بدءاً من صباح اليوم، صار قانون الشراء العام نافذاً، وهو القانون الذي اعتبرته الجهات الدولية والمانحة إنجازاً إصلاحياً هاماً كونه سيُخضع كلّ الإنفاق على المشتريات العمومية، لأحكامه وإشرافه. وسيجرى للغاية احتفال في السراي الحكومي، وسط امتعاض بعض الجهات السياسية من انتقال جان العلّية من رئاسة إدارة المناقصات إلى رئاسة هيئة الشراء العام. هو توقيت إلزامي فرضه القانون فيما الإعلان عنه يهدف إلى إعلام كلّ الجهات الشارية من إدارات ومؤسسات عامة أنّ القانون صار نافذاً.
تقنياً، الإعلان هو إيذان بانتهاء المرحلة الانتقالية التي بدأت فور نشر القانون في الجريدة الرسمية، وهي كانت أشبه بمرحلة الاعداد التقني والبشري بعد تحوّل إدارة المناقصات بكادرها البشري إلى هيئة الشراء العام، حيث جرى العمل على تفعيل هذا الكادر وتدريبه وتجهيزه تقنياً ومعلوماتياً والاستعانة بخبرات واصدار المراسيم التطبيقية.
كما تمّ تجهيز المنصة الالكترونية التي «تلزم الجهات الشارية نشر المعلومات الاساسية المتعلقة بمراحل الشراء على هذه المنصة» لتكون معظم المعلومات باستثناء الحالات السريّة التي ينصّ عليها القانون، علنيّة أسوة بتجارب ناجحة في العديد من الدول العربيّة التي اعتمدت الشراء الالكتروني المُلزم. وبحسب القانون فإنّ المنصّة هي «أساس لنظام إفصاح ورقابة فعليّة» وتسمح بالوصول إلى البيانات والمعلومات.
سياسياً، لا يمكن فصل التوقيت عن المعركة القضائية التي يخوضها العليّة وتُخاض ضدّه، تحت عنوان «التطاول» على مجلس شورى الدولة على خلفية قرار الأخير القاضي بإبطال مزايدة السوق الحرّة عشية الإعلان عن المزايدة الجديدة، مع العلم أنّ رئاسة العلّية لهيئة الشراء العام كانت موضع مراجعة قانونية من جانب «تكتل لبنان القوي» أمام المجلس الدستوري بعد اقرار قانون الشراء العام الذي نصّ في المادة 88 على أنّ إدارة المناقصات تصبح هيئة الشراء العام ويكون رئيس ادارة المناقصات رئيساً لها، إلا أنّه بنتيجة الطعن «حقق» المجلس الدستوري «هدف» العونيين من خلال اعتبار رئاسة العلّية، لهيئة الشراء العام «موقتة» إلى حين تعيين مجلس الوزراء هيئة جديدة، ليوضع بعد ذلك بالتصرّف، على عكس بقية موظفي إدارة المناقصات الذين صاروا وفق القانون موظفي هيئة الشراء العام.
بالفعل، باتت إدارة المناقصات جاهزة لكي تتحوّل إلى هيئة شراء عام وفق مندرجات القانون بعدما أتمّت كل الاستعدادات الإدارية واللوجستية، وذلك بدعم من الإتحاد الأوروبي، البنك الدولي، منظمة التعاون والتنمية الأوروبية وسيغما، الدولة الفرنسية من خلال وكالة التنمية الفرنسية وExpertises francaises، وسيتمّ إطلاق الموقع الإلكتروني الخاص بالهيئة بعد تحديثه وتطويره بحلّته الجديدة تمهيداً للتوريد الإلكتروني بالكامل.
وقد توقفت الإدارة مطلع هذا الأسبوع عن استلام المزايدات والمناقصات لأنّه صار هناك استحالة في إطلاقها أو الإعلان عنها قبل 29 تموز، موعد نفاذ القانون ذلك لأنّ الإعلان عنها قبل هذا الموعد يعني خضوعها لأحكام القانون القديم، واعتباراً من صباح اليوم ستخضع كلّ الصفقات العمومية لأحكام قانون الشراء العام.
التطور الإيجابي في هذا القانون هو أنّ المناقصات التي تجرى لمرة أو لمرتين أو لثلاث مرات ولا يتقدم بشأنها أي عارض مهتم، لم يعد ممكناً إجراؤها بالتراضي بل بات من الممكن اللجوء إلى وسائل أخرى أقلّ تنافسية، وسيتمّ توضيح كلّ المسائل الجديدة وفق إرشادات وتوجيهات ستصدرها هيئة الشراء العام وستنشر عبر الموقع الإلكتروني الذي سيعود إلى العمل بعدما ضمّه التفتيش المركزي إلى بقية المواقع التي يشرف عليها، لأسباب تقنية بحتة، وسيتولى الموقع عملية التوريد الإلكتروني.
