Site icon IMLebanon

قانون الشراء العام أمام إختبار جديد في مجلس النواب اليوم

 

البلديات “تتمرّد” مطالِبة بتأخير تنفيذه و”الهيئة” تُصرّ على التطبيق

 

 

ليس مستغرباً، أو بالأحرى كان متوقعاً، أن تواجه التحدّيات انطلاقة قانون الشراء العام. وآخر التجلّيات إجماع البلديات واتّحاداتها في جبيل وكسروان والمتن والضاحية الجنوبية وجزين وصور والنبطية والبقاع والبترون على ما يشبه وقفة واحدة في وجه القانون وتطبيقه. صحيح أن الحملة الاعتراضية لا تحمل في مضامينها سوى المطالبة بتعليق تطبيق القانون على البلديات، إلّا أنها تجمع، بحسب مراقبين، متناقضات في السياسة قد يكون استهداف رئيس هيئة الشراء العام إحدى خلفيّاتها.

 

البلديات المعترضة، كي لا نقول «المتمرّدة»، أوردت بالأخص مسألة تأليف لجان الشراء والاستلام التي يُفترض، بحسب القانون، أن تتضمّن موظّفين من الفئة الثالثة، في حين أن هذه الفئة غير متوفّرة في كادرها الإداري. كما أثارت عدم ذكر القانون مسألة العمال المياومين وكيفية تغطية تكلفتهم، وغيرها من الشوائب التي تمّ تعدادها في عديد المراسلات التي وجّهها رؤساء البلديات واتّحاداتها إلى المعنيين. وعلى الطريقة اللبنانية، تدخل المزايدات السياسية على خط أيّ قضية تُطرح لتُفاقم تعقيداتها. وهو ما يظهر جلّياً من خلال تلويح بلديات كبرى بالإضراب العام والإقفال. وترافق الأمر مع تغيّب – مقصود أو غير مقصود – لعدد من النواب عن لجنة الدفاع الوطني والداخلية والبلديات التي كانت مقرّرة الأربعاء الماضي وتأجّلت لليوم، للنظر في ما يمكن معالجته من ثغرات وعراقيل في تطبيق القانون المذكور.

 

فهل نحن إزاء مشكلة تقنية ستجد طريقها إلى الحلّ في جلسة اليوم أم أن المسألة أبعد من ذلك؟

 

رئيس بلدية بيت مري، المحامي روي أبو شديد، أوضح لـ»نداء الوطن» أنّ الاعتراض على القانون يعود إلى كونه غير قابل للتطبيق بما خصّ البلديات. فهو، بحسب رأيه، «مفصّل خارج لبنان بناء على طلب من البنك الدولي دون مراعاة طريقة العمل البلدي. وهو يُطبَّق على بلديات يقع ضمن نطاقها أقلّه 150 إلى 200 ألف نسمة وليس على بلديات لا يتخطّى مجموع سكّان معظمها الـ1500 نسمة».

 

القانون يتعارض كلياً مع قانون البلديات وقانون المحاسبة العمومية، وهو مخالف أيضاً للدستور اللبناني. فهناك طرق تعاطٍ تختلف بين بلدية صغيرة وأخرى كبيرة، ولا يمكن إخضاع جميع البلديات لطريقة عمل موحّدة، كما يقول أبو شديد. أما عن اللجان، فثمة استحالة في تأليفها إذ إن القسم الأكبر من البلديّات لا يضمّ موظّفي فئة ثالثة. ويضيف: «المشكلة أنهم، حين أقرّوا القانون في مجلس النواب، لم يقفوا على رأي رؤساء البلديّات الذين يعرفون كيف يجري العمل على أرض الواقع».

 

هل من حلول؟ «يبدو أن هناك توجّهاً لتعليق تنفيذ القانون إلى حين سدّ الثغرات المتعلّقة بالمراسيم التطبيقية، وإلّا سنعتبر، كبلديات، أن القانون غير سارٍ بحقّنا ونبقى على القانون القديم – أي قانون المحاسبة العمومية. نحن مع الشفافية شرط أن يكون القانون قابلاً للتطبيق ويتلاءم مع إمكانيات البلديات»، يجيب أبو شديد.

 

التطبيق الفوري مستحيل

 

بدوره، رأى رئيس اتحاد بلديات كسروان الفتوح ورئيس بلدية جونية، جوان حبيش، في حديث لـ»نداء الوطن» أن القانون مجرّد نصّ مترجم على Google ونُقل كما هو. «المفردات والصياغة التي يتضمّنها لا تتطابق مع القانون اللبناني»، على حدّ تعبيره.

 

من جهة أخرى، اعتبر حبيش أن البلديات لم تتمكن من التحضير بشكل كافٍ لمرحلة التطبيق نظراً لوضع البلد وأزماته المتتالية، إضافة إلى ضرورة تعديل وتنظيم الكثير من المواد كي تراعي شؤون البلديات. ويكمل: «تعرّفنا قليلاً على القانون مع المعهد الوطني للإدارة برئاسة الدكتور جورج لبكي، كما خضعنا وما زلنا لدورات تدريبية. ومن خلال متابعتنا المواد، تبيّن وجود عثرات كثيرة تحتاج إلى تعديل».

