هل أنهت إيران إستراتيجية الحرب بالوكالة أم أضافت إليها المواجهة المباشرة مع إسرائيل رداً على تحديها فوق أرضها عبر ضرب القنصلية في دمشق؟ هي تعرف بالتجربة وترتيب الأولويات أكثر من النظرة التاريخية والواقعية التي أشار إليها البروفسور مارك لينش في جامعة جورج واشنطن بالقول: “لا أحد يربح حرباً بالوكالة، لكن الحروب بالوكالة فتحت الطريق إلى لاعبين أقوياء مستقلين وغير دوليين”.
فالحرب الإستراتيجية والجيوسياسية التي تخوضها هي حرب مشروعها الإقليمي. وما حققته حتى الآن من نجاح كان بفعل وكلائها في الحرب غير المباشرة. ولا خوف لديها من أن يتحول هؤلاء اللاعبون الأقوياء بسلاحها ومالها وإيديولوجيتها إلى لاعبين مستقلين.
لكن الحرب مع إسرائيل، إذا كانت حرب إنهاء الدولة العبرية، تحتاج إلى ما هو أكثر من الإنخراط الإيراني المباشر بكل أنواع القوة. ولا بد فيها من قراءة الدرس الذي قدمته أميركا وبريطانيا وفرنسا عبر رسم خط أحمر فوق إسرائيل، ومعه الدرس الضمني الروسي والصيني بالدعوة إلى “ضبط النفس” والإمتناع عن التسبب بحرب واسعة في الشرق الأوسط. وفي الحالين، فإن لبنان هو مجرد “ميدان”.
جبهة الجنوب هي الجبهة الأمامية والواسعة في الحرب بالوكالة من خلال “حزب الله” الأقوى بعشرة أضعاف من “حماس”. ولبنان كله هو الساحة المفتوحة للحرب المباشرة التي يلعب فيها “حزب الله” دوراً كبيراً. وإذا كانت المساعي الأميركية والفرنسية قد فشلت في ترتيب تسوية توقف حرب “المشاغلة” عبر الجبهة الجنوبية وتعيد الحياة إلى القرار 1701 ويستعيد لبنان بموجبها النقاط المتحفظ عليها من حدوده الدولية بسبب معلن هو ربط كل شيء بحرب غزة، فإن المصاعب والمخاطر أكبر في مرحلة ما بعد الهجوم الإيراني المباشر على إسرائيل. وأقل ما يقال بدمٍ بارد للبنانيين الذين يرون الدولة تتحلل أمام عيونهم: لا رئيس جمهورية، ولا حل لسطو المافيا على المال العام والخاص، ولا مهرب من دور لبنان في حرب حساباتها أكبر منه.
حتى حرب غزة التي تركزت عليها الأضواء طوال أشهر، فإن الإنخراط الإيراني المباشر في الرد على إسرائيل حجب عنها بعض الأضواء. ومن الوهم التقليل من أهمية ما أدخله العامل الإيراني على اللعبة في لبنان والمنطقة. ولا أحد يعرف إن كان سيتوقف عند “الردع” الذي انتقل إليه من “الصبر الإستراتيجي” أم سيتجاوز الردع لأن إسرائيل المستقوية بحماية أميركا وأوروبا والمتمتعة بصداقة روسيا والصين ترفض التصرف على أساس إنها مردوعة. والردع يسقط عندما يقرر أي واحد من طرفيه أنه لا يخشى الذهاب إلى حرب ولا تجاوز قواعد الإشتباك. وهذا ما تأكد في لبنان، وما هو مرشح لأن يتبلور بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل. فلا إطلاق أكثر من ثلاثمئة صاروخ ومسيرة هو مجرد رد “محدود” لا متابعة له. ولا حساب النجاح والفشل بالمعنى الإستراتيجي يتوقف على النتائج الفعلية على الأرض للهجوم الإيراني والصد الإسرائيلي والغربي.
كان كلاوزفيتز يركز في تشريح الحرب على “أهمية الهدف السياسي”. وهذا أساس اللعبة بين إسرائيل وإيران والتي بعضها على حساب لبنان.