Site icon IMLebanon

تعطيل الإدارة العامة: تواطؤ حكومي وتمهيد للتصفية أو “العسكرة”؟!

 

لا يختلف عاقلان على تحميل الساسة اللبنانيين، مسؤولية التقاعس عن اجتراح الحلول الكفيلة بلجم تبعات الإنهيار السياسي – المالي المتفاقم منذ العام 2019؛ إلّا أن تمادي الحكومة في مراقبة التحلل الذي يصيب إدارات الدولة ومؤسساتها، وفي مجاراة الموظفين المضربين عبر قوننة تعطيل المرافق العامة، يطرح العديد من علامات الإستفهام حول مستقبل الإدارة العامة في لبنان، وما إذا كان التوجه المُضمر للحكومة يكمن في تصفية هذا القطاع بناء على توصيات الجهات الدولية، عوض اتّخاذ الإجراءات الكفيلة بإعادة تنظيمه وتطويره.

 

وضع الفساد المستشري في مصلحة تسجيل السيارات والآليات – النافعة أدّى إلى وضع غالبيّة الموظفين رهن التحقيق القضائي، وبالتالي تعليق العمل في هذا المرفق. وهذا ما دفع وزير الداخلية الوصيّ على هذا القطاع، إلى الإستعانة بضباط وعناصر من قوى الأمن الداخلي من أجل إعادة تشغيله. وبذلك يفتح الباب، أمام المتضررين من إقفال المؤسّسات والدوائر الرسميّة الأخرى، لمطالبة المسؤولين باتّخاذ إجراءات مشابهة، تحدّ من تبعات الإضراب المتمادي لموظفي الإدارة العامة.

 

وإن كان تسيير المرفق العام يعلو على كل شيء، فإن تعميم إجراء كهذا على الإدارات والمؤسسات العامة لاستئناف عملها دونه العديد من التحديات. ويوضح أستاذ القانون الإداري في الجامعة اللبنانية الدكتور عصام إسماعيل، أنّه وعلى الرغم من التبعات القانونية المرافقة لقرار وزير الداخليّة بإعادة فتح أبواب مصلحة تسجيل السيارات والآليات أمام المواطنين، فإنها تبقى أقلّ وطأة من إقفال المرفق العام وتعطيل مصالح المواطنين.

 

وفي هذا الصدد، يؤكّد وزير الداخلية السابق، العميد مروان شربل لـ»نداء الوطن»، أنّ وصاية وزارة الداخلية على النافعة، تتيح للوزير إتّخاذ الإجراءات التي يراها مناسبة وبصورة مؤقتة من أجل إدارة هذا المرفق الذي يغذّي مالية الدولة بمليارات الليرات يومياً، لافتاً إلى أنّه سبق واتخذ إجراءً مشابهاً، كلّف بموجبه عميداً من قوى الأمن الداخلي، الإشراف على مصلحة تسجيل السيارات والآليات عندما كان وزيراً للداخليّة، مشدداً على أنه لو تمّ الإبقاء على هذا الأمر، لما كان الفساد إستشرى إلى هذا الحدّ.

 

وعن إمكانية امتداد هذا الإجراء وصولاً إلى الدوائر الرسمية الأخرى كالعقارية على سبيل المثال، إستبعد شربل إمكانية الإستعانة بالقوى الأمنية من أجل القيام بالوظائف الإدارية، داعياً إلى الطلب من أساتذة المدارس الذين لا يمارسون رسالة التعليم، منذ أن أدخلتهم الأحزاب والمحاصصة إلى هذا المرفق، ملء الفراغ مكان الموظفين المضربين عوض الإستمرار في قبض الرواتب من دون قيامهم بأي عمل. وذلك على غرار ما حصل في السابق، بحيث تم نقل غالبية الموظفين إلى الدوائر الرسمية، من الكادر التعليمي.

