يهدّد الخوف من انتشار وباء “كورونا” بين اللبنانيين وإجراءات التعبئة العامة والحجر المنزلي بوقوع أزمة على صعيد الصحة النفسية. مصابون وغير مصابين بالفيروس قد أصيبوا حكماً بتداعياته، وباتت صحتهم النفسية عرضة للتدهور. هو الاختبار الأول من هذا النوع لمناعتنا النفسية. وبعد أكثر من أسبوعين على الحجر، ومن شهر على انتقال العدوى إلى لبنان، لم تعلن بعد وزارة الصحة عن خطتها لتحصين المواطنين نفسياً وللتخفيف من الضرر المتوقع. إذ قد تفوق الأضرار النفسية تلك الجسدية الناجمة عن الإصابة بالفيروس، بل وتهدد بأضرار جسدية من نوع آخر. وكشفت الأزمة افتقاد الوزارة لآلية أو برنامج نفسي جاهز لوضعه موضع التنفيذ خلال الأزمات، في بلد تتداخل فيه الأزمات. الأمر الذي سبب تأخراً في إطلاق خطة الدعم النفسي بانتظار وضع آلية.
في هذا الوقت، وبينما بدأ مواطنون يشكون من تداعيات الحجر النفسية، سبق مركز “نفسانيون” الدولة ووزارة الصحة. وأطلق المركز خطة “التعبئة النفسية” التي تتفرّع منها مبادرات عدة لتقديم الدعم النفسي لمختلف الشرائح. لكن المبادرات لم تنطلق جميعها، بعضها تأخّر بانتظار انتهاء وزارة الصحة من تحضيراتها، وفق ما تشير لـ”نداء الوطن” المؤسسة في المركز والمعالجة النفسية هبة خليفة.
فالمركز قد وضع خطة لمبادرة “بوح” التي خصصها لمستشفى رفيق الحريري الجامعي. وتنص الخطة على تقديم الدعم النفسي، بشكل فردي، للمصابين بـ”كورونا”، والدعم النفسي ضمن مجموعات مؤلفة من 6 أو8 أشخاص للطاقم الطبي. وتشير خليفة إلى أن “خمسين معالجاً حاصلين على إذن مزاولة المهنة قد تطوعوا في هذه المبادرة. لكن التنفيذ لم يبدأ بعد، إذ على المركز، وعلى الرغم من وضعه بروتوكولاً للعمل، التنسيق مع وزارة الصحة التي لم تضع بعد بروتوكولاً”. وبينما تنتظر المبادرة همّة الوزارة، بدأ “نفسانيون” بالشق العملي وبتأمين الإنترنت لكل من في المستشفى، فقدمت شركة “تيرّا نت” خدمة الانترنت للمستشفى مجاناً.
ويشمل الجزء الثاني من خطة “التعبئة النفسية” شرائح المجتمع المعرّضة للضغط النفسي من مراهقين وإعلاميين وأمهات. وتحاول استهداف الأكثر تعرّضاً للضغط، وتقول خليفة إن الدعم النفسي في هذه الحالات يقدمه خريجون لم يحصلوا على إذن مزاولة المهنة. وتلفت المعالجة إلى المعاناة النفسية للطلاب العالقين في الخارج، “فهؤلاء من الأكثر معاناةً في الحجر بعيداً من عائلاتهم، وفي ظروف مادية صعبة، وهم من بين الذين يحتاجون بسرعة إلى الدعم النفسي”.
وفي شقّها الثالث، تشمل التعبئة ندوات عبر الانترنت تجمع 500 شخص من مختلف الاختصاصات للنقاش وطرح الأسئلة والإجابة عنها وتبادل المعلومات. كالحديث عن الحجر المنزلي وتأثيره، والأنشطة التي يمكن القيام بها مع الأطفال وغيرها من المواضيع. ما يشكل دعامة للمجتمع وليقوم كل شخص بتقديم الدعم في محيطه، وفق رؤية “نفسانيون”. وسيبدأ المركز دورة مكثفة يوم الأربعاء المقبل، مدتها أسبوع، يتدرب خلالها 500 اختصاصي في علم النفس على مواجهة الصدمة والقلق لتجاوز هذه المرحلة ومرحلة ما بعد “كورونا”، تقول خليفة. واستندت خطة “التعبئة النفسية” التي سبقت خطة الوزارة، الى نتائج استمارة طلب المركز من الناس ملأها، وأعدها البروفيسور يوسف كفروني العميد السابق لمعهد العلوم الإجتماعية. “ما قمنا به هو بحث أولي، وشارك في الاستمارة أكثر من 3000 شخص. وأظهرت أن شرائح المجتمع كافة تواجه الخوف وقلق الموت. وهم بحاجة الى تدخل نفسي وتقوية مناعتهم النفسية خشية فقدان السيطرة في المستقبل. فهناك اشخاص يعانون من اضطراب وتظهر لديهم عوارض جسدية ونفسية كبيرة، وآخرون يكبتون وكأنهم يؤجلون العوارض”، تقول خليفة.
وفي حين تسعى هذه المبادرة لتأمين وقاية نفسية للجميع، ترى خليفة أنّ “لبنان قد تأخّر حتى الآن أكثر من ثلاثة أسابيع، في البدء بتقديم الدعم النفسي للناس”. وتفترض المعالجة أن تبدأ خطة الدعم النفسي في مستشفى الحريري مع المصابين والمرضى بعد أسبوع. لكن لا شيء أكيداً حتى الآن، إذ تحاول الوزارة العمل خلال هذه الفترة لاستدراك سنوات من الخمول والتقصير وإهمال الشأن المتعلق بالصحة النفسية. غير أنها انفتحت اليوم على جميع المبادرات والأشخاص إدراكاً منها لعجزها الذي فضحته الأزمة.