وسط الجدل الذي أثير حول دستورية إنعقاد مجلس النواب تشريعياً في ظل استمرار تعطيل انعقاده إنتخابياً، سمح النصاب الذي وفّره النواب لتأجيل الإنتخابات البلدية، بمناقشة أربعة إقتراحات قوانين، قدّمها نواب من إنتماءات سياسية مختلفة لإدخال تعديلات على قانون الشراء العام. جاء ذلك بعد ثمانية أشهر على بدء تطبيق القانون، كأداة إصلاحية تحمي مصالح الناس وتستعيد ثقة المجتمع الدولي بالدولة اللبنانية، وبأدائها، وجدّيتها في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة منها.
يبدو سرد هذه الوقائع «سوريالياً» لما يجمعه من تناقضات، إذ أنّ السلطة التي يتسبّب أداؤها السياسي وفسادها بأزمات سياسية متتالية وبتعطيل حقوق الناس بمحاسبتها، أقلّه في إنتخابات تجرى على مستوى البلديات، هي نفسها التي أقرّت التعديلات المقترحة على قانون الشراء العام، بما يسمح بتطبيقه في البلديات أسوة بباقي مؤسسات الدولة، للتأكّد من حسن تدبير المال العام وجودة الخدمات.
بالطبع ما كانت هذه التعديلات لتطرح في اقتراحات قوانين، لو بقيت المادة 119 من قانون موازنة 2022 من دون إبطال من المجلس الدستوري. علماً أنّ هذه المادة تضمّنت تعديلات في ثلاث مواد أساسية، وهي المادة 46 المتعلقة بشروط الإنفاق الرضائي، وقد أضيف إليها في قانون الموازنة فقرة سادسة تسمح بالتعاقد رضائياً مع المستشفيات والمراكز الطبية والمختبرات، كون هذه العمليات لا تدخل ضمن إطار الشراء. وفي المادة 101 التي عدّلت المادة 119 فقرتيها الأولى والثالثة المتعلقتين بلجان الإستلام، بما يسمح بتشكيلها من أعضاء المجلس البلدي في حال عدم وجود أو نقص بعدد الموظفين في البلديات، على أن تطبّق عليهم آليات وشروط المادة 101 من حيث مهل التشكيل والتدريب. بالإضافة الى تعديل في المادة 60 المتعلّقة بإجراءات الشراء بالفاتورة، حتى يتم الإكتفاء ببيان موقّع من أصحاب الحق يتضمّن تفصيل الخدمات واللوازم والأشغال عند تعذّر تقديم فاتورة، أو الإكتفاء بعرض واحد عند تعذّر تأمين عرضين.
وإذا كانت التعديلات في المادتين 46 و60 قد أقرّتا من ضمن إقتراح القانون الذي قدّمه النواب جهاد الصمد، آلان عون وعلي حسن خليل، فإنّ الإقتراح الذي تحوّل قانوناً، ألغى في المقابل الفقرتين 2 و3 من المادة 100 والفقرتين 1 و2 من المادة 101 المتعلّقتين بتشكيل اللجان، وأضاف فقرة إلى المادة 101 نصّت على أنّه «يتم تأليف لجان التلزيم والإستلام لدى الجهات الشارية من أهل الخبرة والإختصاص، وفقاً لأسس تضعها هيئة الشراء العام، على أن تكون الأولوية في تشكيل هذه اللجان للمتدرّبين».
وقد رأى رئيس هيئة الشراء العام جان العلية في التعديلات المتعلّقة بهذه المادة تحديداً «ما يتوافق مع وضع الإدارات العامة في الظروف الراهنة الصعبة»، متوقّعاً أن «تنعكس مرونة أكبر في تشكيل لجان التلزيم والإستلام لدى الجهات الشارية، ومن ضمنها البلديات، لتتوافق مع ما تشكّله من لامركزية إقليمية، وذلك من دون إسقاط ضوابط الإختصاص، الكفاءة، والتدريب في أحد المعهدين المعتمدين بالقانون».
وتُعتبر هيئة الشراء العام وفقاً للمادة 76 من قانون الشراء العام، الجهة التي تملك صلاحية إقتراح تعديلاته أو إبداء الرأي فيها. وإنطلاقاً من هذه الصلاحية يبدي العلية إرتياحاً الى مجمل ما أُقرّ من تعديلات في جلسة مجلس النواب مساء الثلثاء الماضي. وبرأيه أنّها «جعلت نصوص القانون قابلة للتطبيق، حتى إذا خالفتها الإدارة يكون هناك إمكانية لمعاقبتها، وهذا يبقى أفضل من نصّ يوضع ولا يمكن تطبيقه».
تعديلات تعزّز الشفافية
ومن هنا إعتبر العلية إقرار القانون بتعديلاته «خطوة جيدة جدّاً ومتقدّمة في تعزيز الشفافية لناحية إلزام كلّ الجهات المتعاقدة مع الدولة اللبنانية ومع أشخاص القانون العام، بالتصريح عن صاحب الحق الإقتصادي، وهذا أمر يعزّز الشفافية ويظهر للرأي العام الملكية الحقيقية للشركات التي تتعاقد مع الدولة وتنال حصة بالمناقصات، ويكشف حالات تضارب المصالح، ويعزّز دور هيئة الشراء العام في إجراء التدقيق المناط بها، عملاً بأحكام المادة 76».
