IMLebanon

حرب بالواسطة بين السعودية وإيران

 

ماذا تخبئ لنا سنة 2016 من مفاجآت سياسية واقتصادية؟ كان هذا السؤال بمثابة عبارة مركزية بحيث حاولت كل الصحف الإجابة عنه، استناداً الى قواعد التوقعات التي رسمها نوستراداموس (1503 – 1566). وهو طبيب فرنسي من أصل يهودي، تعاطى التنجيم، وله في ذلك مؤلفات تدعى «المئويات». وهي عبارة عن نبوءات غامضة لا يزال الناس يردّدونها.

غالبية التوقعات هذه السنة تركّزت على استذكار «الربيع العربي»، وما أنتج من كوارث وحروب أهلية ما يزال الشرق الأوسط غارقاً في أوحالها.

ولقد مرّت أقلام المحلّلين على الأزمات المتنامية في سورية والعراق واليمن وليبيا وفلسطين ولبنان والسودان ومصر، مع مراجعة سنوية لما فعلته سنة 2015 في هذه البلدان.

وكان من الطبيعي أن يحظى «داعش» بتغطية واسعة أعادت الى الأذهان موجات الرعب التي رافقت انتشاره في فرنسا وبلجيكا وسيناء والعراق وسورية وليبيا واليمن ومالي.

لكن مفاجأة المفاجآت ظهرت يوم السبت الماضي في الرياض، من خلال بيان أعلنه اللواء منصور التركي، وذكر فيه أن الدولة أعدمت 47 مداناً بقضايا الإرهاب على خلفية اعتناق الفكر التكفيري، وتنفيذ أعمال قتل وتفجير وسحل وخطف… أبرزهم المحرِّض على قتل رجال الأمن نمر النمر، ومنظِّر «القاعدة» فارس الزهراني.

عقب انتشار هذه المعلومات، صدرت عن المسؤولين في إيران اتهامات وتهديدات شجّعت المستنكرين على تنفيذ الاعتداء على مقر السفارة السعودية في طهران، والقنصلية في مشهد. لهذا أعلن وزير الخارجية عادل الجبير، قطع العلاقات الديبلوماسية مع إيران، طالباً من مجلس الأمن الدولي ضمان حماية البعثة الديبلوماسية ومنسوبيها وفقاً للاتفاقات والقوانين الدولية.

في مؤتمره الصحافي، أبرز الوزير عادل الجبير سجل الاعتداءات التي تعرّضت لها البعثات الديبلوماسية في طهران منذ نشوء الجمهورية الإسلامية سنة 1979. وقال إن بلاده أيّدت بناء قوة عربية مشتركة، مثلما عملت على إقامة تحالف عسكري لمحاربة الإرهاب. وكان بهذا الكلام يشير الى هدف «التحالف الإسلامي العسكري» الذي يضمّ أكثر من 40 دولة، بغرض محاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره.

بعض الصحف الغربية استغلّ هذه المناسبة لحضّ الوزير السعودي على إعادة التذكير بمحاولة الاغتيال التي تعرّض لها عندما كان سفيراً للمملكة.

في منتصف سنة 2011، أصدرت السلطة القضائية الأميركية وثائق تثبت أن الجهاز الأمني الداخلي نجح في إحباط محاولة اغتيال عادل الجبير عندما كان سفيراً في واشنطن. وكشفت المحكمة الاتحادية عن شخصين إيرانيين، هما منصور أربابسيار وغلام شكوري، قالت إنهما كُلِّفا بتنفيذ عملية الاغتيال. وقد أكد وزير العدل الأميركي إيرك هولدر، صحة المعلومات واعتراف المتهمَيْن.

المهم، أن وزير الخارجية جون كيري، أجرى اتصالات هاتفية مع نظيريه السعودي والإيراني، داعياً الى تجنّب التصعيد، ومعالجة الأزمة بالحوار. وقال إنه اتصل بالزعماء المحليين طالباً منهم التدخّل لنزع فتيل الخلاف.

ولقد تجاوب مع دعوته رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، الذي حاول ترطيب الأجواء بين أهم دولتين في العالم الإسلامي (السعودية وإيران). كذلك، حذّر أوغلو من ازدياد الاحتقان السياسي الحاصل في المنطقة، معرباً عن مخاوفه من تعاظم النزاعات المذهبية.

