اذا جاز اطلاق وصف أم المعارك، فعلى المعركة الانتخابية البلدية التي شهدتها بيروت أمس. وقد تكون حرارة المنافسة المحلية في زحلة أشد، أو في قب الياس، لكن في بيروت، كانت المعركة سياسية مفصلية متصلة بالمناصفة الاسلامية – المسيحية التي أرسى الرئيس الشهيد رفيق الحريري قواعدها، في خانة الأعراف الوطنية الملزمة.
مثل هذا الارتباط بالنسيج الوطني، لم يدخل في عناوين اي معركة انتخابية بلدية من تلك التي شهدها البقاع أمس، ولن يدخل في اي عنوان من عناوين المحطات الانتخابية اللاحقة. لقد كانت المناصفة محور متابعة واهتمام كل القوى الداعمة للائحة البيارتة من ٨ الى ١٤ آذار، وغايتها الدفع باتجاه رفع نسبة المشاركة في عملية الاقتراع، مع تحاشي التشطيب أو تبديل أسماء بأسماء، وتحريم خيار الاكتفاء بانتخاب المنتمين الى البيئة الدينية الواحدة، وبالتالي سد كافة الروافد التي تصب في خرق قاعدة المناصفة بشكل أو بآخر…
وبموازاة ذلك، كان ثمة جهود سياسية ضاغطة، لحماية هذا المسار، باتجاه العماد ميشال عون خصوصاً، من خلال تواصل الرئيس سعد الحريري مع الدكتور سمير جعجع، وتم التوضيح للجميع أن سقوط المناصفة في صناديق الاقتراع، سيكون مسؤولية من عرقل او عطل مسيرة لائحة البيارتة، تعزيزاً لوضع شخصي، أو ربما ابتزازاً لمواقع أو المواقف في اي حقل او اتجاه، وسيتحمل وزر الخلل الذي سيصيب التوازن المطلوب في مجلس بلدية العاصمة.
وامام خطورة الوضع، كان بيان العماد عون وضغوط الدكتور جعجع، واطلاق الكتائب الحرية لمناصريها، والذي برز كعامل ايجابي مساعد في صناديق الاقتراع.
حماة المناصفة، كما جرى التعريف عنهم في اعلام البيارتة، لم يكتفوا بهذه الاحاطة السياسية، انما كان هناك استباق لما قد يحصل من خروقات، رغم كل هذه الاحتياطات، عبر رسم مخطط لمواجهة المفاجآت، تمت بلورته كما يبدو، على مستوى نيابي وحكومي، فكان لقاء الرئيس تمام سلام مع الرئيس سعد الحريري في بيت الوسط عشية انطلاق القطار الانتخابي في بيروت والبقاع، متناغماً مع اتصالات حثيثة بالرئيس نبيه بري، الذي لعب دوراً ميدانياً داعماً للائحة البيارتة، مباشرة من خلال حركة أمل، وضمناً عبر اقناع حزب الله بترك الملعب البلدي في بيروت للحركة.
وتتحدث بعض المصادر عن توجه تمّ التوافق عليه، في حال أسفرت نتائج انتخابات بلدية بيروت عن خرق غير مقبول للمناصفة، يقضي بعقد اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء، يصار خلاله الى اتخاذ اجراء رسمي ما، قد يكون إلغاء النتائج كلياً أو جزئياً، واقناع الأعضاء المسلمين الاضافيين بالانسحاب لمصلحة الميثاقية الوطنية وبالتالي إحلال من يليهم بالأرقام من الطوائف المغبونة، بموجب تشريع يكون مجلس النواب مهيأ لاقراره.
وتعيد المصادر الى الذاكرة القرار الجريء الذي اتخذه الرئيس الراحل فواد شهاب عام ١٩٦٣، عندما ظهرت نتائج انتخاب بلدية بيروت، خلواً من الأعضاء المسيحيين أو من معظمهم، حيث ألغى النتائج وبالتالي الانتخابات، ثم شكّل مجلساً بلدياً متوازناً لبيروت عن طريق التعيين.
وهكذا بقيت بيروت محروسة بأهلها، وفق تعبير الرئيس سعد الحريري.