Site icon IMLebanon

حماية «حزب الله»: نظام مجهول الهوية

«النظام» واحدة من تلك الكلمات المبهمة، خصوصاً عندما يجري الحديث عن «نظام» ما في بلد مثل لبنان دون أن يكون بالمقدور الفصل إن كان المعني بذلك هو «نظام حكم» أو «نظام امتناع الحكم» أو «نظام حاكم» أو «نظام محكوم»، ناهيك عن المماحكة الممجوجة بعض الشيء حول الفارق بين النظام كنهج، «ريجيم»، وبين النظام كنسق، «سيستام»، أو التفريق الميتافيزيقي بين «النظام» و»الدولة»، الذي يهوى أساتذة كليات الحقوق تلقينه لطلابهم كأنه حقيقة منزلة يفترض بهم قبولها «بلا كيف«.

طبعاً، لا أحد بمستطاعه الحديث عن «النظام اللبناني» بالشكل الذي كان يجري فيه الحديث عن «النظام السوري» مثلاً، أو عن «نظام الوصاية السورية على لبنان«.

وهناك من يظلّ يفضّل الإطلاق والابهام بالحديث عن «النظام الطائفي» أو «نظام الطوائف» لاظهاره كنظام قديم، وبالٍ، ينبغي «اسقاطه»، وانتاج «نظام جديد»، دون ان يكون معروفاً حينها ما الذي ينبغي اسقاطه بالتحديد، ومن؟ الرد الشعبوي «اسقاطهم جميعاً» يريد اسقاط السياسة من السياسة.

في البلدان العربية الأخرى، كان شعار «الشعب يريد اسقاط النظام»، على التباساته هو الآخر، يتحلى بشيء من الوضوح يظهر عند القول، بأن النظام هو نظام الشخص الفلاني، أو الحزبي الفلاني، أو العائلة الفلانية. لكن نظام خاصتنا، يقال رأساً بأنه نظام مركب بين أشخاص مختلفين في ما بينهم، وطوائف متباينة في ما بينها، فما هو التهديف الواضح الذي يمكن التعويل عليه حياله؟

جليّ في المقابل ان اللبنانيين متضررون بغالبيتهم العظمى من «نظام ما». يختلفون في تحديد أصله وفصله وماهيته وكونه «نظام ماذا» و»نظام من». لكنه «نظام مجهول باقي الهوية» الى حد كبير. هناك من سيقول لك انه «نظام الطوائف»، وآخر «نظام المافيات، وثالث «نظام الوصايات الأجنبية»، ورابع «نظام المحاصصة». وكلّها توصيفات تدلّ على أزمة صاحبها في انتقاء توصيف سياسيّ برنامجي واضح. يستثنى من ذلك فريقان. التيار العوني عندما يعتبر ان النظام هو نظام اتفاق الطائف الذي جعل رئاسة الحكومة بدل رئاسة الوزراء. وكلاسيكيو الرابع عشر من آذار الذين يعتبرون انه نظام هيمنة «حزب الله» على البلد أو نظام تعطيل «حزب الله» للبلد، أو شيء من الهيمنة مع شيء من التعطيل. المشترك بين النظرتين، العونية والآذارية الكلاسيكية، على الاختلاف الحاد بينهما، انه بمستطاعهما التحديد سياسياً هذا نظام من، وليس الاكتفاء بهلاميات حول «نظام الطوائف والمستغلين والمحاصصة والمافيات» الى آخر القافية. كما ان المشترك بين الاذارية الكلاسيكية والعونية ان كلا منهما توصف من ورث الوصاية السورية. في الحالة الاولى: «حزب الله». في الحالة الثانية: كل من حرم ميشال عون الخلافة، عفواً، الرئاسة.

يبقى ان المشترك الثالث بين النظرتين هو الاكثر اهمية: فالعماد ميشال عون كان واضحاً في طلته الأخيرة بأن العلاقة مع «حزب الله» ليست علاقة «تفاهم» او «تحالف» فحسب، بل علاقة «حماية»: المسيحيون في حماية الحزب. وهذا اقرار اساسي بأنه نظام يحاول فيه حزب مذهبي مسلّح ان ينتدب نفسه لحماية الطوائف الاخرى من بعضها البعض، او من نفسها، تارة من اعتدالها بشكل لا يلائمه، وتارة من تطرفها بشكل لا يناسبه. هنا التوصيف العوني لنظام «حماية» حزب الله يشكل صورة النيغاتيف للاتهام الذي يرمى به الحزب بأنه يعمل على فرض «حمايته» بالمعنى الكولونيالي الداخلي للكلمة، على بقية الاطراف.

رغم ذلك، فان نظام حماية «حزب الله» لا يمكن ان يستوعب كامل الاحتجاجية الشعبية ضد النظام القائم في لبنان، مثلما لا يمكن لشعبوية التهديف ضد «نظام الطوائف» ان تستوعب هذه الاحتجاجية المتصاعدة. هناك طاقة احتجاجية ضد «نظام مجهول الهوية» لا يمكن ان يختزل في التوصيفات الرائجة له، ربما باستثناء انه نظام حمايات «حزب الله» والاحتماءات بها، كما نظام تبرير كل اخفاق وكل فشل وكل مصيبة بالشكوى من «حزب الله«.