Site icon IMLebanon

جمهور «حزب الله»… بين أبواب الفقر و«عتبات» الموت

لن يختلف المشهد داخل «حزب الله» خلال الفترة المقبلة عما هو عليه اليوم، فالحزب وبعدما أدخل نفسه في دوّامة الصراع السوري ورماله المتحركة، لن يجد لنفسه ولو نافذة صغيرة ليعود منها إلى ما يُفترض أنها حالة طبيعية أو أن يُعيد معه خيرة من الشباب سار بهم إلى حتفهم طوعاً أو ترهيباً أو ترغيباً.

يوماً بعد يوم يزداد تورط «حزب الله» في سوريا وتزداد مع هذا التورط الأمور تعقيداً، فلا هو قادر على تحقيق الانتصارات التي سبق أن وعد بها، ولا جمهوره عاد قادراً على تحمل المزيد من الخسائر بعدما دخل الموت الى كل قرية ومنزل بدءاً من الضاحية الجنوبية والبقاع وصولاً إلى الجنوب، ومع استمرار هذا النزف القاتل تزداد حيرة الحزب من خلال عجزه عن تقديم المزيد من الاعذار والحجج لبيئة ما عادت تؤمن لا بنصر ولا بوعود إلهية ولا بتكاليف شرعية.

قبل انزلاقه في الحرب السورية كان كل الكلام الذي يصدر عن قادة «حزب الله» محط ثقة وغير قابل للنقاش أو الجدل داخل بيئته. كل الأوامر كانت مُطاعة والتوجهات والتوجيهات والإرشادات كانت تُترجم إلى أفعال فور صدورها، بدءاً من الشروط والاحكام ذات البعد الديني والعقائدي مروراً بتنظيم الأمور الحياتية ووصولاً إلى النهي عن الأفعال التي تضر بالمصالح الإيرانية كمقاطعة البضائع التي تُدرج على لائحة «الولي الفقيه» والمصنفة على أنها تصب في خدمة مصالح «الأعداء». أما اليوم فقد تبدلت الأولويات لدى جمهور الحزب بعدما أصبحت دماؤه تراق على مرأى ومسمع «الولي» نفسه الذي أصبح يكتفي بإرسال المال مقابل كل جثة يُعلن عن مقتل صاحبها تحت رايته وفي خدمة مصالحه. 

أمس خرج من بين جمهور «حزب الله» من يهمس ضمن حلقة مناطقية ضيّقة، حول نوعية «الشهداء» الذين يسقطون في سوريا ومناصبهم الحزبية ونوعيّة المسؤوليات التي تولّوها منذ زمن «المقاومة» إلى يوم رحيلهم. همس استذكرت خلاله نضالات القائد العسكري محمد احمد عيسى المعروف بـ»ابو عيسى في الجنوب« والقائد الميداني إبراهيم الحاج «أبو محمد سلمان» من بلدة قليا مع العديد من الأسماء مروراً بجهاد مغنية الذي كان يُمني نفسه «بنيل الشهادة» داخل حدود اسرائيل، ووصولاً إلى آخر قيادي سقط حسن حسين الحاج الملقب بـ»أبو محمد الإقليم» قائد عمليات الحزب في منطقة ريف إدلب- سهل الغاب والذي سبق ان نجا من عدة محاولات لاغتياله على يد اسرائيل إضافة إلى العديد من ضباط كبار في الحرس الثوري وآخرهم العميد حسين همداني أحد أبرز المساعدين الميدانيين والاستشاريين للجنرال قاسم سليماني في سوريا. أمس تساءل هذا العدد الصغير عن القضية التي من أجلها سقط كل هؤلاء خصوصاً وانها حرب تتبدل فيها المصالح والاولويات، تارة تكون فيها «القلمون» عنواناً للصراع الحاسم وطوراً تُصبح فيه جرود عرسال القضية الأساس قبل أن تعود وتحط في «الزبداني» وفي ريف «إدلب« ولاحقاً «حلب«.

من الواضح ان «حزب الله» يعيش أزمة تفوق التصورات والإستراتيجيات التي كان وضعها لحربه هذه. ففي عملية حسابية يتبين أنه ومنذ دخوله العلني والفعلي في الحرب في سوريا أي منذ ما يقارب الثلاث سنوات، قد تخطت خسائره البشرية الألف عنصر، أي ضعفي حجم الخسائر تقريباً التي كان تكبدها خلال حربه مع إسرائيل لفترة تزيد ربما عن عشرة أعوام، عدا عن الخسائر الكبيرة التي تستنزف فئة من الشبّان تترواح اعمارهم بين 16 و25 عاما، ما يُفسره البعض على أنه السبب الحقيقي وراء خسارة الحزب هذا الكم من القياديين العسكريين الذين كانت لهم بصمات واضحة وفاعلة في زمن الحرب مع إسرائيل، بعد استنفاده العنصر الشبابي وتمنع اعداد غير قليلة منهم عن المشاركة في هذه الحرب.

تنسحب أزمات «حزب الله» الميدانية على علاقته بجمهوره، والمال الذي هو عصب الحزب فُقد من التداول بين عامة الناس بعدما أصبح محصوراً بفئة محددة. لم تعد التبرعات العائدة لـ»هيئة دعم المقاومة» تفي بالغرض، إذ أن كل الحملات على الأرض تعود بمعظمها إلى مراكزها خالية الوفاض، وعنوان «الصدقة تدفع البلاء» استبدل بكلام للسيد حسن نصرالله يقول: «إنّ دفع المال للمقاومة هو حاجة شرعيّة وأخلاقيّة وإيمانيّة ووطنيّة للمتبرعين لأنّهم من خلال هذا المال يُشاركون في الدفاع عن بلدهم، في تحرير أرضهم، والحفاظ على كرامتهم وعزّتهم«. لكن حتّى كلام «السيد» ظلّ مجرّد شعار غير قابل للتنفيذ على أرض الواقع وذلك على عكس سنوات خلت كانت وحدها مكبرات الصوت في الشوارع، كفيلة بملء خزانات الحزب حتّى الاحتياطية منها.

أزمة الثقة بين «حزب الله» وجزء غير قليل من جمهوره، لم تبرز حتّى الساعة بشكل واسع، لكنها تظهر بوضوح من خلال التراجع الملحوظ للدعم المادي الذي كانت تتلقاه مؤسسات الحزب من هذا الجمهور وهو ما يؤكده أيضاً تراجع الحسابات المالية العائدة من صناديق التبرعات بشكل كبير والتي يتم توزيعها على الطرقات والمحال التجارية وداخل المنازل ودور العبادة، ما يؤكد أن أولويات الحزب قد تراجعت بشكل كبير عند جمهوره الذي ما عاد يُعطي الأولوية للحروب بعدما جعلهم الحزب يقفون عند أبواب الفقر وعتبات الموت.