تكشفت جلسة المناقشة العامة النيابية، أمس، عن حقائق مهمة بعضها كان معروفاً ومتداولاً، وبعضها الآخر كان معروفاً وخارج التداول. وطبيعي أن يتناول النواب المسائل ذاتها من أوجه مختلفة. فهناك من انطلق من كونه في الموالاة (موالاة مَن؟) وهناك من تحدث من منطلق المعارضة. وهناك مَن كان موالياً ومعارضاً في آن معاً.
اللافت أنّ «الموالاة» كانت مجزأة. فثمة نواب يوالون العهد. وثمة آخرون يوالون رئيس الحكومة. وثمة من يوالون رئيس مجلس النواب.
طبعاً استمع اللبنانيون امس الى الكم الهائل من الكلام الذي تفضّل به السادة النواب تحت قبة البرلمان، وسيقرأ بعضهم، اليوم، الملخّصات التي ستنشرها الصحف. وكنّا نؤثر عدم نقل هذه الجلسات على الهواء مباشرة، ذلك أنّ النواب سيغتنمون منابر الأقنية التلفزيونية والمحطات الإذاعية لـ«يفلتوا» من دون أي قيد، والأعين على الإنتخابات النيابية المقبلة في ربيع العام 2018 الآتي. وهذا يتعارض مع أدنى شروط وظروف الموالاة والمعارضة. فالنائب يشرّع ويناقش ويراقب من أجل تقويم الإعوجاج وسنّ القوانين وليس من أجل تبييض الوجوه أمام الرأي العام الذي وصفه كبير من بلادي، ذات يوم، بأنه بغل!.. وأننا على يقين بأنّ النقل المباشر للمداخلات التلفزيونية ضرره أكبر من فائدته إذا كانت له أي فائدة على الإطلاق. ونحن لا نجاري المرحوم سعيد تقي الدين في توصيفه للرأي العام.
وفي عودة الى المضمون فقد إكتشف اللبنانيون أنّ التضامن الحكومي لم يكن موجوداً في أي شكل من الأشكال. فالموالون كان واضحاً من أقوالهم وإشاراتهم وغمزاتهم ولمزاتهم أنّ بينهم من يوالي (حتى داخل الحكومة) فريقه الوزاري وليس الفريق الوزاري الآخر، أو الثالث، أو الفريق الرابع… وكان بالغ الوضوح أنّ الإنتقادات من هنا كانت نكاية بهذا الفريق أو ذاك ولو كان المتحدّث جزءاً من أطياف الحكومة.
ولعلّ أكثر ما لفت في المداخلات أنّ نواباً عديدين تحدثوا مطوّلاً عن الهدر في وقت الخزانة العامّة تعاني خواء، وتمويل السلسلة يواجه أزمات خطرة إن توافر هذا التمويل بالضرائب والرسوم أو لم يتوافر… وما يترتب على الأمرين من تداعيات.
أما أبواب الهدر التي أُشير إليها في مداخلات عديدة وبالذات في مداخلة رئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان فكثيرة وكبيرة و«دسمة». والسؤال الذي يطرح ذاته بإلحاح هو: لماذا لا يُوقفون هذا الهدر؟ لماذا لا يضعون له حداً؟ لماذا لا تتخذ الإجراءات السريعة في هذا المجال؟!. وإذا صح ما ورد في المداخلات النيابية فإنّ أرقام هذا الهدر من شأنها أن تغطي نفقات سلسلة الرتب والرواتب وأيضاً أن تسهم في حمل عبء من أعباء الدين العام التي بلغت حدوداً (… وأرقاماً) مخيفة.