IMLebanon

“ناولني” ولا تسألني

 

 

أكشاك تحتلّ الأملاك العامة بلا رقيب ولا محاسبة

 

كالفطر البرّي نمت على أوتوسترادات لبنان وطرقه الرئيسية محلات «ناولني»، وكالفطر الذي لا يُعرف السّام منه من الصالح للأكل هكذا صارت أكشاك «ناولني» تؤمّن خدمة سريعة للزبائن العابرين لكنها تشكّل في الوقت عينه مصيدة للسيارات ومصدر خطر على سائقيها ومن حولهم. أكشاك عملية لكنها تخفي داخلها الكثير من المخالفات القانونية والصحية، كما المخالفات في الأسعار ونوعية البضائع. لبنانيون وسوريون استباحوا الطرقات والأملاك العامة دون رقيب وتحوّلوا إلى أمر واقع يستحيل تنظيمه.

 

من دون أن تعي وجدت ساندرا نفسها تصطدم بسيارة توقّفت فجأة أمامها، الحق عليها بنسبة كبيرة وفق ما يقتضيه قانون السير، لكنّ القانون لم يلحظ انتقال السيّارات المفاجئ من جانب الى آخر وتوقّفها الفجائي في محاولة طارئة لشراء علبة سجائر أو قنينة مياه. على الأوتوستراد قد لا تكون هناك فسحة كافية للتوقّف عند جانب الطريق، وقد تكون الأكشاك «دافشة» نحو مسلك السيارات لا سيّما في الأجزاء الضيّقة من الطرقات. فمن يحمي السائقين ويمنع عرقلة السير والتسبّب في حوادث؟ وبعيداً عن خطر الحوادث من يراقب الأسعار في هذه الأكشاك ومن يتحقّق من صحّة الحسابات التي يدفعها الشارون العابرون؟

تسعير مشكوك بأمره وحماية مستهلك مكبّلة

 

سامر المتوجّه الى إحدى المناسبات مساء اضطرّ لشراء زجاجة ويسكي فاخرة دفع ثمنها 40 دولاراً ليفاجأ في اليوم التالي أن الزجاجة ذاتها عند «ناولني» آخر بـ28 دولاراً… أما إيلي فيختلف معه سعر علبة الجيتان 10000 ليرة بين أول الأوتوستراد وآخره. لا أحد من الزبائن يسأل عن الأسعار أو يتحقّق منها «نحن نبيع خدمة يقول حسان صاحب أحد الأكشاك، السائق مرتاح في سيارته ومبورد ويأتيه طلبه الى حد عنده، أليس لهذا ثمنه؟» أطفال وشبان معظمهم من السوريين يؤمّنون الخدمة في ظروف أقل ما يقال فيها إنها غير مريحة، وأصحاب أكشاك يبيعون خدمة مربحة لكنهم في المقابل لا يدفعون أية ضريبة للدولة لقاء أرباحهم وكأنهم أشباح غير موجودين. لا رخص، لا ضرائب ولا تصاريح… من المسؤول عنهم؟ من هي مرجعيتهم؟

 

مقالة لا تبحث عن قطع الأرزاق لكن تنظيم هذه المحلات بات واجباً بعد كل ما تسبّبه من حوادث وما تحمله من مخالفة للقوانين. مدير عام وزارة الاقتصاد د. محمد أبو حيدر يعترف لـ»نداء الوطن» أن هذه الأكشاك لا يجب أن تكون موجودة في الأصل لأنها مخالفة ويُفترض أن تكون مرخّصة من البلدية لا سيّما تلك الواقعة على أملاك عامة أو أن تنال تراخيص وإجازات من القائمقام أو المحافظ. «مراقبتها هي أوّلاً مسؤولية البلدية التي يمكنها تسطير محضر ضبط بحقّها إذا كانت مخالفة. لأن قانون حماية المستهلك يطلب من السلطات المحلية تأدية دور الرقابة وتسطير محاضر بحق المخالفين. لا يمكنني أن أقوم بجولة على كل هذه الأكشاك» يقولها أبو حيدر صراحة، «ولكن حين تردني أي شكوى أتابعها وإذا وجدت تلاعباً في الأسعار لا سيّما بالنسبة إلى المواد المسعّرة مثل السجائر يمكن أن أسطّر محاضر ضبط، عدا ذلك نحن لا نملك صلاحية لمراقبة أي شيء آخر يخص هذه الأكشاك. وحتى حين نسطّر محضر ضبط لمخالفة الأسعار فالغرامة بأقصاها لا تتعدّى 30 مليوناً وهي لا تشكّل رادعاً لعدم تكرار المخالفة. لكننا في صدد تعديل قانون حماية المستهلك وسوف يتمّ رفع التعديلات في الاجتماع النهائي للجنة الاقتصاد البرلمانية لتبتّ فيه وتحيله الى الهيئة العامة للمجلس. التعديلات تقضي برفع الغرامة من 30 مليوناً حتى 20 مليار ليرة للمخالفين والسماح لمصلحة حماية المستهلك بنشر أسماء المحلات المخالفة حتى يكون المستهلك على بيّنة منها وثالثاً أن تكون لدينا كمصلحة قدرة الضابطة العدلية لإقفال المحل المخالف وتشميعه».