الاستفادة من تجارب إدارة المناقصات
الأهم من ذلك، فإنّ المشرعين استفادوا من تجارب إدارة المناقصات لتعزيز قانون الشراء العام من خلال:
– أولاً، ادراج بند انزال عقوبات بالمخلين بقواعد واجراءات وسلوكيات الشراء العام، وفقاً للفقرة الخامسة من المادة 112 التي تنصّ على أنه «يعاقب الشريك والمحرض والمتدخل والمستفيد بالعقوبة عينها والمقررة للفاعل الأصلي في الجرائم المبينة أعلاه»، أي تلك المتعلقة بهذه السلوكيات.
– ثانياً، منح هيئة الشراء العام صلاحية تقديم الطعون لدى هيئة الاعتراضات والمراجعات أمام مجلس شورى الدولة أو أي مرجع آخر مختص، وذلك ضمن الفقرة 8 من المادة 77، التي وضعت بناء على اقتراح إدارة المناقصات، وهذه الصلاحية لو كانت معطاة للإدارة في 2012 لكانت طعنت بصفقة البواخر التي وضعت ضمن لجان وزارية كما كانت طعنت بكل الصفقات التي وضعت في هيئة ادارة السير من خارج الأطر الدستورية والقانونية وفي مؤسسة كهرباء لبنان.
– ثالثاً، تنصّ المادة 56 التي وضعت أيضاً بناء لاقتراح إدارة المناقصات على التحذير من «المفاوضات مع العارضين بشأن العرض»، وذلك لكي لا تتكرر هذه الظاهرة التي لجأ إليها الوزير السابق سيزار أبي خليل من خلال فريقه الاستشاري في مناقصة بواخر الطاقة ومن خلال الاستشاري الأجنبي الذي استعان به ففتح باب التفاوض مع العارضين.
– رابعاً، نصّت المادة 28 التي أثارت جدلاً في اللجان النيابية، على أنّه لا يجوز اطلاق اجراءات شراء تتعلق بتنفيذ أشغال الا بعد اتمام جميع الاجراءات القانونية من قبل الجهة الشارية والمتعلقة بتهيئة مواقع العمل بما فيها صدور قرارات وضع اليد، وذلك لتفادي ما حصل في مناقصة معمل دير عمار الذي تمّ تلزيمه إلى عارض بعد وضع علامات لمن ينفّذ سريعاً من دون أن يتمكنوا من تسليم مواقع العمل، ما تسبب بغرامات على الخزينة العامة نتيجة التأخير في تسليم الموقع.
اذاً، سيصير وفق مندرجات القانون كلّ الإنفاق على المشتريات العمومية خاضعاً لهيئة الشراء العام بعدما كان عمل إدارة المناقصات محصوراً بالإدارات العامة فقط، حيث كان مجموع مشترياتها لا يشكل أكثر من 5% من مجموع الإنفاق العمومي.
في المقابل لم تعد صلاحية هيئة الشراء تدخّلية كما كانت صلاحيات إدارة المناقصات حيث كان عدد محدود من الإدارات العامة خاضعاً لها في إنفاقه، ما يعني أنها ليست مسؤولة عن تشكيل لجان التلزيم وغير مخوّلة بالتدخل المباشر في مسار المناقصة، بل ستجمع هيئة الشراء العام من الجهات الشارية كل المعلومات المتصلة بالمناقصة، وبإمكانها ايفاد مندوب للمشاركة في جلسات التلزيم لوضع تقريره، وتتابع جلسات التلزيم وعند الاقتضاء تُعلم الجهات الرقابية من تفتيش مركزي وديوان محاسبة كما يمكنها أن تتوجه مباشرة إلى القضاء الإداري أو النيابة العامة.
مزايدة السوق الحرّة
وبناء عليه ستكون مزايدة السوق الحرّة في المطار التي فشلت في جولتها الأولى، محكومة في جولتها الثانية بأحكام القانون الجديد بعدما استردتها وزارة الأشغال حيث من المنتظر أن يعلن وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال علي حمية عنها من خلال الموقع الإلكتروني لهيئة الشراء العام. أمّا دفتر الشروط فلا يزال نفسه وقد دققت فيه إدارة المناقصات ووعد الوزير بعدم إخضاعه لأي تعديلات. وستجرى وقائع الجلسة الثانية في المطار، في المديرية العامة للطيران المدني، أمام لجان تمّت الموافقة عليها من قبل إدارة المناقصات وتتم دراسة الإجراء البديل خلال الفترة القصيرة التي ستتشكل خلالها اللجان، قبل الموعد الثاني للمزايدة، حيث قد تتم الاستعانة باللجان السابقة وقد تشكل لجنة جديدة قبل وضع لوائح اللجان الجديدة.