ووفقاً للقانون الذي أقرّ في مجلس النواب، فإنّ تعديلاته شملت 4 مواد في قانون الشراء العام إلى جانب المواد المذكورة أعلاه. وعليه أضيف شرط على البند الأول من المادة 7 المتعلّقة بشروط مشاركة العارضين، يطلب «إفادة من وزارة الإقتصاد تثبت إنطباق أحكام مقاطعة العدو الإسرائيلي بالنسبة للشركات الأجنبية، بالإضافة إلى بند يلزم العارض بالتصريح عن أصحاب الحقّ الإقتصادي حتى آخر درجة ملكية».
أمّا المادة 11 المتعلّقة بوضع خطط الشراء، فقد جرى تعديل الفقرة الثالثة لتصبح على الشكل التالي «ترسل الجهة الشارية خطّتها المكتملة إلى هيئة الشراء العام في مهلة شهرين من بدء السنة المالية، وتعمد هيئة الشراء العام إلى توحيد الخطط في خطة شراء سنوية موحّدة وتنشرها خلال مهلة 30 يوماً»، علماً أن المهل السابقة كانت محدّدة بعشرة أيام لكلّ من الهيئة الشارية وهيئة الشراء العام.
وفي المادة 19 المتعلّقة بإجراءات التأهيل المسبق للعارضين، تمّ تعديل الفقرة الثالثة لجهة إشتراط موافقة هيئة الشراء العام على مطابقة العارضين للمعايير والإجراءات التي تستخدم وفقاً للمادة 7 من القانون، علماً أنّ هذه الموافقة لم يكن منصوص عنها سابقاً. كما أضيفت فقرة عاشرة إلى المادة تنصّ على «أن تضع هيئة الشراء العام بالإشتراك مع الجهات المعنية معايير التصنيف بالصفقات المتشابهة وتصدرها بقرار تنظيمي».
وفي المادة 76 التي تتحدّث عن مهام هيئة الشراء العام، إستبدل نص الفقرة 14 بالنص التالي: «التحقّق من مؤهّلات أعضاء لجان التلزيم والإستلام لدى الجهات الشارية، وتضمين تقاريرها عند الإقتضاء مدى مطابقة هذه المؤهّلات لشروط الخبرة والإختصاص المطلوبة». فأسقط التعديل النص السابق الذي كان ينص على حفظ بيانات أعضاء اللجان في قاعدة بيانات على المنصة الإلكترونية المركزية لهيئة الشراء العام.
تحفّظ معهد باسل فليحان
وكانت توصيات بعدم الأخذ بهذه التعديلات قد صدرت عن معهد باسل فليحان، وهو أحد المعهدين اللذين يعنيان «بتدريب أعضاء لجان الإلتزام والتسليم بحسب السياسة التي تضعها هيئة الشراء العام وفقاً للفقرة الأولى من المادة 72 من قانون الشراء العام». اذ رفض «المعهد» مجمل التعديلات التي وردت في إقتراحات القوانين الأربعة التي جرى التصويت عليها بمجلس النواب، ولم يوافق سوى على تعديلات المادتين 46 و60 لكونها تتوافق كما أورد في تقرير صادر عنه «مع ما ورد في المادة 119 المبطلة من ضمن موازنة 2022».
واعتبر تقرير المعهد أنّ «تعديل القانون من دون دراسة تقييم للأثر التشريعي يحمل مخاطر عديدة، لكونه يعطي إشارات سلبية للمجتمع الدولي والمستثمرين، خصوصاً أنّ المهلة الزمنية التي بدأ من خلالها تطبيق القانون حتى الآن غير كافية لتقييمه بعد، ووضعه في التنفيذ بظروف مالية واقتصادية صعبة أثّرت على فعالية تطبيقه كما غيره من القوانين النافذة. وبالتالي من دون هذا التقييم يمكن للتعديلات أن تترك أثراً سلبياً على الأهداف والمبادئ التي وضع على أساسها القانون. وهو يترك إنطباعات بعدم جدّية المشرّع في السير بإصلاحات شرّعها المجلس النيابي منذ أكثر من ثمانية أشهر، وحصدت صدى إيجابياً دولياً ومحلياً. كما أنّه يعطي إشارات سلبية للمانحين والمستثمرين، ويفقد المواطن الذي يتمّ التشريع باسمه أي أمل باستقامة الأمور».
إلا أنّ هذه الملاحظات تبقى غير ملزمة طالما أنها تعطى من خارج صلاحيات المعهد التي يحدّدها القانون بالتدريب فقط. فيما يرى رئيس هيئة الشراء العام الذي اختبر عملياً معوقات تطبيق القانون «أنّ التعديلات التي أقرّت من شأنها جعل القانون أكثر تناسباً مع الوضع القائم في بلد كلبنان، حيث لا يوجد كهرباء ولا إنترنت ولا موظفون ولا موازنة تصدر في أوانها». وبالتالي يعتبر «أنّ أي رفض لتعديلات القانون من أي جهة يمكن وضعه في إطار عرقلة تطبيقه»، وأكّد «أنّ هذه التعديلات تلائم الوضع القائم والوضع المستقبلي للبلد، ويمكن خلال سنتين من التطبيق البحث بتعديلات أخرى إذا ما تبيّن من خلال الممارسة حاجة لذلك».
يذكر أنّ قانون الشراء العام كان أقرّ في المجلس النيابي بتاريخ 30 حزيران 2021، و نشر في الجريدة الرسمية في 29 تموز من العام نفسه. إلّا أنّ العمل به لم يبدأ إلا بعد عام، أي في 29 تموز 2022 بناء على إصرار من صندوق النقد الدولي.