 

المشكلة إذاً هي في استحالة التطبيق الفوري للقانون. أما تعديلاته أو قرار وقف تنفيذه، فهي من صلاحية مجلس النواب حصراً الذي، يُفترض أنه أصبح هيئة ناخبة، لا اشتراعية، بدءاً من أول أيلول إلى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية. فهل سيكون ذلك سبباً لتأجيل تطبيقه إلى أن يتمّ تعديله؟ «لم يلحظ القانون أننا في وضع استثنائي، فإداراتنا غير مكتملة والتوظيف ممنوع والموظّفون الموجودون غير مطابقين للمواصفات المطلوبة، فمن أين نأتي بموظّفي فئة ثالثة؟»، يتساءل حبيش معتبراً أن المذكّرات والتعاميم التي أصدرها رئيس هيئة الشراء العام ووزير الداخلية والبلديات تباعاً في11 و24 آب الماضي لاقتراح حلول مناسبة ليست سوى «ترقيعات» لن تأتي بنتيجة.

 

ختاماً، يشير حبيش إلى أنه كان من الأجدى تفعيل تطبيق القانون بالتدرّج بين الإدارات والمؤسسات، ما يمكّن المجتمع من التفاعل معه وتفعيله بشكل أفضل. «يجب أن نكون واقعيين، لا أحد يمكنه إيقاف القانون، لذا سيتمّ اقتراح حلول قد يكون أبرزها تأخير تنفيذه حتى العام 2023 وذلك مع بدء الدورة المالية الجديدة التي تنتهي في31 كانون الأول».

 

رحلة التدريب طويلة

 

بالحديث عن المعهد الوطني للإدارة، الذي يتمتع بصلاحية شاملة لتدريب الموظّفين في القطاع العام وأعطاه قانون الشراء العام دوراً مهمّاً في إتمام سياسة التدريب، لفت مصدر مقرّب منه لـ»نداء الوطن» إلى أن الشمولية التي يتمتّع بها القانون أخضعت ما بين 1300 و1400 جهة شارية لتدريب مستمرّ، حيث سمّت المادة 72 منه معهدين رسميين لتنفيذ سياسات تدريب متخصّصة ومهنية، هما معهد باسل فليحان والمعهد الوطني للإدارة.

 

أما بالنسبة إلى سياسات التدريب، فهيئة الشراء العام هي التي تقوم باقتراحها، وقد نصّ القانون على أن التدريب يمكن أن يشمل القطاع الخاص أيضاً كما يمكن أن يحصل بالتعاون مع الجامعات الخاصة ومراكز الأبحاث والسياسات العامة. «التدريب على الشراء العام يخضع لسياسة طويلة الأجل ومستمرة، كما يتطلب دعماً مالياً كبيراً من كافة الجهات المانحة والمعنيين به»، كما يفيدنا المصدر.

 

اقتراحات قيد الدرس

 

بالانتقال إلى المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية في لبنان، أوضح ممثّلها، الدكتور أندريه سليمان، في حديث لـ»نداء الوطن» أن المنظمة كانت من أول الداعمين للقانون من خلال تقديم الدعم التقني ووضع المراسيم التطبيقية والأنظمة الداخلية كما إطلاق البرامج التدريبية للبلديات بهدف تطبيقه على الصعيد المحلي.

 

وإذ نسأل عن الصعوبات التي أثارتها البلديات في هذا السياق، يجيب سليمان أن «لا صعوبات تعترض التطبيق بل أي قانون جديد يحتاج إلى أرضية مواتية لتطبيقه. هذه الأرضية تتمثل بإقرار المراسيم التطبيقية والأنظمة الداخلية. فحين تُقرّ هذه النصوص وتُعمَّم ويبدأ التدريب عليها، يصبح التطبيق سليماً وصحيحاً». أما المذكّرات والتعاميم التي أصدرتها هيئة الشراء العام ووزارة الداخلية والبلديات، فيرى فيها سليمان خطوة إيجابية تساعد على إيجاد الحلول لكنها ليست نصوصاً قانونية ملزمة. «قدّمنا عدّة اقتراحات نصوص من شأنها تكريس قانونية آلية الشراء العام في البلديات نظراً لغياب موظّفي الفئة الثالثة في العديد منها. هناك ما يقارب 1055 بلدية في لبنان ومعظمها يعاني شحّاً كبيراً في الموظّفين نتيجة العجز المالي. من هنا جاء اقتراحنا بأن تُستكمل لجان التلزيم والاستلام من إدارات أخرى أو من بلديات مجاورة أو حتى من القائمقاميات والمحافظات»، يختم سليمان شارحاً.