ويبدو أن كيري شعر بضرورة انتقاد إيران بعدما أدان الإعدامات الجماعية في العالم. لذلك، وصف إيران بأنها دولة تدعم الإرهاب، ولديها قدرات على نشر الفوضى في المنطقة. وذكر في هذا السياق، خرقها قرار مجلس الأمن الدولي بتطويرها صواريخ باليستية.

وكان الحزب الجمهوري قد انتقد بشدة تخاذل الرئيس باراك أوباما، حيال التجارب الصاروخية الباليستية الإيرانية. وطالب بعضهم بضرورة الامتناع عن رفع العقوبات عن طهران، ولو أن التجارب الصاروخية منفصلة عن الاتفاق النووي. هذا كله لأن الرؤوس النووية لا تؤثر من دون صواريخ تحملها الى أهدافها.

يقول محللون أميركيون إن تغاضي الرئيس أوباما عن تجاوزات إيران كان سبباً إضافياً لابتعاد السعودية من واشنطن بعد مرور أكثر من نصف قرن على تعاونهما الوثيق. والسبب، أن إدارة أوباما لم تعترض على قرار الوكالة الدولية للطاقة النووية إغلاق الملف الإيراني.

قرار الوكالة الدولية للطاقة النووية كان بمثابة خطوة مهمة من أجل إقناع إيران بالعودة الى مرجعية الأمم المتحدة، التي ستسهل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. لكن هذا القرار المفاجئ أراح الدول المهتمة بهذا الموضوع، مثل كوريا الشمالية والنظام السوري الذي استخدم السلاح الكيماوي ضد معارضيه. كما أراح إيران التي وافقت على وقف تطوير سلاح دمار شامل، لكنها قد تتراجع عن تعهّدها إذا تأكدت أن الوكالة الدولية أغلقت نهائياً ملفها النووي!

انتقاد السعودية الموقف الأميركي الرسمي لم يقتصر على إدانة قرار الوكالة الدولية للطاقة، وإنما تعداه ليصل الى الاعتراض على السياسة السلبية التي تنتهجها واشنطن في اليمن وسورية.

في منتصف شهر أيار (مايو) الماضي، التقى الوزير جون كيري في باريس وزراء خارجية دول الخليج، الذين طلبوا منه المشاركة في إيجاد حلول لحربي اليمن وسورية. وكان الاقتراح المتعلّق باليمن يتناول دور الحوثيين الذين استولوا على مؤسسات الدولة بواسطة الرئيس السابق علي عبدالله صالح، والسلاح الذي تؤمّنه إيران بوفرة. ويقضي الحل بإخراجهم من دوائر الحكومة وإعادتهم الى مكانتهم كأقلية تساهم في إعمار البلاد.

أما الاقتراح المتعلّق بإيجاد حلول لإنهاء الحرب الأهلية السورية، فقد تشكّل من نقاط عدة، أهمها:

أولاً – الامتناع عن إعطاء النظام السوري أي حق في المشاركة في المفاوضات المخصصة لتحديد مستقبل الرئيس بشار الأسد.

ثانياً – إقامة منطقة حظر جوي شمال سورية، من أجل إتاحة الفرصة أمام عمليات تسليح الميليشيات المحاربة، باستثناء «داعش».

ثالثاً – عدم تقليص حجم المساعدات العسكرية للأحزاب التي تحارب النظام السوري.

وكانت ردود فعل الوزير الأميركي مخيّبة لآمال وزراء خارجية دول الخليج، خصوصاً عندما أبلغهم بأنه يحبِّذ مشاركة إيران في المفاوضات المتعلقة باليمن والعراق ولبنان. وحجته أن طهران تُمسِك بمفاتيح استراتيجية لثلاث قضايا إقليمية. وكان ذلك قبيل التدخل العسكري الروسي الذي قلب كل المعادلات السابقة.

وذكر في حينه، أن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، تلقى دعوة من الرئيس باراك أوباما لحضور قمة زعماء الدول الخليجية في كامب ديفيد. وقبل فترة قصيرة من الموعد المحدد، أعلن الوزير عادل الجبير اعتذار الملك عن عدم الحضور بسبب انشغاله بمسألة اليمن، واهتمامه بإدخال شحنات المساعدات الإنسانية. وقيل في تفسير غياب العاهل السعودي، إن الغاية من وراء ذلك لفت انتباه الرئيس الأميركي الى أهمية انشغال المملكة بقضية اليمن.

