Site icon IMLebanon

كورونا يتمدّد بين الثانويات… كأس “المعلمين” المرّة!

 

فوضى عارمة في قطاع التعليم الرسمي

 

 

ذات يوم قال الفيلسوف دانيال دينيت “لو حكمت العالم سأبدأ بتحرير الأطفال من التعليم المؤدلج وتعليم الخرافة”. ومرّ الزمن حتى وصلنا الى عصر كورونا والفلاسفة فأطل وزير تربية لبنان طارق المجذوب ليقول في زلة لسان “بدنا أقوال لا أفعال”. ومنذ ذاك الحين و”الأفعال” في القطاع التربوي معلقة بفعلِ توالي “الأقوال” التي لا ترسو لا على برّ ولا على فعل!

 

“حرام” أن نضع كل اللوم على الوزير المجذوب. لكنه، من حيث يدري أو لا يدري،، يُخطئ في كل مرة بقراراتٍ متسرعة لا تتلاءم مع الضرورات وكم هي كثيرة. وآخر القرارات المذيّلة بتوقيعه في 24 تشرين هذا، و”طيّر” عقول مدراء الثانويات، جاء تحت عنوان “لا يجبر المعلم على استخدام وسيلة دون غيرها”. يعني لن يتمكن مدير (أو مديرة) أي ثانوية من إجبار المعلم بنوعية تعليم معينة. هكذا فهمها المدراء. ما قد يُشرّع الباب على مزيد من الفوضى “وفوضى فوق فوضى وعلى التعليم السلام”.

 

تنعى مديرة إحدى الثانويات الرسمية في منطقة الشمال التعليم الرسمي في لبنان وتقول “نعيت هذا التعليم منذ الصيف لأن كل القرارات تشدّ بنا الى تحت تحت، وصولاً الى الحضيض، وكأن هناك من ينوي الإنقضاض على التعليم الرسمي خشية أن يؤثر على التعليم الخاص، وقد نجحوا بذلك بدليل أنه على عكس كل الترجيحات بانتقال الآلاف من الخاص الى الرسمي لمسنا الانتقال من الرسمي الى الخاص. وهذه نقطة لم ينتبه إليها كثيرون”.

 

الأعصاب في التعليم الرسمي مشدودة. وخطوط التوتر عالية. والأساتذة يتكلمون في السرّ ما لا يجرؤون عليه في العلن. ثمة وجع بينهم. هناك خوف. ومنسوب “النق” أعلى بكثير مما تتصورون. الأستاذ الثانوي أ. أبو ديب يخبر “مأساته” بصوتٍ عال كي ينتبه معظم الأساتذة المدعوين للإلتحاق بالمدارس بدءاً من الإثنين. هو أصيب بكورونا ونقل الإصابة الى والده المسن الذي يرقد في المستشفى منذ ثلاثين يوماً. والمستشفى طالبه بأن يدفع 15 مليون ليرة كلفة “كورونا” غير المغطاة من تعاونية الموظفين. وطالبه منذ يومين بدفع كلفة عملية نقل أنابيب الهواء لدى والده من فمه الى رقبته. وهو مبلغ لا تغطيه التعاونية. وهو يشعر بالذنب مرتين مرة لأنه نقل الفيروس الى والده ومرة ثانية لأنه عاجز عن التسديد. نسمعه يوعز الى الأساتذة، زملائه، بعدم الانصياع الى أي طلب من وزارة التربية، أو من الدولة اللبنانية، للذهاب يوم الإثنين المقبل الى الثانويات قائلاً “أنا دفعت الثمن فلا تتكبدوه أنتم أيضاً”. هو راجع موظفي التعاونية فقالوا له عليك أن تسدد أنت. لكن، حين وصل صوته البارحة الى مدير التعاونية يحيا خميس رأف بحاله واتصل بالمستشفى وسوّي الأمر. ولكن، ماذا عن الأساتذة الآخرين الذين قد يقعون أيضاً فريسة فيروس ونظام صحي عاجز ودولة مستهترة؟ الأساتذة خائفون جداً. نسمعهم يتذمرون قائلين “الآن موسم فيروسات وبرد آتٍ ومناعة خفيفة والعدوى قوية والمستشفيات منهارة فماذا يريدون ان يفعلوه بنا؟”. أحدهم حاول أن يسخر ولو من الوجع قائلاً “في الحرب اللبنانية نفذوا سنتين بسنة وهياهن وصلوا التلاميذ وصاروا وزراء ونواباً”.

 

هل تقرّ الصناديق الضامنة أنها ستدفع كلفة سداد إستشفاء أستاذ أو عائلة أستاذ أصيبت بالفيروس؟ أساتذة التعليم الثانوي يسألون هذا لكن لا أجوبة شافية. نراهم يتذمرون أيضاً من أجوبة تأتيهم من هيلدا خوري، مديرة الارشاد والتوجيه في وزارة التربية، المتهمة بأن نصائحها وراء توريط وزير التربية بقرارات “خنفشارية”. هم تكلموا معها فأتتهم أجوبتها استفزازية: “ستعودون نهار الاثنين الى التعليم المدمج إلا إذا صدر قرار مختلف عن لجنة كورونا. وسيصار الى توزيع rapid test على المدارس ويعود لوزير التربية فقط قرار اغلاق صف او مدرسة في حال تسجيل اصابات. ولا استثناءات للأساتذة من قرار المفرد والمزدوج ويجب الإلتزام بقرارات وزارة الداخلية”. هنا طار صواب الأساتذة. “خوتوا”. فهل عليهم أن ينتقلوا بسيارات أجرة؟ وكم سيدفعون؟ وماذا لو شكّل هذا سبباً إضافياً لإصابتهم بكوفيد-19؟ أسئلة أسئلة لكن كلام هيلدا خوري أتى حاسماً. “الإرشاد” حسم القرار.

