Site icon IMLebanon

المدارس الرسمية “ضايعة” والسنة الدراسية “غير واعدة”!

 

أجنحة “عونية” تتصادم في وزارة التربية فتعرقل

 

عدا لقمة العيش، الحاجة الأولى للشعوب هي التربية… فماذا لو فقد شعب ما “اللقمة” والتعليم والتربية؟ هناك، في دهاليز وزارة التربية، حيث الأقوال الكثيرة واللاأفعال، ضياع يرتدّ على أربع فئات: الطلاب والأهالي والمدارس والمعلمون. فماذا عنهم؟ وماذا عن المدارس الرسمية مع بدء العد العكسي للموعد الذي حدده “معالي الوزير” لافتتاح الموسم الدراسي 2020-2021؟ وماذا عن “الأجنحة” التي يكسر بعضُها بعضاً داخل وزارة التربية الموقرة؟

 

يوم تبوأ معالي وزير التربية طارق المجذوب منصبه غرّد قائلا: كان والدي يُكرر عبارة “خير الكلام ما قلّ ودلّ” وعاد وغرّد “أن التربية هي الأساس في بناء الأجيال الواعدة” وعاد وغرّد “عندما يتواجد الإنسان في موقع المسؤولية عليه أن يدرك متى يقتضي البتّ او الحسم وإذا تردد، ولم يكن مقداماً، فمعناه أنه فشل”، وعاد من جديد وغرّد “باستطاعتنا تغيير العالم لكن علينا في البداية تغيير أنفسنا”… تغريدات تغريدات أمطرت أقوالاً لا أفعالاً، فالأجيال الواعدة ضائعة، ومعاليه يُكثر الكلام والقرارات والبيانات وفي كل مرة يُخطئ، وحقيبة التربية “بتّت” و”حسمت” لكن ضاعت وضيّعت ولم تكن “مقدامة”!

 

نجول بين المدارس الرسمية، بين مدرائها، علنا نكتشف عبرهم طبيعة مرحلة آتية تسودها ضبابية هائلة فنسمع ما “يُشيّب الشعر” ويترك على محيا السامع دهشة عارمة، فها أيلول قد انتصف والمدارس لم ترسُ على برّ، وها إن أساتذة تلك المدارس قد نسوا أنهم، في الاساس، معلمون، وها إن المدراء ينتظرون كما نحن ولادة حكومة جديدة ربما يرسون معها على برّ الأمان مع الجيل الواعد. فماذا في لغة هؤلاء؟ ماذا يدور في فكرهم وماذا لا يدور؟ وأي كلام يسري حالياً على الألسنة ويلحّ في البال؟

 

 

يُطلق مدراء مدارس رسمية نداءات استغاثة، فهم يجلسون كما الثكالى، يراقبون دنو موعد افتتاح مدارسهم غير عارفين من أين يبدأون. هل يدعون أساتذتهم لاجتماعات؟ لكن، ماذا يقولون لهم؟ هل يخبرونهم أن العام الدراسي الذي يدوم عادة 28 أسبوعاً سيكون السنة الجديدة بين 13 أسبوعاً و15 أسبوعاً؟ هم سمعوا بذلك لكن ماذا بعد؟ هل يخبرونهم وجوب الإلتحاق بالموسم الدراسي الجديد في 28 أيلول؟ لكن، على أي أساس؟ أرقام كوفيد- 19 تحلق على سبيل المثال لا الحصر في طرابلس وهناك إصابات كثيرة في الطواقم الإدارية في ثلاث مدارس هي الإيمان في أبو سمرا ومارالياس في المينا والرؤى في أبو سمرا وهناك ثانوية عدنان الجسر قد انضمت إلى مجموعة المدارس “المصابة” بالفيروس اللعين… فكيف يدعو مدراء ثانويات مدارس طرابلس الباقية الأساتذة والمعلمين والطواقم الإدارية الى رسم خطوط موسم دراسي جديد؟ ضياع هائل. ويقول مدير واحدة من أكبر المدارس الرسمية: “نسي الأساتذة، لولا الراتب، أنهم أساتذة”! فكيف سيتذكر الطلاب أنهم طلاب؟

 

هذا ليس معناه طبعاً أن نقفل مدارسنا وننعي العام الدراسي الجديد لكن أي موسم هذا والبوصلة ضائعة والربان مربك والحاشية “تحرتق” على بعضها البعض؟

 

هناك، بحسب أرقام المركز التربوي للبحوث والإنماء أكثر من 328 ألف طالب في المدارس الرسمية في لبنان، بينهم نحو 265 ألف لبناني، يتوزعون على 1256 مدرسة. وهناك 43 ألفاً و532 أستاذاً، بينهم 20 ألفاً و739 متعاقداً. وهناك، في المعدل العام، استاذ واحد لكل 7 تلاميذ تقريباً. وهناك آلاف الطلاب الجدد انتقلوا، وما زالوا ينتقلون حتى اللحظة، الى المدارس الرسمية التي قد لا تستوعب الجميع. في كل حال، منذ يومين، أصدر المجذوب قراراً موضوعه التلامذة الراغبون في الانتقال من المدارس الخاصة الى المدارس الرسمية، ممن تعذر عليهم الإستحصال على إفادات تخولهم التسجيل بسبب أقساط غير مسددة. وفي القرار: “إعتماد آلية إستثنائية لتمكينهم من التسجيل في المدارس الرسمية”. ما معناه أن الأرقام النهائية، حتى اللحظة، لمن سيتوجهون الى المدارس الرسمية غير واضحة. والمدارس ستفتح بعد أقل من أسبوعين.