 

على أمل أن ترى هذه التعديلات النور وتكون في مصلحة المستهلك نعود الى واقع الأكشاك ومخالفاتها، فبيع الكحول مثلاً ممنوع قانونياً إلا لمن يحمل ترخيصاً ببيعه صادراً عن وزارة المال، فهل تقوم الوزارة بمراقبة هذه الأكشاك واستيفاء ضريبة الكحول غير المباشرة منها؟ وهل يصرّح هؤلاء عن مبيعاتهم من الكحول؟ والسؤال الثاني من يحاسبهم إذا قاموا ببيع الكحول لمن هم دون الثامنة عشرة من عمرهم وهو أمر يمنعه القانون؟ «لا شكّ أن المراقبة صعبة والكلّ يجب أن يكون له دور في ذلك» يقول أبو حيدر، «نحن والأجهزة الأمنية والبلديات التي يجب أن تعمّم على الأكشاك وجوب منع بيع الكحول لمن هم دون السنّ القانونية. نحن لسنا سوى حلقة في موضع المستهلك الذي يجب أن تتضافر لحمايته جهود عدة وزارات. بعض هذه الأكشاك مثلاً يبيع القهوة والمأكولات أحياناً ومواد غذائية ونحن نعرف أن كلّ من يعمل بالأطعمة عليه الحصول على شهادة صحية وهنا دور وزارة الصحة بالرقابة عليهم ودور المراقب الصحي في البلدية».

مرجعية البلدية غائبة

 

ونحن نستمع الى الحديث تعود الى بالنا صورة أكياس الشيبس المعروضة طوال اليوم تحت أشعة الشمس الحارقة أو زجاجات لبن العيران الموضوعة في برادات قد تنقطع عنها الكهرباء أكثر من مرّة في اليوم. ونتساءل الى أي مرجعية تتبع هذه الأكشاك؟ هل يحق للبلدية إزالتها في حال تبيّن أنها تتسبّب في حوادث سير أو تتسبّب في حالات تسمّم؟ «يمكن للبلدية وبناء على طلب المحافظ أو القائمقام إزالتها» يقول أبو حيدر «وقد كانت هناك مبادرة مماثلة لبلدية الغبيري التي أزالت كل الأكشاك المخالفة. البلدية دورها محوري في ضبط مخالفات «ناولني»…».

 

«يرمون كل شيء على البلديات وهي تكاد تنازع. من أين نأتي بالإمكانيات الإدارية والمالية لمراقبة كل الأكشاك؟» يسأل بغضب رئيس بلدية البوار المحامي شربل أبي رعد. «كيف أطلب من شرطي البلدية التحقّق من أمر الأكشاك وراتبه لا يكفيه للوصول الى العمل؟ وضع محلات «ناولني» مزعج بلا شك و60 الى 70% منها هي على الأملاك العامة على جانب الطرقات ولهذا تحتاج الى تراخيص من وزارة الداخلية أما إذا كانت على ملك خاص فلا تحتاج الى رخصة، فأين وزارة الداخلية منها؟».

