لا نزال نشاهد ونواجه ونحاول أن نتعايَش مع الحرب التدميرية الموجهة لكل القطاعات الإنتاجية في لبنان، لا سيما القطاع المالي والنقدي، والتجاري، والصناعي، والزراعي، والتكنولوجي، والاستشفائي، والخدماتي، والسياحي.
لا نزال نواجه أيضاً الاستراتيجية الهدّامة الهادفة إلى شَلّ كل مؤسسات الدولة، والوزارات، وكل الإدارات. وتبرز حالياً حرب جديدة، وهي حرب نفسية (بسيكولوجية) تعمل على ضرب كل أهداف وريادة اللبنانيين، وتحويل أحلامهم الى كوابيس بغية تحطيم جذور واساس ابتكاراتهم وحتى المس بذكائهم.
إن هذه الحرب النفسية الجديدة تهدف الى تحطيم معنويات اللبنانيين وجرّهم إلى التسول، وإهدار حقوقهم الأساسية والبديهية مثل المأكل والمشرب، وتأمين الدواء والإستشفاء.
هؤلاء المخطّطون يُحاولون بأفكارهم وأهدافهم السوداء أن يُلهوا اللبنانيين بموضوعات معيبة عدة لجذب قوتهم وتفكيرهم إلى منصات وهمية. بدأوا بتسليط الأضواء على موضوع الدعم. هذا الدعم الذي لا يُمكن أن يستمر لأن الدولة ليس لديها الإمكانات المالية والسيولة. فبدأوا يُموّهون يوماً بعد يوم بتكملة الدعم او بوقفه فقط لكسب الوقت وضرب المعنويات.
من جهة أخرى، يقدمون برامج دونكيشوتية لتوقيف بعض المخزّنين لإلهاء الشعب، وعدم تركيزه على صلب الموضوع وأساس المشكلة وهو التهريب عبر الحدود، ويكسبون أموالاً هائلة بينما الشعب يتضوّر جوهاً ويُذلّ لتأمين قسط ضئيل من حاجاته الضرورية.
الأسطوانة الثالثة من ضمن هذه الحرب النفسية هي إشغال اللبنانيين بموضوع تأليف الحكومة، فصباحاً يكونون متفائلين وفي الظهيرة متشائمين، وفي المساء متسائلين. يوماً يكون الخلاف على الحقائب، ويوماً آخر على الأسماء، ويوماً ثالثاً على الحصص. والحقيقة المرة أن أحداً لا يريد، لا إدارة الأزمة، ولا حل المشاكل المعيشية، ولا مساعدة المواطنين وتخفيف أوجاعهم وإذلالهم، لكن فقط استنزاف الوقت وتمييع القضية.
إن البرنامج الرابع المنظم والمبرمج يرتكز على الوعود الوهمية بمؤتمرات ومساعدات دولية، مثل «سيدر» أو مساعدات نقدية ومالية، من خلال صندوق النقد الدولي والبلدان المانحة.
الحقيقة المرة هي أن البلدان الصديقة لن تُرسل إلينا لا مادة المازوت ولا الغاز ولا الكهرباء، ولا السيولة بالعملات الأجنبية، إنما الشرط الوحيد هو تنفيذ الإصلاحات المرجوة منذ عقود. لكن مَن ضرب هذه الوعود عرض الحائط لن يغير عاداته اليوم.
إن هذه الحرب النفسية تُكمل سيرها في موضوعين هما الـ Capital Control (ضبط التحويلات الخارجية)، والـ Haircut، فمضوا أكثر من 20 شهراً يتباحثون ويتحاورون حول هذه القوانين التي لم تُنجز حتى اليوم. لكن يطبقونها بحسب مزاجيتهم وغب الطلب، ووفق الوساطات والمحسوبيات والمحميات والمصالح الضيقة.
في النهاية، هذه الحرب النفسية ليست جديدة ويستعملها السياسيون كلما تعرضوا للضغوط، وهدفهم تسليط الأضواء وحرف الأنظار، ورفع الملامة عنهم. لم ولن ننسى كيف طمرونا تحت النفايات لمدة سنتين، ومن ثم بعصا سحرية أو بالأحرى بصفقة مشبوهة توصلوا الى حل المشكلة بطريقة مبهمة وتحاصصوا المشروع.
هذه الحرب النفسية الجديدة، تهدف إلى ضرب وتهديم ما تبقى في أرضنا، وهي معنويات وطموحات وذكاء وريادة وابتكارات اللبنانيين، وخصوصا الشباب أينما كانوا. لكن أُذكّر بفخر أنه يمكن أن يلين اللبناني لكن لن يركع ولن يستسلم، ولن يقبل بتغيير وجه لبنان، ولا جذوره ولا أصله ولا اقتصاده، ولا سيما حبّه للحياة.