Site icon IMLebanon

الإجراءات الحمائية ربما تقوّض نفسها بنفسها

               

يبدو أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأسبوع الماضي، فرض رسوم على واردات الحديد الصلب والألومنيوم من أوروبا وكندا والمكسيك، هي النقطة التي سيطفح عندها الكيل بالكثير من أعضاء الحزب الجمهوري الذين حاولوا حتى اليوم ابتلاع الكثير من مقترحات ترمب الأكثر إثارة للغضب بخصوص قضايا تتعلق بالسياسات الداخلية والخارجية. واليوم يبدو أن الكثير من القيادات في مجال الأعمال التي سبق أن قللت من أهمية الحديث عن اشتعال «حرب تجارية»، أصبحت على قناعة بأن ثمة تهديداً حقيقياً يواجه حرية التجارة.

جدير بالذكر أن خصوم ترمب داخل الحزب الجمهوري يمثلون بعض أكثر الأصوات تأثيراً هناك. وتكشف الفجوة الحادة التي ظهرت فجأة بينهم وبين البيت الأبيض أنه رغم مرور عامين من الجهود الشعبوية الناجحة من قِبل ترمب لبناء قاعدة غاضبة، فإن الإجماع التجاري التقليدي داخل الحزب الجمهوري لم يمت تماماً بعد.

وأعلنت ثلاث مؤسسات مدعومة من قبل الثريَّين المحافظَين تشارلز وديفيد كوك، الاثنين، عن أنها ستشن حملة دعائية وكذلك حملة ضغوط للتعبئة بهدف محاربة التعريفات المفروضة على الواردات. ويعد الأخوان كوك من أكبر الداعمين الماليين لمرشحي الحزب الجمهوري وقضاياه. وقد أكد أحد المسؤولين التنفيذيين بواحدة من المؤسسات الثلاثة أن: «التجارة تشكل أولوية كبرى بالنسبة إلى شبكتنا».

كانت صحيفة «ذي وول ستريت جورنال» قد اتهمت ترمب الأسبوع الماضي بإشعال «حرب تجارية لا ضرورة لها مع أقرب أصدقاء أميركا». وذكرت الصحيفة في مقالها الافتتاحي أنه: «لقد أثبت دونالد ترمب أنه بعيد تماماً عن صورة الشخص العبقري في إبرام الاتفاقات… لقد أكد أنه ليس سوى شخص يتبع التوجهات الحمائية عتيقة الطراز». وحذرت الصحيفة من أن تعريفات الألومنيوم والحديد الصلب «ستضر بالاقتصاد الأميركي والسياسة الخارجية لترمب وربما الجمهوريين ككل في نوفمبر (تشرين الثاني)».

من ناحيته، قال رئيس حزب النواب بول دي ريان الذي لم يسبق له توجيه انتقادات إلى ترمب: «أختلف مع هذا القرار»، وذلك في أعقاب الإعلان عن فرض التعريفات الجديدة، الخميس الماضي. وأضاف: «إجراء اليوم يستهدف حلفاء أميركا في وقت ينبغي أن نتعاون معهم».

ومن خلال هذه المعركة الدائرة حول التعريفات، يخوض ترمب ومنتقدوه معركة حول قضية ساعدت على امتداد أكثر عن قرن في صياغة لب توجهات الحزب الجمهوري، فمنذ إقرار الرئيس الأميركي الأسبق ويليام مكينلي التحول بعيداً عن الحمائية، شدّد الجمهوريون دوماً على أن التجارة تعني الرخاء، وأن التعريفات تضر بالتجارة والعمال.

إلا أن انتخاب ترمب قوض هذه الرؤية الجمهورية التقليدية، مع حشده العمال الغاضبين والناخبين في ولايات ما يُعرف باسم «نطاق الصدأ» للاعتراض على السياسات التجارية المركزية. إلا أنه يبقى التساؤل: ما مدى ضخامة وقوة القاعدة التي يتمتع بها ترمب في ما يخص التجارة؟ ورغم أن الشقيقين كوك وعدداً آخر من رجال الأعمال المحافظين استمتعوا بقوة التمرد الذي قاده ترمب، فإنهم يبدون اليوم على قناعة بأنه من خلال جهود «التعبئة» المباشرة، بمقدورهم اجتذاب ناخبين جمهوريين بعيداً عن السياسات الحمائية الصريحة.

ومع اقتراب انتخابات التجديد النصفي، تبدو قضية التعريفات في جزء منها لعبة أرقام. والسؤال هنا: كم عدد الناخبين المحتملين المستفيدين من السياسات الحمائية وكم عدد المتضررين؟

من جانبه، نشر معهد «بيترسون للاقتصاديات الدولية»، الأسبوع الماضي، دراسة خلصت إلى أنه إذا ما مضى ترمب باتجاه المرحلة التالية من الحرب التجارية التي يشنها، وفرض رسوم بقيمة 25% على الواردات من السيارات والشاحنات والسيارات الرياضية، فإن الولايات المتحدة ربما تخسر جراء ذلك 195 ألف وظيفة و1.5% من الناتج من صناعتي السيارات وقطع الغيار. كانت دراسة أخرى صادرة عن المعهد ذاته الشهر الماضي قد رأت أنه بسبب سلاسل العرض العالمية، فإن التعريفات التي أقرها ترمب قد تضر بقدرة الولايات المتحدة على المنافسة وتُلحق الأذى ببعض الصناعات.

وتكشف هذه الدراسات ما شدد عليه خبراء اقتصاديون منذ فترة بعيدة، أنه في إطار الاقتصاد العالمي القائم اليوم فإن الإجراءات الحمائية ربما تقوض نفسها بنفسها. ولا يعود ذلك لمجرد أن دولاً أخرى سوف تنتقم بفرض تعريفات ضد منتجاتنا -مثلما تعهدت أوروبا وكندا والمكسيك بالفعل- وإنما لأن التعريفات تضر بأعداد أكبر من العمال الذين تساعدهم. بمعنى آخر فإن التعريفات تضر بوظائف اليوم على حساب وظائف الغد.

وفي الوقت الذي يحاول الشقيقان كوك و«ذي وول ستريت جورنال» وريان، دفع الحزب الجمهوري للعودة نحو جذوره المرتبطة بحرية التجارة، يواجه الديمقراطيون معضلة، ذلك أنه بمقدورهم محاولة المزايدة على سياسات ترمب الحمائية على أمل الفوز بأصوات العمال في نوفمبر. أو باستطاعتهم السعي لصياغة موقف تقدمي بالمعنى الحقيقي تجاه التجارة، بحيث يتركز الاهتمام على الصناعات الآخذة في النمو وليست تلك الآخذة في الانكماش.

كان الديمقراطيون قد أهدروا هذه الفرصة عام 2016، ومن خلال انضمامها إلى الأصوات المنتقدة للشراكة عبر المحيط الهادي، باعتبارها رمزاً للسياسات التجارية «الرديئة»، أخْلَت هيلاري كلينتون الساحة أمام سياسات ترمب المتمردة. إلا أنه في النهاية خرجت كلينتون والحزب الديمقراطي خاسرين بسبب هذا الموقف.

* خدمة «واشنطن بوست»