 

 

على ضوء ذلك، استطلعت «نداء الوطن» الرأي القانوني مع المحامي ميشال فلاح، المتخصّص في إدارة البلديات، الذي قال: «لا بُدّ للحديث عن ثغرات في تطبيق قانون الشراء العام أن يكون «حَسَن النية»، لا أن يخفي اعتبارات سياسية لعرقلة تطبيقه، وهو الذي عانى طويلاً لإقراره، نتيجة حسابات سياسية لأطراف معيّنة وجدت فيه عقبة في دربها».

 

وحيث يمكن اعتبار القانون أحد عناصر تعزيز اللامركزية الإدارية في البلديات كإدارة محلية، يرى فلاح أن الثغرات والعقبات التي ظهرت مع بدء تطبيقه، لا تستدعي حالة «الهلع» التي أصابت بعض البلديات. فالبدائل يمكن توفيرها عبر إجراءات إدارية ووزارية غير معقّدة. والحال أن النظر إلى الأمور بموضوعية يبيّن أن الاعتراضات تطول محورين: لجان التلزيم ولجان الاستلام. «في المحور الأول، سمح القانون بـ»تخريجة»، حيث نصّت الفقرة الثانية من المادة 100 منه على أن تصبح الصفة الإلزامية مقرونة بالجهات الشارية التي تنطبق عليها شروط هذه الفقرة، أي تلك التي ضمن كادرها الوظيفي موظّفو فئة ثالثة وما فوق، وبالتالي ليست جميع الجهات الشارية ملزمة بدون استثناء»، كما يشرح فلاح. وجاءت الفقرة الثالثة من المادة عينها لتنصّ على أن الجهة الشارية ملزمة باختيار أعضاء لجنة التلزيم من ضمن اللائحة الموحّدة المعتمدة من هيئة الشراء. وعليه، لا مشكلة في لجان التلزيم حيث يمكن للبلديات الصغيرة أن تلجأ إلى اللائحة الموحّدة دون أن تضطر إلى تسمية لجنة يكون أعضاؤها من الفئة الثالثة غير متوفّرين أساساً فيها.

 

وفي ما خصّ لجان الاستلام، ذلك يستوجب تعديلاً توضيحياً للقانون، لأنّ النص واضح ويفرض أن تكون اللجان من موظّفي الجهة الشارية. والتعديل يجب أن يهدف إلى تسهيل تطبيق القانون وليس إلى فتح باب الاستثناءات، التي بدورها ستضع المزيد من «العصي في الدواليب»، على حدّ تعبير فلاح.

 

الخضوع للقانون يخدم البلديات

 

جيّد. لكن ماذا لو لم يتمّ التوصّل إلى حلّ مشترك أو تفاهم بين هيئة الشراء العام ووزارة الداخلية والبلديات، من جهة، والبلديات، من جهة أخرى؟ عن هذا يجيب رئيس الهيئة، الدكتور جان العلّية، مؤكّداً لـ»نداء الوطن» أن هناك مشاكل عملية في التطبيق لكن ما من استحالة في معالجتها، مضيفاً: «من مصلحة البلديات قبل غيرها الخضوع لقانون الشراء العام لأنه يخدم اللامركزية الإدارية كما الشفافية وتعزيز الثقة بين الناخب البلدي وأعضاء المجلس».

 

وإذ شدّد على أن ما سيُبحث على طاولة لجنة الدفاع الوطني والداخلية والبلديات اليوم هو كيفية تطبيق القانون وليس الخروج منه، اعتبر العلّية أن أيّ استثناء للبلديات سيشكّل سابقة خطيرة إذ سيؤدي إلى إضعاف الثقة بالعملية الإصلاحية التي يُفترض أن تُبنى على ذلك القانون. وختم آملاً أن تتمكّن اللجنة من دعم ما يمكن أن تتّخذه الهيئة من إجراءات لتسهيل تطبيق القانون على البلديات.

 

لتطوير القانون لا تعطيله

 

ختاماً، اعتبر رئيس لجنة الدفاع الوطني والداخلية والبلديات، النائب جهاد الصمد، خلال دردشة مع «نداء الوطن» أن القانون من أهم القوانين الإصلاحية التي تساهم في تخطّي عمليات الفساد لا سيّما على صعيد المناقصات والتلزيمات. «عمليات الشراء داخل البلديات، المتوقفة بسبب عدم توفّر موظّفي فئة ثالثة ضمن اللجان، ستكون مدار بحث مطوّل في اجتماع اللجنة» اليوم، كما قال. وعن مطالبة البلديات بتأخير تنفيذ القانون أجاب: «نحن، كلجنة، حريصون على تطبيق القوانين الإصلاحية التي تؤمّن أكبر قدر من الشفافية. نتفهّم وضع البلديات لكنهم ليسوا هم من يملي علينا ما يجب فعله. أنا ضد تعليق العمل بالقانون ومع معالجة أي ثغرة موجودة. سنسعى خلال جلسة اليوم لإيجاد حلول للمحافظة عليه، تطويراً لا تعطيلاً له».