الأساتذة منقسمون بين متوقّف عن العمل وقائم به، فيما يسجّل إقبال ملحوظ على المدرسة الرسمية في الثانويات التي فتحت أبوابها للتسجيل وإن لم يكن ممكناً الحكم على النسبة النهائية بعد. مشهدان متناقضان، يثيران القلق من عام دراسي مقبل يظلم الطرفين: الأساتذة والتلاميذ، في ظلّ غياب حلول مرضية تتيح للأستاذ أن يمارس عمله ولو بأقلّ الإمكانات
تنفذ المكاتب التربوية في الأحزاب ما وعدت أساتذة التعليم الثانوي به، وتقوم منذ مطلع الأسبوع الجاري بـ”خردقة” قرار تعليق الأعمال الإدارية المعلن من قبل رابطة التعليم الثانوي لحين الوصول إلى اتفاق يجعل العودة للتعليم أمراً ممكناً، عبر دعوة المديرين إلى التسجيل والقيام بالأعمال التحضيرية اللازمة لإطلاق العام الدراسي في موعده الواقع فيه 3 تشرين الأول 2022.
لا يأخذ القيام بفتح بعض الثانويات دون الأخرى للتسجيل بالحسبان أبسط المبادئ التربوية في المؤسسة الواحدة، أي “الشمولية والمساواة”، ما سيدخل المدارس في سباق غير شريف، بين من استعدّ لإطلاق التعليم وأنجز أعماله التحضيرية، وبين من التزم بالقرار النقابي وعلّق الأعمال الإدارية. ضربت “الأجندات السياسية” لبعض الأحزاب عرض الحائط بمطالب الأساتذة وأداتهم النقابية المتمثلة برابطة التعليم الثانوي، وستجعلهم غداً عرضةً لكلّ ضغوط وزارة التربية المستعجلة على إطلاق العام الدراسي “كيف ما كان”، قبل تأمين بدل نقل الأساتذة وهو أقلّ الممكن، وحتى قبل دفع مستحقات العام الدراسي الماضي، ما حدا بأحد الأساتذة إلى وصف ما يجري بـ”طعن السكين في ظهر الأستاذ الذي لا مصدر رزق له سوى التعليم”.
الإضراب المتفاوت
خرق الإضراب في ثانويات الجنوب أخذ منحى أكثر خطورة، في رميش مثلاً، بدأت الثانوية بتدريس صفوف الشهادات. هذا الأمر أتى بعد ضغوط كبيرة تعرّضت لها الهيئة التعليمية من أهالي القرية نتيجة تخوّفهم من تسرّب كبير للتلامذة نحو المدارس الخاصة المحيطة. وفي بنت جبيل، يقال للأساتذة “يلّي مش عاجبو الوضع يفتش عشغل ثاني”. وفي منطقة بعبدا، الضاحية الجنوبية تحديداً، تدفع بلديات المنطقة، بالإضافة إلى أحزابها، بالمديرين نحو تعليق المقاطعة تماماً والتحضير لامتحانات الدخول، أما أرقام التلامذة المسجلة في اليومين الفائتين فناهزت المئات، ما يدحض فكرة “هجرة الرسمي”، أقلّه في هذه المنطقة.
في المقابل، لا يمكن تعميم صورة الخرق على كلّ ثانويات لبنان، ففي الشمال وطرابلس استُعملت “الجنازير والأقفال الحديدية” لإقفال الثانويات تعبيراً عن “الرفض التام لإطلاق العام الدراسي”، والالتزام حتى اللحظة في المنطقة هو شبه تام بقرار الرابطة. وبحسب أنطوان بو عبدالله، عضو الهيئة الإدارية في رابطة التعليم الثانوي، فـ”يوم الخميس الماضي حضرنا للتوقيع على بداية العام الدراسي، وإعلان التعثر عن الوصول إلى الثانويات”. ويردّ بو عبدالله قيام مديرين بخرق قرار المقاطعة إلى “حسابات خاصة”، ويرى “عدم جدوى التسجيل ما دام العام الدراسي مهدّداً”. الصورة ذاتها تنسحب على ثانويات العاصمة الرافضة لفتح أبوابها للتسجيل. أما في البقاع فقد تفاوت المشهد، بين من التزم بقرار الرابطة، وبين من بادر إلى فتح أبواب التسجيل كثانويات مدينة بعلبك وبدنايل وطاريا وغيرها.
