لم أشعر مرّة خلال متابعاتي للقمم العربية التي اعتدت تغطيتها منذ عشرين عاماً، بذاك الانطباع الذي انتابني أثناء متابعتي القمّة العربية الأخيرة. مزيجٌ من الفخر والاعتداد بالنفس حاصرني منذ أن وطأت قدماي أرض الكنانة.
مطار شرم الشيخ لم يتّسع للملوك والرؤساء والقادة العرب الذين حضروا إلى قمّة «قرارات»، لا مجرّد توصيات أو تمنيات طالما بقيت حبراً على ورق. بعضهم تابع مجريات «عاصفة الحزم» من طائرته، والبعض الثاني استكمل لمسات ما بعد الضربة الأولى في كواليس «مركز المؤتمرات»، أمّا الشريك الثالث في هذه القمّة فكان جمهور ضمّ ملايين العرب الذين تابعوا وقائعها كما لم يفعلوا من قبل، مدجّجين بفائض من نشوة استعادة الكرامة.
«أفتخر.. أنا عربي». قالها كثيرون في أروقة القمّة بما في ذلك الصحافيون الذين درجوا (في القمم السابقة) على الوقوف في الممرّات ينتظرون وزير خارجية من هنا أو أمين عام الجامعة من هناك ليتناوبوا على تأنيبه «لأنّ القمّة خَلَت من موقف أو قرار» طالما انتظروه منذ عقود من الزمن.
أمّا داخل القاعة فنصاب العرب مكتمل، إلاّ من نظام الأسد المنبوذ. خطاب القادة استعاد جرعات من لغة قومية لم يسمعها بعضهم منذ قمّة الخرطوم.. حتى إذا جاء وقت الاستراحة علا في القاعة صوت أوبريت «وطني الأكبر» ينشدها عبدالحليم حافظ: «وطني يا زاحف لانتصاراتك/ ياللي حياة المجد حياتك/ إحنا وطن يحمي ولا يهدّد/ إحنا وطن بيصون ما يبدّد/ وطن المجد يا وطني العربي».
وعلى قدر أهل «الحزم» أتى «إعلان شرم الشيخ» ليحمل في مضامينه مصطلحات جديدة خَلَت منها بيانات القمم العربية منذ عقود من الزمن مثل: «التعدّد والتنوُّع»، «العيش المشترك»، «الدولة الحديثة»، «الخصائص الحضارية والجغرافية، دعوة «المثقفين والمفكرين العرب»، «صيانة الأمن القومي»، و»الدولة الوطنية» التي أطلق شعار «لبنان أولاً» شرارتها الأولى في دنيا العرب.
إذا كان الإرهاب قد وحَّد ما تيسّر من العرب من أجل مكافحته، فإنّ غطرسة إيران تجاههم نجحت من دون ريب في إحياء عصب كان نائماً، وحتمية تاريخية أعادت العرب إلى مرحلة النهوض والاستنهاض.
نسي نظام الملالي في طهران، أو تناسى، أنّ العرب لم يحتملوا امبراطورية عثمانية، فكم بالحري أخرى فارسية؟ كما تجاهل أيضاً أنّ تمدّده إلى عواصم عربية بذريعة مواجهته احتلالاً إسرائيلياً من هنا وآخر أميركياً من هناك وثالثاً داعشياً من هنالك.. هو في نهاية المطاف احتلال أيضاً.
في شرم الشيخ طوى العرب صفحة وفتحوا أخرى وضعتهم على خارطة الفعل والمبادرة.
وقبل شرم الشيخ، طوى الملك سلمان بن عبدالعزيز مرحلة عربية من التردّد ودشّن أخرى تصدّى فيها بـ»حزم» لتمدُّد إيران إلى الاقليم وعبثها بالأمن القومي العربي. فكان الفاتح لعصر عربي جديد تجلّت أولى معالمه في قمّة شرم الشيخ، حيث تربَّع على عرش الأمّة ملكاً للعرب وصمّاماً لأمانهم وكرامتهم.