IMLebanon

استفزاز «نعامة»

ليس أكيداً أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي حلّ ضيفاً في طهران لساعات معدودة، واستقبلته صحيفة إيرانية بعنوان «دونكيشوت العثماني»، استطاع أن يحقق إنجازاً واحداً بإقناع المرشد علي خامنئي أو الرئيس حسن روحاني، بأن دعوتهما الى الحوار لتسوية نزاعات أو إخماد حرائق في الشرق الأوسط، وعلى عتبة باب المندب، وصفة يرفضها حلفاء إيران… بل يمقتونها.

الوصفة الوحيدة التي يرتاحون إليها باتت نهجاً له نماذج في المنطقة، وعنوانه حوار على الطاولة، ومدفع تحتها. وما تصر عليه القيادة الإيرانية دائماً يُبطِن عكسه، ويتيح طغيان الشكوك والريبة على أي محاولة لتحسين العلاقات العربية مع إيران.

ترفض طهران التدخُّل في شؤون الدول، وهو بيان مُعلن يتكرّر إلى حد إثارة الضجر، والاستفزاز، والمشكلة أنها تصدّق أن هناك مَنْ يصدّقها، في زمن الحقائق المقلوبة.

وفي هذا الزمن، لا غرابة أن نرى الرئيس الأميركي باراك أوباما، صاحب حكمة التريُّث، أقرب إلى «مرشد الثورة» في إيران علي خامنئي، منه إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو… ولا عجب أن تضيع في زمن حرائق المنطقة، بوصلة الحقائق، لتحل محلها تصنيفات يروّجها مَنْ هو أقوى، أو يدّعي القوّة.

لا غرابة بالتالي، في أن نسمع الإيراني «داعيةً للسلام» دفاعاً عن «المظلومين» في اليمن وغيره، ويطالب بحكومة موسّعة في صنعاء متجاهلاً أن الجميع يعرف ما عُرِض على الحوثيين من مناصب وشراكة في إدارة البلد، حين كان الحوار يتقدّم، وكانوا يعدّون للانقلاب وفرض الإقامة الجبرية على الرئيس عبد ربه منصور هادي ووزراء الحكومة… وبقية الفصل الأسود معروفة.

أوباما معجب بقدرة خامنئي على إقناع «الحرس الثوري» وأجنحة نظامه بالعائدات الثمينة لـ «تنازلات» في مفاوضات البرنامج النووي الإيراني.

طهران مُعجبة بقدرتها على جرّ كل القوى الكبرى إلى فصول المفاوضات التي استنفدت أولى الأولويات من اهتمامات الإدارة الأميركية… ولعل إيران فخورة بقدرتها على انتزاع اعترافٍ بحقها في برنامج نووي للأغراض السلمية.

ولكن، هل يقبل الغرب وواشنطن خصوصاً، بحق مماثل لأي دولة عربية؟

ما يُدْركه كل الدول العربية، وفي مقدّمها الدول المعنية بتطويق الحرائق التي تلتهم الحدود والكيانات، أن أولى الأولويات الآن هي التصدي لما قد يُحاك على هامش التطبيع بين طهران والغرب، في حال وصل قطار المفاوضات «النووية» الى محطته الأخيرة.

وبمنطق الديبلوماسية، لا ضرر للمصالح العربية يمكن أن ينجم عن ذاك التطبيع الذي يفترض أن يُبعِد شبح حرب خيّم لسنوات على منطقة الخليج، في ذروة الصراع الأميركي- الإيراني والتراشق الإسرائيلي- الإيراني بالتهديدات.

لكن السؤال الذي يُقلِق كثيرين في المنطقة ما زال يتمحور حول قدرة إيران على تحويل «انتصارها» النووي فاتورةً تدفعها دول عربية، أضيف إليها اليمن، بحرب الحوثيين على الشرعية.

صحيح أن تحريض طهران الحوثيين، وتزويدهم بالأسلحة لنسف المبادرة الخليجية للتسوية في اليمن، يذكّر بتحريض ذي ملمس إيراني عطّل اتفاق مكة المكرّمة للمصالحة بين «حماس» والسلطة الفلسطينية، وخرَّب ما بعده… لكن الصحيح أيضاً أن ظروف المنطقة تبدّلت كثيراً بعد «الربيع العربي»، وأن هناك ما يكفي من المتغيرات التي تغري إيران بحصد ما زرعته على مدى سنوات طويلة.

«إيران بلا سلاح نووي ستكون أقل جرأة على القيام بنشاطات تُزعزع استقرار المنطقة»، قال أنتوني بلينكين نائب وزير الخارجية الأميركي، وهو يسعى إلى طمأنة دول مجلس التعاون الخليجي إلى الاتفاق الإطار الذي توصّلت إليه طهران ومجموعة 5+ 1 في لوزان. والافتراض ذاته يمكن أن نعكسه ليصبح معضلة مريرة: إن كانت جمهورية المرشد فعلت كل ما فعلته، من دمشق وبيروت إلى بغداد وصنعاء، بلا أسنان نووية، وفي حقبة عقوبات وعداء مع الغرب، فما الذي يمكن الدول العربية توقّعه في المرحلة المقبلة؟

أوباما «الحكيم» نصحها بأن تهتم بشؤونها، مفترضاً أن الجمهورية الإسلامية في إيران مجرد نعامة، وأن لا علاقة لأشواكها بالحريق الكبير في المنطقة.

أليس دليلاً إرسال سلاح البحرية الإيرانية إلى خليج عدن؟

الأزمة الكبرى باتت تتعدى بكثير أزمة الثقة بين البيت الأبيض المسالم، ومنطقة «الشغب» العربي.