وعليه، يجد الأساتذة أنفسهم اليوم تحت سقف نقابي متصدّع، وشبه اتفاق على تحميلهم مسؤولية العام الدراسي في غياب أي حلّ لوضعهم المعيشي المتدهور، فالرواتب الثلاثة شهرياً، المرصودة في الموازنة لموظفي القطاع العام هي “سمك في البحر”، عدا أنّها ستتبخر مع أول قفزة للدولار.
في السياسة
يدفع المشهد إلى التساؤل في السياسة عما يجري، ففي مناطق سيطرة ثنائي أمل وحزب الله، تسير الأمور على أتمّ وجه، “لا أزمة اقتصادية والأساتذة يتقاضون رواتب محترمة”، بحسب أحد الأساتذة الظرفاء الذي لم يجد سوى النكتة للتعبير عن “سخرية الوضع”. أما في مناطق سيطرة تيار المستقبل فالوضع الاقتصادي في انهيار، والدولار في ارتفاع. هذا الانقسام النقابي والمزاجية في اختيار القرار المحترم من غيره سيدفع بحسب نقابيين إلى “الانقضاض على كلّ المكتسبات، والسير بالوظيفة العامة إلى الهلاك وتحويل الأستاذ من منتج للمعرفة إلى باحث عن لقمة طعام”.
ضربت الأجندات السياسية لبعض الأحزاب عرض الحائط بمطالب الأساتذة
“لم يشهد العمل النقابي سابقة كالتي تجري اليوم، إذ يتمّ اختيار القرار الواجب تنفيذه بحسب الأهواء السياسية لا بحسب العناوين المطلبية”. ومن هنا، يُفهم أكثر سبب إصرار الأحزاب على اختيار مديرين للثانويات دون غيرهم، فـ”نفّذ ولا تعترض” أمر لا نقاش فيه. المفاجأة المستجدة هي مشاركة السلطات المحلية (البلديات) في الضغط على المديرين ضمن نطاق بلداتهم لإطلاق الأعمال الإدارية. يشتكي أحد المديرين بالقول: “كلّ يوم في صباح الخير من مسؤول حزبي ورئيس بلدية”، وهذا ما “أوقعنا بين نارين، هجرة التلامذة للتعليم الرسمي من جهة، والغبن الواقع علينا كأساتذة من جهة ثانية”.
ملوك محرز رئيسة رابطة التعليم الثانوي فضّلت “عدم التعليق على ما يقوم به المديرون من خروقات لقرار الرابطة”، وطلبت “التريّث في فتح الثانويات لحين تحقيق ولو جزء من المطالب، لأننا لا نزال في مرحلة التفاوض، والصورة ستتضح خلال الأيام القادمة”. أما العودة النهائية للتدريس فتؤكّد محرز أنّها “لن تحصل قبل استطلاع آراء الأساتذة في جمعيات عمومية بالتقديمات التي حصلوا عليها”.
رفع رسوم التسجيل في الثانويات
رفعت وزارة التربية بدل التسجيل في الثانويات الرسمية بنسبة تقارب الـ 320%، بعدما عمدت الى تعديل المساهمة في صندوق الأهل لتصبح 750 ألف ليرة، علماً أنها كانت سابقاً 150 ألف ليرة، ليصبح رسم التسجيل 871 ألف ليرة بعدما كان 271 ألفاً. وبناءً على هذا التعديل، بقي المبلغ المدفوع كبدل تسجيل، والذي يدخل في صندوق الثانوية على حاله، 121 ألفاً. وينقسم المبلغ المدفوع كبدل تسجيل في الثانويات الرسمية إلى جزءين: 750 ألف ليرة مساهمة في صندوق الأهل، و121 ألف ليرة لصندوق الثانوية. وتستخدم هذه الأموال موازنات تشغيلية للثانويات.