IMLebanon

كي لا يبقى قانون “الشراء العام” حبراً على ورق

 

الحاجة ملحّة لمنظومة عصريّة مؤسساتية وإجرائية واضحة شاملة ومستقرة

 

 

القدرة الفريدة على تحويل القرارات الإصلاحية إلى مجرد “زينة” على طبق محاربة الفساد، هو أكثر ما يخشاه واضعوها. فـ “تعليبها” في “عبوات” القوانين “البرّاقة” التي تخطف أنظار الخارج قبل الداخل، لا يكفي. وما لم يتم إنزالها عن “الرف” الموضوعة عليه ووضع إطارها التطبيقي، تبقى حبراً على ورق، من دون أن تحدث أي فرق على أرض الواقع. بل بالعكس قد تؤثر سلباً، لتحوّلها إلى عامل محبط، يتم التباهي بوجوده من دون أن يقام له أي اعتبار.

 

في 29 تموز 2021، صدر في الجريدة الرسمية قانون الشراء العام في لبنان رقم 244، على أن يدخل حيّز التنفيذ بعد 12 شهراً من تاريخ صدوره. “القطوع” الاول الذي “زمط” منه كان إبطال المجلس الدستوري الطعن المقدم من تكتل لبنان القوي. حيث لم يوافق “الدستوري” على تغيير جوهر الاصلاحات الواردة في المواد المطعون بها، أو أي بند اصلاحي آخر وارد في هذا القانون. التحدي الثاني الذي يواجهه المشروع هو القدرة على تطبيق القانون وخلق آلية فعالة لتحديث منظومة الشراء وضمان فعاليتها. خصوصاً أن “الحاجة ملحة لمنظومة عصريّة (منظومة قانونية ومؤسساتية وإجرائية) واضحة شاملة ومستقرة بناء على نتائج مسح MAPSII الذي حدّد الثغرات والخيارات التي يجب على أساسها تصويب الأدوار وتوضيح الصلاحيات وإعادة تنظيمها”، كما عبرت رئيسة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي لميا مبيض، في تغريدة لها على “تويتر”. وقد أتى البيان الوزاري لحكومة “معاً للانقاذ” على ذكر “إصدار النصوص التطبيقيّة للقوانين النافذة ومُتابعة تنفيذ النّصوص ذات الصلة لا سيما تلك المتعلقة بقانون الشراء العام فور نفاذه، إضافةً إلى إكمال تعيين اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد وتفعيل عمل الهيئات الرقابية وتمكينها من مُمارسة دورها”.

 

الإجراءات التطبيقية

 

إذاً، قانون الشراء العام أصبح جاهزاً. إلا أن فعالية تطبيقه تتطلب من الحكومة إقرار مجموعة من القرارات التطبيقية، و”بلورة رؤية استراتيجية على المستوى الوطني تسهّل وتساعد على تنفيذه”، بحسب الاقتصادية في معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي بسمة عبد الخالق. و”هذه الرؤية الاستراتيجية التي على الحكومة إقرارها لاعطائها الصفة الرسمية والملزمة ستحدد الخطوات التنفيذية على المستويين القريب والمتوسط”، ويمكن تلخيص النقاط الأساسية بالتالي:

 

– اقرار الاستراتجية الوطنية لاصلاح الشراء العام والتي تتضمن الخطوات العملية التنفيذية لضمان حسن تطبيق القانون.

 

– نشر الوعي حول أهمية هذا القانون، من خلال تعريف الادارات والمؤسسات العامة والخاصة وهيئات المجتمع المدني والقطاع الخاص على مبادئ القانون وكيفية تطبيقه.

 

– تنمية القدرات عبر برامج التدريب المتخصصة لكل المعنيين بتطبيق هذا القانون في الوزارات والمؤسسات العامة والبلديات واتحاداتها. أي كل من ينفق مالاً عاماً.

 

– إنشاء وتشغيل المنصة الإلكترونية المركزية.

 

– إصدار المراسيم التطبيقية التي تنظم عمل هيئتي “الشراء العام” و”الشكاوى والمراجعات” المولجتين تطبيق ومراقبة حسن سير القانون والبت بالشكاوى.

 

هيئتا الشراء والشكاوى

 

عبد الخالق التي تؤكد أن القانون قابل للتطبيـق كما هو الــيوم، ترى أن “المهلة المتبقية لوضعــه موضع التنفيذ وهي عشرة اشهر حتى تموز 2022 بالغة الأهمية لانجاز الخطوات العملية اللازمة. فهذه الفترة التحضيرية يجري العمل فيها بين معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي، الذي أعد مسودة القانون، بمواكبة تقنية من البنك الدولي والوكالة الفرنسية للتنمية على سد جميع الثغرات قبل البدء بالتنفيذ”.

