في الدولة سياسيون يتولون السلطة وادارات رسمية تتابع شؤون المواطنين ومواطنون يفترض ان يقوموا بواجباتهم ويحصلوا على حقوقهم بطريقة طبيعية.
السياسيون الذين يتولون السلطة يرفضون تحمل المسؤولية عن تنظيم أمورهم. مهلة الاسبوعين الأخيرة التي تحدث عنها الرئيس نبيه بري للوساطة وإنجاز تشكيل الحكومة انتهت من دون نتيجة. “حزب الله” الذي فوّض بري القيام بما يلزم يهدد “الدولة ” بإغراقها بالبنزين الايراني حتى لو رفضت. التيار الوطني لا يريد المشاركة بالحكومة ولا يتطلع الى منحها الثقة لكنه يطالب بحصةٍ وازنة فيها. الخليلان بمعية مسؤول أمن “حزب الله” يتولون التفاوض على حكومة قيل في مبررات قيامها انه يجب ان تكون من الإختصاصيين المستقلين. رئيس الحكومة المكلف يصبر في منزله منتظراً حصيلة مفاوضات الثنائي ومباحثات “حزب الله” مع حليفه العوني. فعلاً انها الغرابة بحد ذاتها.
في الادارات ينظم المدير احوال دائرته للتمكن من تلبية حاجات الناس. يجمع مساهمات موظفي الدائرة لشراء ادوات التنظيف ودفع راتب عامل التنظيف هو المقيم في مبنىً رسمي. يتصل بالبلدية لتأمين دفع اشتراك التيار الكهربائي، أما القرطاسية فعلى همّة المخاتير من اصحاب النوايا الحسنة. تبقى الأوراق الرسمية التي يجب ان ترِد من الوزارة المعنية. هنا الفضيحة الكبرى، اذ لا يصل الدائرة الا اليسير مما تحتاجه، فهل تلجأ الى المطابع الخاصة وتفتح دولتها المستقلة؟
المواطن، هذا الركن الثالث في بنية الدولة، هو من تركبه المصائب جميعاً. لا حاجة للتعداد: المدخرات طارت والرواتب تآكلت. الوظيفة فُقدت والقدرة الشرائية في الحضيض. الادوية والمأكل والملبس والمحروقات كلها من الكماليات إن وجدت. طوابير الذل تطول وتطول. وسلال الدعم الى جانب لقاحات المرض تتحول كما الزفت اسلحةً في انتخاباتٍ قد تحصل أو لا تحصل، لتجديد حياة سلطةٍ ترتكب بحق شعبها ما لم ترتكبه سلطة في التاريخ الحديث.
هل تثور الادارة؟ هل يثور الشعب؟ الأكيد ان سلطة الفساد والميليشيا تواصل ثورتها المضادة، وهي بذلك تضع حدودها الطائفية والمذهبية والتجويعية للثورة الحقيقية المطلوبة.