعايات التسويقية الترغيبية للخضوع الى الليزر لتصحيح النظر. وكذلك تتعدّد في هذا المجال المراكز والمستشفيات المتخصّصة في أمراض العيون. فكيف يحمي المريض عيونه؟ بعتب، يجيبنا إختصاصي البصريات والعيون الصناعية والتعويضات الوجهيّة الدكتور محمود الحكيم قائلاً: «للأسف الرقابة غير موجودة في لبنان وهذا ما يفتح المجال امام ضعفاء النفوس للاستفادة من المريض الذي يجهل غالباً كيفية التصرّف. ويجب أن نؤكّد بداية أنّ إسم الطبيب وشهرته لا يرتبطان بالضرورة بالكفاءة، كما أنّ ارتفاع سعر الكشف ليس حكماً مؤشراً الى «شطارة» الطبيب. ويضيف الحكيم: «من هنا أقدّم نصيحة اولى للمريض وهي أن يبحث عن الحالات التي عالجها الطبيب وعن نتيجة وفعالية العلاج التي حققها وليس عن اسمه فحسب. في المقابل، يتميّز أطباء العيون عن بعضهم البعض ببراعتهم في حقل محدّد، وأتمنّى على الطبيب الذي لا تتناسب حالة المريض مع اختصاصه أن يوجّهَه الى زميل له من اصحاب الاختصاص، فمن الأخلاقيات عدم التمسّك «بالزبون»، لعدم تعريضه لمضاعفات اخرى مرتبطة بعدم براعته بمشكلته».
الفحوصات… تختلف بحسب
وسيلة الدفع
ويتابع حديثه: «في مجال الطب بشكل عام، والعيون بشكل خاص، أنصح المريض بالاستفسار عن حالته والإنتباه عندما يبدأ الطبيب بطلب فحوصات لا داعي لها، وأحياناً لعملية لا داعي لها، وذلك بعد أن يكون قد سأله عن طريقة الدفع، لأن عند البعض تختلف الفحوصات الطبية بحسب وسيلة الدفع، أي إذا كانت من مال المريض الخاص أو الضمان الإجتماعي أو «الوزّة الذهبية» في شركة تأمين مشهورة. كذلك، ليس على الطبيب أن يبيع ايّ دواء او تجربة آخر جديد على المريض، الّا انّ هذا يحصل بطلب من شركات الادوية، على قدر عمولة الطبيب معها، اضافةً الى توجيه المريض الى مختبر يحدّده مسبقاً الاختصاصي للدوافع نفسها. كما لا يمكن لأيّ طبيب بيع مستحضر طبّي داخل عيادته، ولو كان يتعلّق بوصفته.
4 شروط أساسية لليزر
من جهة أخرى، وبالنسبة لتسويق عمليات اللايزر، ومنها اللايزك، يقول الحكيم: «يهمني أن اوضح للمريض أنّ اللايزك بات يُستعاض عنه في أميركا و أوروبا منذ سنتين، وانا ضدّ كل الدعايات الترغيبية للتخلّص من النظارات بعمليات تصحيح انكسار البصر، وهنا اتمنّى على المرضى عدم الانجرار والتمتّع بالوعي والثقافة في هذا الموضوع بالذات، وأشدّد على أنّ كلّ ما هو قابل للتصحيح بنظارات طبية وعدسات لاصقة، قابل للتصحيح بعمليات تصحيح انكسار البصر باللايزر، شرط مراعاة 4 شروط، لتلغى العملية اذا غاب شرط واحد منها:
1- أن يكون الشخص أنهى كل ما يتعلق بالدراسة الاكاديمية (لا عمر محدد)
2- ثبات ضعف النظر لسنتين متتاليتين
3- أن يكون ضعف النظر ما بين درجة ونصف و 7 درجات كحدّ أقصى، و تُدرس حينها إمكانية زرع عدسة داخلية أو إستئصال عدسة العين تبعاً للحالة
4- أن يكون هناك طوبوغرافية سليمة للقرنية وسماكة معيّنة.
«التنصيب» في التجميل
أمام تغيّر مفاهيم الجمال وتوافد الناس الى وسائل التجميل المختلفة، بات بعض «الأطباء» في هذا المجال أو المعتدون عليه، لا يهمّهم سوى المال، ما يفسّر كثرة الكوارث والفضائح المتركّبة من قبل هؤلاء بحق المرضى. هذه المعلومة أكدّها لنا رئيس قسم الجلد في مستشفى جبل لبنان الدكتور روي مطران الذي تحدث الينا بلهجة عالية النبرة، وقال: «في مجال التجميل يوجد كثير من الربح، ما يحفّز رغبة جميع الاطباء بممارسة هذا الاختصاص، ولكن بالطريقة الأسهل، أي دون تخصّص! ويهمّني أن أوضح أنّ التخصّص في هذا المجال يحتاج 5 او 6 سنوات وبالتالي «دورة» التجميل لاسبوع أو شهر، لا تجعل من الشخص اختصاصي! وهنا يبدأ استغلال المريض واحاطته بالمضاعفات. ولا يقتصر «النصب» والاحتيال عند هذا الحدّ، فمنهم يستعملون المنتجات الرخيصة والسيّئة جدّاً، ولكنهم يطالبون المريض بالكلفة نفسها للمستحضرات الطبية الموثوقة. كذلك، يخترع البعض علاجات أو بِدعاً «وهمية»، فيُخضعون المريض الى آلات لا فائدة لها، أو لحقن «بلا طعمة»، ويُقنعونه بفعاليتها، ويرفعون سعر هذه الإجراءات. هذه المعلومات هي غيض من فيض، وفعلاً كل هذه البدع غير الاخلاقية تسيء الى سمعة الاطباء الفعليين. على ايّ حال، ولحماية نفسه، أطلب من المريض إختيار الطبيب المناسب صاحب التخصّص والمصداقية، ومعرفة انه لا يمكن ان يقوم سوى اختصاصي التجميل واختصاصي الجلد بعمليات التجميل، اضافةً الى ضرورة تأكّد المريض أنّ المنتج المستعمل حائز على تصديق منظّمة الصحة العالمية للتجميل (FDA)».