يتحرك المتقاعدون وراء مطالبهم المحقة، فبعدما منعوا عقد جلسة حكومة تصريف الأعمال، في الأسبوع الماضي، سمحوا أمس للرئيس نجيب ميقاتي والوزراء الذين يشاركونه الجلسات، أن يلتئموا في السراي الكبير بعدما فكّوا الحصار عن هذا المقر ونقلوا تجمعهم الى ساحة رياض الصلح.
ومن أسفٍ أن الحكومات، عندنا، لا تنتج إلّا تحت الضغط الشعبي. أمّا ما يُسيء الى الناس ويُلحق بالمواطنين أضراراً فادحة فتُقبل عليه هذه الحكومة بطيب خاطر… وأمامنا (في الأسابيع الثلاثة الأخيرة) مثالان فاقعان أولهما الموازنة العامة التي لا وصف لها ولا نتيجة إلّا قهر الناس وفرض الضرائب عليهم بعشوائية مروّعة، وقلّة مسؤولية مخيفة. وهذا تصرّف يتفوّق فيه الوزراء ورئيسهم على حكم قراقوش الذي بات مضرب مثل. فالموازنة تشبه كلً شيءٍ في العشوائية وتصحّ فيها كل تسمية حسابية سخيفة، إلّا تسمية موازنة. إذ هي مجرد ارتفاع هائل في الضرائب والرسوم لتأمين الواردات من دون أي خطة إنمائية على الإطلاق، فقط لتأمين المرتّبات والأجور والتعويضات لجحافل الموظفين الذين يبلغ عددهم (بمن فيهم الأسلاك على خلافها) نحو 355 ألف موظف، مع السؤال المزمن عن مدى الفاعلية وجودة الإنتاج…
وأظرف ما في هذه الموازنة أنها تجبي الضرائب والرسوم على سعر الدولار الأميركي بِـ89,500 (تسعة وثمانون ألفاً وخمسماية ليرة لبنانية) وتدفع لهم مستحقاتهم على دولار الألف وخمسماية ل.ل.
وباشرت الحكومة النجيبة عملية جبي الواردات على هذه القاعدة!
والسؤال: إذا أسقط المجلس الدستوري قانون الموازنة فهل ستُعيد الحكومة الشاطرة الفرق الهائل الذي يبلغ ستين ضعفاً الى الذين سدّدوه؟!. (فاتورة المياه على سبيل المثال لا الحصر). أمّا المثال الفاقع الثاني فهو الخطّة المالية المزرية والتي بادر آباؤها جميعاً الى التبرؤ منها قبل صياح الديك، ومن أسف لا يتسع المجال للكلام بالتفصيل على هذه الخطة الهجينة التي كان من شأنها، لو أُقِرّتْ، أن تسرق آخر قرش في الودائع.