IMLebanon

شخصية رفيعة المستوى: قرارات شجاعة أو جهّزوا الباسبورات!

 

يقف لبنان أمام خيارات مفصلية ومتفاوتة، يرتب كل منها سيناريو مختلفاً عن الآخر. فإما مواصلة الانحدار نحو طبقات غبر مكتشفة بعد من الهاوية، وإما مباشرة الصعود منها ولو متراً متراً. كله يرتبط في نهاية المطاف بنمط التعاطي مع الاستحقاقات المتلاحقة.

من المعروف انّ إقرار الموازنة العامة يندرج ضمن دفتر الشروط الذي وضعه صندوق النقد الدولي لإبرام اتفاق نهائي مع لبنان ومدّه بجرعات من المصل المالي، إضافة إلى انّ وجود الموازنة هو في حدّ ذاته من البديهيات التي لا يجوز إهمالها، بمعزل عمّا اذا كانت مطلباً لصندوق النقد ام لا. وعليه، فإنّ انعقاد الجلسة التشريعية العامة هذا الاسبوع لإنجاز الموازنة المؤجّلة يمثل امراً حيوياً، لكن ذلك لا ينفي انّ الاستحقاق الأبرز الذي ينتظر مجلس النواب انما يكمن في تأمين التوازن لجسم الدولة عبر انتخاب رئيس الجمهورية قبل 31 تشرين الأول.

 

من هنا، وعلى أهمية الموازنة المالية التي سيناقشها المجلس، ولو انّها متخبطة في ارقامها ومتأخّرة عن موعدها، الّا انّ الأهم يبقى الاتفاق على «موازنة سياسية» للبلد، تعيد الحدّ الأدنى من الانتظام إلى الدولة، وتبقي المؤسسات الدستورية في الخدمة، مع ما يتطلبه ذلك من انتخاب رئيس الجمهورية ضمن المهلة الدستورية، وتشكيل حكومة مكتملة الصلاحيات تحسباً للفراغ وتخفيفاً من أضراره المتوقعة.

 

بهذا المعنى، يؤكّد المطلعون، انّ المطلوب إيجاد بيئة استراتيجية ملائمة للسيطرة على الانهيار، والّا فإنّ التقنيات الاقتصادية والمالية لوحدها تفقد الكثير من فعاليتها وجدواها ما لم تكن مرفقة بحضانة او حصانة سياسية. إذ انّ أهم علاج تقني يمكن أن تلتهمه النزاعات السياسية المستعرة والبيئة المضطربة، خصوصاً انّ البلد خسر مناعته منذ عام 2019، وصار هشاً اكثر من أي وقت مضى، بعدما استهلك معظم قدراته على التكيّف مع الأزمات.

 

وسط هذا الواقع، فإنّه من المحسوم انّ كلفة الفراغ الرئاسي او غياب الحكومة الأصيلة، ستغدو هذه المرة أقسى بكثير مما تمّ دفعه في السابق، حين كانت لعبة الطرابيش التي استخدمتها حاكمية مصرف لبنان والسلطات المتعاقبة تؤجّل الانفجار و»تروّض» انعكاسات أزمات الحكم والنظام على الاقتصاد، إلى ان انتهت اللعبة بانهيار جارف، كشف انّه كان يتمّ خلال فترة الاستقرار المخادع شراء الوقت بفواتير مرتفعة تراكمت وتحوّلت قنبلة موقوتة ما لبثت ان انفجرت بعد حين.

 

من هنا، فإنّ الحلول السياسية هي تأسيسية وليست «اكسسوارات»، ومن شأنها ان تسمح بإعادة بناء المناعة تباعاً، والأهم ببدء استعادة الثقة التي تشكّل «كلمة المرور» أو الـ«password» للعبور إلى مرحلة النهوض المنشود.

 

ويؤكّد مسؤول سابق، انّ الاقتصاد سياسي بالدرجة الأولى، وليس ممكناً فصل أحدهما عن الآخر، لأنّ التداخل بينهما أصبح عضوياً. مشدّداً على أنّ بداية التحوّل الايجابي في اتجاه الإنقاذ تكون بانتخاب رئيس جمهورية يوحي بالثقة ضمن الموعد الدستوري، يلي ذلك اختيار رئيس حكومة يتناسب مع حجم التحدّيات.

 

ويلفت إلى انّه من الضروري ان تسري الكيمياء بين رئيسي الجمهورية والحكومة المقبلين، وأن يسود علاقتهما التناغم المنتج، وصولاً الى ان يشكّلا سوياً فريق عمل واحداً لا فريقين متنافرين، لأنّ الوضع المأساوي السائد لا يتحمّل المزيد من النفور والتشرذم، علماً انّ النكد والكيدية اللذين سادا العلاقة بين أركان السلطة أدّيا إلى مواصلة الحفر داخل الهاوية، عوض التفتيش عن وسائل مجدية للخروج المتدرج منها.

 

ويعتبر المسؤول السابق، انّ أغلب الطبقة السياسية غير مؤهّلة لإدارة الأزمة فكيف بحلّها. لافتاً الى انّه منذ عام 2019 احترف بعضها تضييع الفرص والوقت.

 

ويضيف: «مع بداية الأزمة وصل سعر الدولار الى 3500 ليرة، وبالتالي كان لا يزال بالإمكان السيطرة على الحريق، والحؤول دون تمدّده لو تمّ اتخاذ القرار السياسي الكبير بالترفّع عن الحساسيات والحسابات الصغيرة، وبتنفيذ الإصلاحات الضرورية في حينه بلا اي تأخير، لكن ما حصل انّ هناك في المقابل من فضّل ان يرمي نفسه من السفينة ويجلس على الشاطئ يتفرج عليها وهي تترنح وسط العواصف والامواج».

 

ويشير إلى انّه عُقدت آنذاك اجتماعات متلاحقة، ووُضعت الخطط للإنقاذ، انما لم يُطبّق منها شيء، لأنّ البعض أراد أن يعطي الأولوية لمصالحه على حساب المصالح الوطنية العليا.

 

ويتابع شكواه: «انا كمسؤول سابق في الدولة أخجل ان اذهب إلى المطعم في هذه الظروف الاقتصادية القاسية. فكيف لم يجد عدد من المسؤولين الحاليين حرجاً في أن يمضوا إجازات على السواحل الاوروبية، بينما اللبنانيون يتخبّطون في معاناتهم؟».

 

وضمن سياق متصل، ينقل زوار شخصية رسمية، رفيعة المستوى، تحذيرها من أنّه «إذا لم تُتخذ القرارات السياسية الشُجاعة ولم تُقرّ القوانين الإصلاحية الحيوية فعليكم تجهيز جوازات السفر للرحيل، لأننا سنكون مقبلين على الأسوأ»!