 

فهل علينا أن نلوم وزير التربية وحده؟ هل علينا أن نردد مع المرددين: الحق على كورونا والإقتصاد المهترئ ومن أوصلونا الى القعر؟

 

يدور الحديث بين مجموعة من مدراء المدارس والثانويات الرسمية عن الظلامية التي تلحق بمدارسهم، كما بالطلاب والأهالي، ويدلّون في ما يقولون، بالأصبع، الى خلل في قلب البيت التربوي الذي يفترض أن يكون بيت جيل جديد يتمنونه واعداً. يتحدثون عن صراع أجنحة بين “العونيين”، أو بالأصح “العونيات” هناك يؤثر في شكل كبير على القرار الداخلي. ثمة ثلاث نساء هنّ ندى عويجان (رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء بالتكليف) التي أقالها المجذوب بقرار، ثم بعد أن قامت قيامة “العونيين” عاد عن القرار بقرار إعادتها الى مركز عملها في الجامعة اللبنانية، وهيلدا خوري (رئيسة جهاز الإرشاد بالتكليف) وهذا “الكادر” (الجهاز) الوظيفي كان يضم بين خمسين وستين أستاذاً أصبح يضم زهاء الألف.

 

وكل من يريد أن يرتاح يذهب الى هناك. أما السيدة الثالثة المحسوبة على التيار العوني فهي صونيا خوري (مديرة وحدة إدارة ومتابعة برنامج التعليم الشامل في وزارة التربية اللبنانية) التي تستلم ملف تعليم السوريين في لبنان. هناك، في كواليس مدراء المدارس والثانويات الرسمية، يكثر الكلام عن صراع داخلي يتعمق بين بعضهن البعض وبينهن وبين الوزير يرتدّ على كل المسار. وثمة أموال طائلة في هذه الأجهزة. كلام كثير يتتالى… نشير الى أن هيلدا خوري كانت تشغل تكليفين في آن واحد، وتتقاضى راتبين، وقرر مروان حمادة، وزير التربية السابق، تعيين أمل شعبان (مسيحية تتبع تيار المستقبل وابنة شقيق جورج شعبان مستشار الرئيس سعد الحريري للشؤون الروسية) مكانها.

 

مالٌ كثير يتدفق على شكل مساعدات الى وزارة التربية اللبنانية، لكن، في المقابل، لم تقم الوزارة بطبع الإفادات بعد إلغاء امتحانات الصفوف النهائية لأن لا حبر فيها! أتتصورون!؟ وجرى تجهيز بعض المدارس الرسمية منذ أعوام بشاشات LCD لكنها لم تستخدم حتى اللحظة لأنها غير موصولة بحواسيب، مع العلم أن هبة قُدمت لذلك بقيمة 8,1 ملايين يورو وحصل خلاف بين أن يدفع المبلغ “كاش” أو على سعر المنصة!

 

غريبٌ حقاً هو لبنان. يفترض أن تفتح المدارس الرسمية أبوابها في 28 أيلول وما زالت القرارات تأتي متأخرة أو لا تأتي أو لا تلبث بعد ان تصدر لتُنقض بقرار آخر. ففي 15 ايلول، أي قبل يومين، ورد الى المدارس والثانويات الرسمية قرار يتضمن مواعيد دورات للمرشدين الصحيين. فهل تتخيلون ان دورة تدريبية تحدد قبل عشرة ايام من فتح المدارس مع العلم ان الحاجة ماسة، أمس وليس غداً، إلى وجود مرشد صحي للتدقيق بملفات تسجيل التلاميذ الجدد. فبماذا كانت الوزارة مشغولة من شهر وشهرين؟ سؤالٌ يطرح. لم ينته الأمر هنا فالدورة حددت في مدينة طرابلس مثلاً في ثانوية عدنان الجسر وهي مقفلة بسبب إصابات كورونا.

 

بلد العجائب ها هنا. فالقرارات والقرارات التي تتم العودة عنها لا تعد ولا تحصى. فها قد عاد معالي الوزير عن قراره تكليف جورج نهرا بمهام تسيير المركز التربوي ثم عاد وألغى قرار تكليفه تولي هذه المهام. احترنا بالفعل “هالقرعة وين منبوسها”. مثلٌ لبناني شائع يليق بقرارات خنفشارية!

 

قبل أن ينتهي أيلول يفترض أن تفتح المدارس والثانويات الرسمية أبوابها. لا أرقام حتى اللحظة عن عدد الطلاب الذين قد ينضمون بعد، والأساتذة والمعلمون ما زالوا في ضياع، ووزارة التربية تكتفي بنظم الأشعار وبالعنتريات ولا تلبث أن تعود الى “نقطة الصفر” وكأنها ما قالت وما وعدت وما حذرت وما قررت. فها هو “معاليه” قد أعطى على سبيل المثال طبعاً لا الحصر رئيس الجامعة فؤاد أيوب ثلاث درجات بعد أن طرده من مكتبه!

 

“غمضوا عين فتحوا عين” نُصبح في 28 أيلول… وأيلول بالمفاجآت دائماً مبلول!