 

من رئيس البلدية نكتشف دهاليز أخرى مرتبطة بهذه الأكشاك فكثيرون ممن يشغلونها هم من السوريين والعاملون فيها غالبيتهم العظمى من السوريين. القانون اللبناني لا يسمح للأجانب بفتح تجارة أو العمل في لبنان دون الحصول على رخصة وإفادة تسجيل مؤسسة تجارية كما يفرض عليهم أن يكونوا حائزين إقامة قانونية وإجازة عمل. فهل يستوفي هؤلاء كل هذه الشروط؟

 

«ليس دورنا كبلدية أن نتحقّق من السوريين بل هو دور الأمن العام ودور وزارة العمل» يقول رئيس بلدية الدكوانة المحامي أنطوان شختورة، «نحن كبلدية نرسل دوريات مراقبة ولكن يصعب علينا قمع المخالفات ولا يمكننا مثلاً إزالة كشك موجود على الأملاك العامة فهذا دور وزارة الداخلية. وجود هذه الأكشاك يؤثر بشكل كبير على الدكاكين الصغيرة الموجودة في البلدة وهي دكاكين شرعية تستوفي كل الشروط القانونية، وعلى الأوتوستراد الخارجي وجودها يتسبب في حوادث سير وقد تدخلنا أكثر من مرة لتنظيم وضع أحدها على الأوتوستراد لكنه كان يعود من جديد الى سابق عهده».

 

البلديات في كل المناطق ليس لديها أي إشكال مع محلات «ناولني» المستأجرة بطريقة قانونية والمتراجعة عن جانب الطريق رغم كونها لا تدفع الضرائب لكن تبقى المشكلة الأساسية في الأكشاك المخالفة وتلك التي تحتلّ الأملاك العامة.

 

من يحميهم؟

 

منذ فترة ظهر فجأة تحت جسر المكلس وفي المساحة الفاصلة بين الاتجاهين كشك مرتب يبدو أن صاحبه حرص على تقديمه بأفضل صورة مع خدمات متعدّدة لأنه كان واثقاً من استمراريّته ونجاحه. وجود الكشك أثار استغراب كل العابرين فهو في نقطة تشهد عجقة سير وفوضى كبيرة في العادة ووجود الكشك في هذا المكان الضيق والمزدحم سيفاقم المشكلة. لم يصمد المحل لأكثر من أسبوع وتمت إزالته. «لقد سمح لصاحبه بإنشاء المحل من قبل جهاز أمني» يؤكد أحد العارفين «وإلا لكان من المستحيل القبول بذلك في ملك عام تحت الجسر…كلهم محميون» الأمر نفسه يؤكده رئيس بلدية الدكوانة الذي يقول: «قامت القيامة بعد إنشاء الكشك والناس انقسموا بين معارض ومطالب بالحصول على الميزة نفسها بإنشاء كشك في مكان عام. تدخلنا، ضغطنا حتى أزيلت المخالفة».

 

هنا تمكنت البلدية من خلال الضغوطات من إزالة المخالفة لكن في أماكن كثيرة لا تستطيع البلديات ذلك. يقول رئيس بلدية البوار»المشكلة أننا حين نتدخل لمراقبة كشك يديره سوريون نجد دوماً من يحميه من اللبنانيين، فيدعي اللبناني أنه صاحب المحل فيما الآخر هو عامل عنده. والحقيقة أن السوريين يستثمرون هذه المحلات واللبنانيون يستفيدون من الإيجارات التي تدفع لهم. لقد رفعنا الصوت مرات كثيرة ولكن لا قرار رسمياً بتسكير المحلات المخالفة، هذا دور الأجهزة الأمنية لكن الخطوة الأولى تبدأ بتوقف اللبنانيين عن حماية المخالفين، لكنّ المستفيدين كثر».

 

لا يريد رئيس البلدية قطع الأرزاق لكنه يدرك جيداً ومن خلال موقع البلدة على الأوتوستراد الساحلي ما تسبّبه هذه الأكشاك من حوادث سير رغم تأكيده أن أسباب الحوادث كثيرة ولا تتعلّق بالأكشاك فقط. البلديات مستعدّة لإعطاء رخص لمحلات شرعية متراجعة عن الطريق وليست على أملاك عامة لأن هذه الأخيرة هي من مسؤولية وزارة الداخلية، فهل تبادر الى ذلك؟

 

الكل يتقاذف الكرة: وزارة الاقتصاد، وزارة الداخلية، وزارة العمل، وزارة الأشغال والنقل والبلديات وفي انتظار أن تتّفق جميعها الشغل «ماشي» والناس مرتاحون و»صحتين» على قلب المخالفين…