 

وأمام تمادي الأضرار الناجمة عن تعطيل الإدارات العامة على المواطنين، يبرز إلى الواجهة السؤال عن جدوى الإضراب في ظل تحلّل السلطة وعجزها عن اتخاذ الإجراءات الملائمة، رغم أحقيّة مطالب الموظفين، والتي لا تقتصر على فئة معيّنة، أكان للعاملين في القطاع العام أم الخاص، كما الأسلاك العسكرية بكافة فئاتها.

 

وفي هذا السياق، يوضح الدكتور عصام إسماعيل لـ»نداء الوطن»، أن «المشكلة تكمن في غياب القيادة الإدارية القادرة على حسم المواضيع المطروحة، والتي تتمثل حالياً بمجلس الوزراء الذي عمد بدوره إلى تشجيع الموظفين على الإستمرار في الإضراب غير القانوني، وذلك عبر المراسيم التي أصدرها، وأعطاهم من خلالها مشروعية تقليص الحضور إلى 3 أيام في الأسبوع والإكتفاء لاحقاً بالمداورة بينهم من أجل تسيير الأعمال بحدّها الأدنى، وذلك، وسط الإبقاء على الرواتب ومضاعفتها من دون تكبّد عناء القيام بأي مجهود».

 

وتوقف عند مبدأ إستمرارية المرافق العامة الذي يصونه القانون، مشيراً إلى أنّه «لا يجوز التذرّع بوطأة الأزمة التي يمرّ بها لبنان من أجل تعطيلها، متسائلاً في الوقت نفسه عن أسباب تنصّل المسؤولين من تطبيق القانون الذي يعتبر كلّ من يتغيّب عن العمل 15 يوماً وأكثر، مستقيلاً حكماً». (قانون الموظفين، المادة 65، الفقرة د.)

 

ومع تحايل المضربين على القانون، والإكتفاء بتسجيل الحضور يوماً في الأسبوع، ما يحول دون تسيير متطلّبات المواطنين وأعمالهم، شدّد إسماعيل على أنّ «المبدأ الدستوري يكمن في تأمين استمرارية المرافق العامة، والذي يوازيه مبدأ حماية المصالح العامة للمواطنين، ومبدأ حسن تقديم المرفق للخدمة التي يؤديها».

 

التمادي في الإضرابات

 

ولفت إلى أنّ «التمادي في الإضرابات وضع النظام العام برمّته في خطر»، مشيراً إلى أنّ «الإجراء الوحيد الذي إتخذه رئيس الحكومة، هو التذكير بموجب المذكرة رقم 14 تاريخ 6/5/2019 بنصّ المادة 15 من نظام الموظفين»، موضحاً «أن قانون العقوبات اللبناني يجرّم الإضراب بنصّه في المادة 340 على أنه: «يستحق التجريد المدني الموظفون الذين يربطهم بالدولة عقد عام إذا أقدموا متفقين على وقف أعمالهم أو اتفقوا على وقفها أو على تقديم استقالتهم في أحوال يتعرقل معها سير إحدى المصالح العامة».

 

وشدّد على أنّ «الفقه والاجتهاد في الدول التي أقرّت الحق في الإضراب، إستقرّا على أنّ الإضراب وإن كان عملاً مشروعاً بذاته إلا أنّه يتعيّن ألا يترتّب على ممارسة هذا الحق تعطيل مرافق الدولة بما يلحق الضرر بمصلحة جهة العمل الإدارية، بحيث أعطى الدولة تنظيم حق الإضراب السلمي بما يتفق مع حكم الدستور، ويساهم في تحقيق التوالف الضروري ما بين حق الدفاع عن المصالح المهنية والحفاظ على المصلحة العامة».

 

ووسط غياب النصّ الذي ينظم الحقّ في الإضراب ومفاعيله في الدستور اللبناني، أوضح إسماعيل أنّ «الاتفاقيات الدولية التي انضمّ إليها لبنان أقرّت الحق في الإضراب ولكن في الحدود التي ينصّ عليها التشريع النافذ»، مشيراً إلى أنّ «غياب التشريع المنظم للحقّ في الإضراب، يعلّق الإجازة المطلقة للإضراب في لبنان، ويبقي للمبادئ المرتبطة باستمرارية المرافق العامة الأولوية في التطبيق».