مقاطعة وزراء التيار الوطني الحر وحزب الله مجلس الوزراء أمس، هل كانت مخرجاً ابتدعته حنكة الرئيس نبيه بري للأزمة الحكومية الناشئة منذ أكثر من ثلاثة أشهر ولتحريك عجلة الدولة المتوقفة والتي وصلت إلى حدود العجز عن دفع رواتب موظفي القطاع العام اعتباراً من شهر أيلول المقبل ووقف الهبات الدولية المقررة منذ عدّة أشهر.
القرارات التي اتخذت في جلسة أمس من فتح اعتمادات لدفع رواتب الموظفين والموافقة على إصدار سندات اليوربوند التي تشكّل حاجة ملحّة ومقاربة أزمة النفايات بشكل حاسم عن طريق إعطاء الحوافز للبلديات الراغبة بمعالجة نفاياتها والإفراج عن أموال الصندوق البلدي المستقل بما فيها عائدات الهاتف الخلوي، كل هذه القرارات تدل على أن وساطة الرئيس برّي أعطت مفاعليها الإيجابية على صعيد تحريك العجلة الحكومية وأن المقاطعة لم يكن هدفها التصعيد السياسي بقدر ما شكلت مخرجاً للحكومة لكي تعود حركتها الإنتاجية إلى الدوران بشكل شبه طبيعي بما يجدد الآمال عند اللبنانيين بأنه لا يزال هناك إمكانية لتجاوز الخلافات السياسية وتغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية التي غُلّبت على المصلحة العامة ومصالح الشعب اللبناني حتى وصلت البلد إلى حالة مزرية مفتوحة على كل الاحتمالات التي تعبّر عن نفسها بالتظاهرات العارمة التي تشارك فيها كل طبقات الشعب وتطالب برحيل الطبقة السياسية التي تتحكم بالعباد وإسقاط النظام الفاسد الذي أفقر الشعب وأجبر شبابه على الهجرة بحثاً عن لقمة العيش والحياة الكريمة..
وإذا كانت أوساط المقاطعين بررت المقاطعة بأنها شكل من أشكال الاعتراض على رفض رئيس الحكومة طرح موضوع الشراكة الحقيقية وموضوع التعيينات الأمنية التي يعطيها التيار العوني الأولوية على أي موضوع آخر وسوف تستمر إلى أن يُذعن رئيس الحكومة لهذا الشرط وبذلك يكون قد التزم الدستور ولم يتجاوز صلاحياته، فإن مثل هذا التبرير يبقى مقبولاً ما دام لا يتجاوز المقاطعة التي تعتبر شكلاً من أشكال الممارسة الديمقراطية وهي حق مشروع لمن يرغب في ممارسته، فضلاً عن أنه يعتبر من هذا المنطلق نوعاً من الممارسة الإيجابية لأنه يُفرج عن مجلس الوزراء ويمنحه فرصة ممارسة صلاحياته في درس وإقرار المشاريع التي تراها الحكومة ملحّة ومنتجة كما حصل في جلسة الأمس، وهذا بحد ذاته تحوّل مهم في سلوك التيار الوطني الحر وحليفه حزب الله يؤمل أن يتطور لاحقاً إلى الرجوع عن المقاطعة وانخراط الجميع في ورشة عمل مستمرة تعيد الدوران إلى عجلة الحكومة المتوقفة والمشلولة ويستعيد معها المواطن ثقته بهذه الحكومة وبالدولة بعدما أفقدته إياها الممارسات السلبية والشلل الحاصل وارتفاع روائح الطبقة السياسية إلى درجة غطت على روائح النفايات المكدسة في كل شوارع العاصمة والتي بدت الحكومة ومعها هذه الطبقة عاجزين حتى عن إيجاد مكبّ للتخلص منها وتخليص الشعب من وبائها وروائحها.