 

وأهم ما يجري العمل عليه هو استكمال ما نص عليه القانون بانشاء هيئتي الشراء العام والشكاوى اللتين تمثلان الركيزتين المؤسستين لهذا القانون والضمانة الاصلاحية التي نصت عليها مبادئ الفعالية والشفافية والمنافسة. وإذا كانت إدارة المناقصات تتحول مع فريق عملها إلى هيئة الشراء العام، فان هيئة الشكاوى هي هيئة جديدة في منظومة الشراء في لبنان وذلك يتطلب صدور مراسيمها التطبيقية وتعيين أعضائها. وللوقوف على أهمية الهيئتين بالنسبة إلى تطبيق القانون تشرح عبد الخالق دورهما:

 

-هيئة الشراء العام: هي هيئة ناظمة لا تتعاطى في عمليات الشراء، ولا تنفذ عقوداً أو مناقصات أو صفقات. دورها إشرافي ورصدي وناظم. وهي تحرص على تطبيق القانون وعدم وجود أي مخالفات. وتتجمع لديها كل المعلومات والمعطيات من خلال المنصة الإلكترونية التي ستنشر عليها المناقصات والعقود وتكون مفتوحة أمام الجميع بشكل تلقائي أسوة بالدول التي سبقت لبنان في التحديث مثل تشيلي وجورجيا واوكرانيا وتونس والاردن. كما توفر المنصة الالكترونية المعلومات للجميع للاطلاع عليها سواء كانوا هيئات رقابية أو قطاعاً خاصاً أو مواطنين. وعلى هذا الأساس ستتحول إدارة المناقصات إلى “الهيئة الناظمة” بدلاً من دورها الحالي المعني بتنفيذ صفقات يفوق حجمها 100 مليون ليرة، من دون أن يكون رأيها ملزماً في مراقبة دفاتر الشروط. هذه الهيئة ما زالت تحتاج إلى مراسيم تنظيم داخلية لانشاء بنيتها وتنظيم عملها الداخلي واجراءاتها، التي يقع على الحكومة إصدار المراسيم ذات الصلة.

 

– هيئة المراجعات والشكاوى: هي هيئة إدارية مستقلة دورها تلقي الشكاوى على الإجراءات قبل توقيع العقد، الأمر الذي يسمح للبت بالشكاوى بشكل سريع من قبل متخصصين حسب موضوع عقد الشراء، ويكون لديها خبراء في مختلف المجالات لاصدار القرارات والرد على الشكاوى ضمن مهل يحددها القانون، الامر الذي يوفر الثقة لا سيما للقطاع الخاص. ويحدد القانون آلية لتأليف الهيئة وتعيين رئيسها وأعضائها تعتمد على الكفاءة، وهي مرتكزة على الكفاءة مع رفدها بالخبرات المتخصصة. وهي تتطلب بدورها إصدار مراسيم تنظم بنيتها وطريقة عملها.

 

الهيئتان والمنصة المركزية الإلكترونية يجب أن تتشكل قبل دخول القانون حيز التنفيذ في شهر تموز من العام 2022.

 

للمرة الأولى في لبنان، يتم وضع قانون عصري للشراء العام، بعد الأخذ بنتائج مسح MAPS لتطويــر منظومة عصرية للشراء العام. هذا المسح، الذي نفذه معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي – وزارة المالية، بمساندة تقنية من البنك الدولي والوكالة الفرنسية للتنمية بين العامين 2019 و2020، هو عبارة عن منهجية دولية موحدة تتبعها كل دول العالم عند تحديث منظومات الشراء العام لديها.

 

وبحسب عبد الخالق “قد جرى تطبيق هذه المنهجية بدقة بعد إجراء تقييم شامل ومشاورات شملت كل المعنيين. وقد تم وضع القانون بما يتماشى مع توصيات المسح الدولي لسد الثغرات على المستوى القانوني والمؤسسي واجراءات الشراء والشفافية والمحاسبة، والانتقال إلى منظومة شراء متماسكة وفعالة، قائمة على احترام المعايير الدولية التي تضمن فعالية الإنفاق العام وارتباطه بالتخطيط المالي، وتحفز المنافسة بشكل عادل وشفاف، وتؤمن الخدمات العامة على نحو يطمح إليه اللبنانيون”.

 

القانون جميل ومتكامل وأكثر من ضروري، الا ان العبرة تبقى في التنفيذ. فإن لم يُصَر خلال المهلة الفاصلة الى انشاء المنصة والهيئات، واستكمال التدريب لموظفي القطاع العام، ووضع الاستراتيجية الوطنية، فإن القانون لن يطبق.

 

وستستمر الدولة بخسارة اكثر من 500 مليون دولارسنوياً هدراً في المشتريات وسيحجم القطاع الخاص عن الدخول في مناقصات مع الدولة، وسيخسر المجتمع قانوناً عصرياً واضحاً وشفافاً يؤمن مصالح الجميع. من هنا يجب ان يتركز الضغط على تطبيق البنود كي لا “يُدفن” الى القوانين المقرّة في “مقبرة” عدم اصدار المراسيم التطبيقية ومن هذه القوانين: قانون 462/2002 لتنظيم قطاع الكهرباء، والقانون432 المتعلق بتنظيم قطاع الاتصالات وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص المقر في العام 2017 وقانون مكافحة الفساد.