ومن ناحية أخرى، ذكرت صحف أميركية أن قرار الاعتذار جاء بعدما رفض الرئيس أوباما اقتراحاً تقدّمت به دول الخليج يقضي بإقامة حلف دفاعي مع الولايات المتحدة. والهدف من وراء ذلك، صدّ الهجمة الإيرانية في العراق وسورية ولبنان واليمن.

الحجة الأولى التي قدّمها البيت الأبيض للتنصّل من هذا التحالف، الادعاء بأن الكونغرس لا يوافق على تورّط قواته بمواجهات عنيفة في الشرق الأوسط. كذلك، لا يريد إغضاب إيران، الحليفة الجديدة التي صوّرها له مستشاره فريد زكريا، بأنها ستلعب دور انفتاح الصين في عهد ريتشارد نيكسون!

وعلى أثر إعلان ذلك الموقف الأميركي المريب، أنشأت المملكة «التحالف الإسلامي العسكري»، مدشِّنة تلك الخطوة بالتعاون مع تركيا.

تتخوف الدول الكبرى من آثار الانعكاسات السلبية التي يؤججها التوتر المذهبي بين السعودية وإيران. وهي تتوقع أن تزداد المساعدة التي تقدّمها كل واحدة منهما لحلفائها. كما تتوقع أن ترتفع حدة المواجهات في اليمن وسورية، حيث تقف الدولتان المتخاصمتان على جانبي «المتراس».

وترى الجامعة العربية أن سورية ستكون الدولة الأكثر تأثراً بهذا الخلاف، كونها فقدت مبادرة الحل، أي المبادرة التي صاغتها الدول المعنية من أجل إنهاء حرب استمرت خمس سنوات حصدت خلالها 250 ألف نسمة… وتسبّبت بهجرة جماعية لم تشهد أوروبا مثلها منذ هجرة الحرب العالمية الثانية. هذه المبادرة طويت في الوقت الحالي، وطويت معها مسألة انتخاب رئيس جمهورية لبنان، الأمر الذي يحرج رئيس الحكومة تمام سلام، ويفرح أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله.

في سياق تبرير دعمه السياسي والاقتصادي لإيران، ادّعى الرئيس باراك أوباما أن النظام الإيراني المنغلق سيضطر الى التخلّي عن ثورة الخميني في حال تعرّض للانفتاح على أسواق العالم.

لكن ورثة الخميني حافظوا على خطّه الثوري حتى بعد أن هزمهم صدام حسين. وهكذا ظلوا مواظبين على ممارسة دعم الشيعة في كل مكان بالعالم، مع تشجيعهم على الولاء لطهران وليس للدول التي ينتسبون إليها بالتجنّس والقومية.

وهذا ما دفع الرئيس النيجيري محمد بهاري، الى اعتقال زعيم الشيعة ابراهيم الزاكزاكي، الذي أشرف على إنشاء ميليشيا مسلحة كانت تمولها إيران. وسبق لابراهيم يعقوب الزاكزاكي أن درس في إيران، قبل أن يسعفه «الحرس الثوري» على تأسيس ميليشيا مذهبية شرط تشيّعه. وهذا ما فعله بعد اعتناقه المذهب الشيعي وراح ينشره داخل نيجيريا. وتزعم قيادة الجيش النيجيري أن مجموعة الزاكزاكي تمثل الوجه الآخر لجماعة «بوكو حرام» الإرهابية المتعاونة مع تنظيم «داعش».

في زحمة البحث عن حلول مجدية للثورة الإيرانية، انتقد هاشمي رفسنجاني الاعتداء على السفارة السعودية في طهران، وطالب باعتماد الحلول العقلانية والمناسبة لهذا الحدث، ووضع حد للحروب الأهلية والصراع في العالم الإسلامي.

وفي رد دول مجلس التعاون الخليجي على مطلب رفسنجاني، اقترحت الجامعة العربية أن تتواضع إيران وتنسى أنها كانت إمبراطورية… وأن هذه الإمبراطورية يجب أن تحكم كل جيرانها وتتحكم بمصائرهم. ومثل هذا التفكير شجّع رجب طيب أردوغان، على استلهام سلاطين الإمبراطورية العثمانية.

وقديماً قيل: إذا تقاتلت الفيلة، فيا ويل الأعشاب!