«مطار بيروت سيكون أول مطار يعتمد تقنية 5G للإنترنت المحمول». ذلك إعلان بحاجة إلى مزيد من الدقة، لأنه يُفترض أنه لم تُطلَق خدمات الجيل الخامس في أي بلد في العالم، ولأنه لا يمكن الحديث عن جيل خامس بعيداً عن شبكة الخلوي. لكن هذا ليس رأي المدير العام لأوجيرو، الذي يؤكد أن ذلك سيتحول إلى حقيقة في منتصف أيلول. وبالتوازي مع هذه الخطوة، سيكون المطار واحداً من الأماكن التي ستُقدّم فيها خدمة الإنترنت العام، بعد أن أطلقتها أوجيرو، وبدأت بتنفيذها شركة «ليباتيل»، مستعينة بمعدات شركة تملك مركز أبحاث وتطوير في إسرائيل
بشّر وزير الاتصالات محمد شقير اللبنانيين بأن «مطار بيروت سيكون أول مطار في العالم فيه خدمة 5G» (الإنترنت الفائق السرعة)، مشيراً إلى أن هذا الحدث الاستثنائي سينطلق في النصف الأول من شهر أيلول. مهلاً، كيف يمكن أن يحصل ذلك من دون أن تتوافر شبكة الجيل الخامس في لبنان؟ الفهم التقني لعبارة الجيل الخامس مرتبط حصراً بشبكات الخلوي، وبالتالي لا مجال للحديث عن وجود الخدمة في المطار أو في أي مكان سوى عبر الشبكة الخلوية، أسوة بما سبقها من أجيال إنترنت، وآخرها الجيل الرابع، المعمول به حالياً (لم تقدم خدمة الجيل الخامس في أي بلد في العالم، ولا توجد هواتف مجهزة للاستفادة منها). لكن وزير الاتصالات قالها، وهو المسؤول الأول عن قطاع الاتصالات في لبنان، فما الذي يقصده؟ في كلام الوزير ربط بين إعلانه توافر تقنية 5G، وإعلانه أيضاً مدّ شبكة الفايبر أوبتيك إلى المطار. بصرف النظر عن أسباب مدّ فايبر جديد، في مطار ينعم بهذه الخدمة منذ أكثر من عشر سنوات (تستفيد منها شركات الطيران والقوى الأمنية والمديرية العامة للطيران المدني والسوق الحرة…) لكن ما العلاقة بين الأمرين، خاصة أن وجود الفايبر يؤدي حكماً إلى الحصول على إنترنت سريع عبر الواي فاي؟ يوضح رئيس هيئة أوجيرو عماد كريدية، أن المقصود هو Indoor 5G (خدمة إنترنت سريعة داخل المباني)، وهو أمر مختلف عن المعنى المتداول لـ5G. ويشرح أن هذه التقنية تعتمد على تركيب محطة في المطار (أعلن أنها قُدمت مجاناً لأوجيرو لدى شرائها أعمدة إرسال الجيل الرابع)، موصولة على «راوترات» متطورة تعتمد تقنية «واي فاي 6» تسمح لأي مستخدم بالولوج إليها والحصول على الحدّ الأقصى من السرعة المتاحة عبر جهازه، وصولاً إلى السرعة التي يقدمها الجيل الخامس. ويوضح أنه بمجرد الخروج من المطار، يصبح المشترك خارج نطاق تغطية 5G. هذا ليس 5G إذاً، بل مجرد «واي فاي» سريع، أو «طيارة» على ما وصفه كريدية في تغريدة له في 11 تموز. وهو بالتالي لا علاقة له بتقنية الجيل الخامس، آخر أجيال أنظمة شبكات الخلوي. يرفض كريدية ذلك، مصراً على أن تقنية 5G هي التي ستعتمد، لا أي تقنية أخرى.
بصرف النظر عن التسمية، هل ستكون هذه الخدمة متاحة ضمن مشروع («الواي فاي العام») Public WIFI الذي أطلق أخيراً؟ يوضح كريدية أن خدمة 5G ستسبق خدمة الواي فاي العام، وهي لن تحلّ محله، لأنها لا تغطّي كل المطار، بل أماكن محددة فيه، بينما الخدمة العامة ستكون متاحة في كل قاعات المطار، كجزء من المرحلة الأولى للـ Public WIFI. وستشمل هذه المرحلة مطار بيروت، الكورنيش البحري من فندق السان جورج إلى الرملة البيضاء وخمس حدائق عامة، على أن يليها في المراحل أخرى نشر الخدمة في معظم المدن، حيث توجد كثافة في الولوج إلى الإنترنت.