 

ونحن نتكلم مع الأساتذة الثانويين في المدارس الرسمية إرتفع صوت مديرة إحدى الثانويات وتدعى رنا نعمه وهي تسأل “متى يسخن خط وزارة الصحة الساخن ويجيبون عليه؟”. هي أصيبت للتوّ بالفيروس ووضعها لا يُحسد عليه. وها هي تنبهكم “كورونا ليس مزحة أبداً: حرارة عالية وآلام شديدة مبرحة. انتبهوا على حالكم. لا “تستلشئوا” بها أبداً. والله يحميكم جميعاً”. كلام المديرة زاد الخوف فيهم. فماذا يمكن لأستاذ خائف قلق أن يزرعه في نفوس طلاب يعيشون بدورهم الخوف والقلق؟.

 

هل يفترض المطالبة بتعليم الطلاب في الشهرين المقبلين “أونلاين” فقط أم يفترض المطالبة بضمانات أكبر؟

 

مديرة إحدى الثانويات في باب التبانة تضع الملامة على الجهتين، على الأساتذة وعلى وزارة التربية معاً، “فالوزارة التي قررت “ترفيع” جميع الطلاب العام الماضي غابت عن السمع طوال الصيف. وكم طولبت بوضع رؤية طويلة الأمد، حيث كان يعلم الجميع أن كورونا لن يختفي بين ليلة وضحاها، ويجب ارساء قواعد جديدة للتعامل معها، ويجب تحضير الأساتذة في التعليم الثانوي باكراً وتهيئتهم على التعليم أونلاين، لكن لم يجر اعداد دورات تهيئة ولا إشراكهم بدورات تدريبية على أصول التعليم أونلاين وكأن في هذا قراراً داخلياً “لإفشال” التعليم الرسمي. حيث اصطدم مدراء الثانويات الرسمية بالنكايات السائدة في وزارة التربية، وبالقرارات المتناقضة والصراعات في قلب البيت التربوي. فها قد أنجزت المدارس الخاصة التدريبات المطلوبة لجهوزية الأساتذه للتعامل مع الدروس أونلاين بينما استمرت وزارة التربية “غائبة عن الوعي” في التعليم الرسمي” تضيف مديرة الثانوية الرسمية “قمنا منذ ايلول بمبادرات ذاتية وطلبنا من الأساتذة الذين يفقهون التعامل مع الحاسوب ومواقع التعليم اونلاين تعليم زملائهم لكننا ووجهنا دائماً بمناعة لدى الأساتذة بالتعلم والتقدم معتبرين ان الأمر لم يصدر بقرار رسمي. رمتنا وزارة التربية في النار وغابت عن السمع”.

 

والحلّ؟ المعلمون والمعلمات خائفون من الالتحاق بمدارسهم يوم الاثنين فكيف يمكن اقناعهم بالعكس؟ تجيب المديرة “مشكلتنا ان الأساتذة انفسهم لا يريدون لا الذهاب الى المدارس من اجل تأمين التعليم التقليدي ولم يقبلوا تعلم التدريس اونلاين لأن وزارة التربية لم تقدمه إليهم. هؤلاء أنفسهم يرفضون حالياً كل شيء. إذا كان الاستاذ خائفاً من الالتحاق بالتعليم التقليدي، خشية الإصابة بالفيروس، فليتدرب على التعليم اونلاين. ولتقم وزارة التربية بإصدار قرار إلزامية التعليم أونلاين عبر المنصات. ويا ليتها لا تتحجج بأن الطلاب لا يملكون القدرة على التعلّم أونلاين، ففي باب التبانة، تبين أن نسبة الالتزام بهذا النوع من التعليم زاد عن ثمانين في المئة. لكن على ما يشعر به كثيرون هو وجود نية بإفشال التعليم الرسمي”.

 

الثغرات كثيرة. ووزارة التربية عاجزة عن ترجمة قراراتها لتُصبح نافذة. وزير التربية استبشر به كثيرون خيراً لكنه لم ينجح في جعل الأقوال أفعالاً. والأكثر غرابة بالنسبة الى مدراء الثانويات حالياً هو صدور قرارات بنقل معلمين ومعلمات، بلا موافقة المدراء، من مدرسة الى أخرى، فكيف يعقل ذلك الآن بالذات، بعد ان انطلق العام الدراسي والطلاب “أونلاين” تعرفوا على أسلوب تعليم أساتذتهم. هذا حدث مرات في شهر تشرين الاول في الاعوام العادية لكن ان يحدث هذا، في زمن كورونا، في تشرين الثاني فأمر بالفعل غريب.

 

هل نسأل بعد عن الحلول التربوية في المدارس والثانويات الرسمية؟

 

وزير التربية عقد قبل أيام جلسة حوارية “أونلاين”، ترافقه هيلدا خوري، مع مدراء وأساتذة مدارس رسمية خرج منه الأساتذه بشعور وكأنهم هم من يقصرون. وكلام هيلدا خوري أتى واضحاً “لم يعد في الإمكان إقفال المدارس وهناك توجه للعودة الى التعليم المدمج بدءاً من يوم الإثنين المقبل”. ونقطة على السطر.

 

الإصابات بفيروس كورونا تزيد. والشتاء سيشتدّ. والقرار يبدو قد حسم. من يتحمل المسؤولية؟ الأساتذة الذين لم يُحسّنوا أنفسهم أونلاين أم الوزارة التي لم تعمل على تدريبهم؟ أهون الأمور أن نلوم كورونا. وهكذا توضع حقا النقطة على السطر.