وبحسب كريدية، ستتقاضى شركة «ليباتيل» الفائزة في المناقصة، ما مجموعه 6 ملايين دولار، 1.4 مليون دولار منها مخصصة للمرحلة الأولى. لكن ما أهمية هذه الخدمة، وهل ستكون مجانية؟ يبدو أن الهيئة لم تستقر بعد على النموذج الذي ستعتمده، لكن الأكيد أن غاية المشروع تجارية، إذ يفترض أن يُسمح بفترة مجانية محدودة للمستخدم، على أن يليها دفع بدل الإنترنت بحسب كل باقة. تثق أوجيرو بأن هذه الخدمة ستكون أرخص من الخدمة المقدمة من شركتي الخلوي، أسوة بخدمة «دي أس أل» المتوافرة في المنازل، ولهذا ستستقطب زبائن إضافيين، وتُسهم في زيادة إيرادات الهيئة، وبالتالي إيرادات وزارة الاتصالات. ذلك أمر لا يستوي مع فكرة أن شركتي الخلوي، كما أوجيرو، تعود ملكيتهما للدولة، وبالتالي إن ما ستربحه الوزارة من الخدمة يمكن أن تخسره في عائدات الخلوي. وعليه، لماذا تقدم أوجيرو الخدمة، لا شركتا الخلوي (تتحفظ مصادرهما عن إنجاز أوجيرو للمشروع) أو إحدى شركات مقدمي الخدمات؟ السبب، بحسب أوجيرو، أنها تملك القدرة على تقديم الأسعار الأفضل انطلاقاً من ملكيتها للخطوط الدولية للإنترنت.
تجدر الإشارة إلى أن خدمة الإنترنت المجاني كانت قد قدمت في عهد الوزير نقولا صحناوي، بتمويل من جمعية المصارف، إلا أن هذه الخدمة لم تلبث أن توقفت، قبل أن تعيد الوزارة إطلاقها من أموالها، ومن دون السعي للحصول على ممول، وفي الوقت الذي تتراجع فيه إيراداتها باطّراد. فلماذا لا تتكفل الجهات المعنية أو المهتمة، كبلدية بيروت أو إدارة المطار، بتمويل هذه الخدمة؟ تشير مصادر معنية إلى أن الوزارة تتعامل مع الأمر تجارياً، وهي تتوقع أن تدرّ عليها هذه الخدمة عائدات مالية، من خلال تقديم باقات متعددة للمستخدمين بأسعار تنافسية. وتعتبر أن المبلغ المُستثمَر ليس كبيراً، وبالتالي يمكن استرداده في فترة بسيطة نسبياً. لكن هل نفذت دراسة جدوى للمشروع توضح العدد المتوقع للمهتمين بالخدمة أو الإيرادات المتوقعة منها أو حتى دراسة تبيّن مخاطرها الأمنية، ومدى القدرة على حماية المعلومات التي يجري تبادلها عبر تلك الشبكة العامة؟ تجزم مصادر مطلعة بأن لا دراسة جدوى أنجزت، بل يعتمد المشروع على ثقة القيّمين عليه بنجاحه!
المرحلة الأولى من الإنترنت العام ستشمل المطار والكورنيش البحري و5 حدائق
ثمة إشكالية أساسية لم يتطرق لها القيّمون على المشروع، فالشركة الفائزة بالمناقصة ستعتمد على معدات شركة روكوس (Ruckus)، التي تملّكتها شركة أريس (Arris) في عام 2017، علماً بأن الأخيرة تملك مركزاً للأبحاث والتطوير في إسرائيل. يقول كريدية إن معظم الشركات العاملة في قطاع الاتصالات لديها مراكز في إسرائيل، معدداً بعض الأمثلة على ذلك. ويضيف: مع ذلك، فأنا دائماً أخاطب وزارة الاقتصاد – مكتب مقاطعة إسرائيل للتأكد من إمكانية التعاقد مع أي شركة، وهو ما فعلته في هذه الحالة، فأُبلغت «أوجيرو» أن الشركة المذكورة، أي «روكوس»، ليست على لائحة المقاطعة. وقد تأكدت «الأخبار» من ذلك بالفعل، حيث أفادت مصادر وزارة الاقتصاد بأن لا مشكلة في التعاقد مع «روكوس»، لأنها ليست على لائحة المقاطعة! لكن إذا كانت لوائح المقاطعة غير محدّثة، وهو أمر صار بديهياً، فإن شبكة الإنترنت فيها من المعلومات ما يكفي ويزيد. وهذه المعلومات تشير إلى أن فرع إسرائيل من المراكز الرئيسية للشركة.
حتى لو كانت معايير المقاطعة لا تنطبق على شركات من هذا النوع، ألا يفترض على الأقل، لكون الصفقة تتعلق بقطاع الاتصالات، التدقيق فيما إذا كانت تشكّل خطراً أمنياً أو لا؟ فمن يتحمّل مسؤولية إدخال شركة مملوكة من شركة تملك مركز أبحاث في إسرائيل، إلى قطاع الاتصالات، القطاع الأكثر استهدافاً من العدو الإسرائيلي؟ للمفارقة، تؤكد مصادر متابعة أن في إدارة الشركة نفسها، من كان واثقاً أن امتلاكها من قبل شركة «أريس» سيحرمها أعمالها في المنطقة العربية، قبل أن يتبين أن لبنان كان أول من تعاقد معها.