IMLebanon

أنقذوا مؤسسات الدولة قبل فوات الأوان

 

علينا التركيز على مصير ومخاطر مؤسسات الدولة مثل مؤسسة كهرباء لبنان، مياه لبنان، والمستشفيات الحكومية، والمدارس والجامعات العامة والمرافىء، والمطار والحدود، وكل ممتلكات الدولة اللبنانية، التي تُديرها وتنظّمها، منذ سنوات عديدة. ولا يُمكن أن ننسى أو نتناسى الأزمة الإقتصادية والإجتماعية والنقدية الكارثية التي يُواجهها لبنان في الوقت الراهن، ولا سيما القطاع الخاص اللبناني، كما القطاع العام اللبناني.

 

 

واجه القطاع الخاص اللبناني مشاكل كبيرة في تاريخه، وصمد في وجهها، واستطاع أن يستعيد المبادرة بمفرده ويحقق النمو. في المقابل، ولسوء الحظ، فإنّ مؤسسات الدولة لا تستطيع أن يكون لديها المصير عينه، والاستقلالية عينها، إذ كلنا يعلم أنّ هذه المؤسسات أُديرت بواسطة الفساد، وكانت وكراً للتهريب، والمحاصصة وتوزيع الحصص، وسوء الإدارة، وفقدان الشفافية، وانعدام الحوكمة الرشيدة. وعندما قامت الدولة بالتوظيف، وظّفت عدداً قليلاً من الأشخاص المنتجين الذين نوجّه لهم التحية، في مقابل قسم كبير من أشخاص وُظّفوا على أسس طائفية ومذهبية وحزبية… لذا، إذا أردنا أن نقوم اليوم بإعادة هيكلة مؤسسات الدولة وتمويلها، عندها سندرك أنه لا يجوز القيام بذلك، باعتبار أنّ هذه المؤسسات خسرت الثقة، لأنها بُنيت على أسس غير متينة وغير منتجة وغير شفافة.

 

نتكلم اليوم عن مصير المؤسسات العامة والخاصة لا سيما بعد الأزمات الكارثية التي ضربت لبنان (تفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2020، وثورة 17 تشرين الأول 2019، ووباء «كوفيد -19»)، إضافة إلى الأزمة السياسية التي نعانيها راهناً.

 

من المؤكد أنه يوجد خطر كبير على المؤسسات، فيما الحلول التي تستطيع الدولة أن تلجأ إليها ليست متوافرة على نحو يسير، وسأحاول تفصيل هذه الحلول كالآتي:

 

الحل الأول: الخَصخصة. إنّ هذا المشروع كان في الماضي الحل الوحيد لتمويل استثمارات هذه المؤسسات، للحَد من الفساد المستشري منذ سنوات، وبإعادة هيكلة المؤسسات العامة، أسوة بالقطاع الخاص اللبناني، الذي قام بإعادة هيكلة مؤسساته، واستطاع أن يُنافس الشركات الدولية. وكنّا نحلم بأن ينسحب نجاح القطاع الخاص على القطاع العام، علماً أن هذا الواقع لم يعد متوافراً في الوقت الراهن، إذ إنّ قيمة مؤسسات الدولة تنهار يوماً بعد يوم، وتالياً لم يعد هناك إقبال من قبل أي مستثمر داخلي أو خارجي، لبناني أو أجنبي، من أجل الاستثمار في هذه السلطة. في المقابل، مَن له مصلحة في الاستثمار في هذه السلطة الفاسدة هم الأشخاص أنفسهم الذين أهدروا الأموال، وتموّلوا جرّاء الفساد، وجمعوا الأموال خارج لبنان، علماً أننا نعاني خطر فقدان المستثمرين المنطقيين، أو المنتجين الذين لديهم مصلحة بالاستثمار في مؤسسات الدولة (طبعاً في حال توافر حل الخصخصة)، وفي الوقت عينه نكون قد فتحنا الباب أمام التهريب والفساد وغيره، لأنّ مَن هرّب أموال الدولة اللبنانية وسرقها من المواطنين، هم أنفسهم الذين سيشترون ممتلكات الدولة بأسعار ضئيلة جداً. لذا، لسوء الحظ، إن الخصخصة في هذه الحال غير مُستحبّة، والسعر الذي يُمكن أن يُطرح مقابل ثمن هذه المؤسسات سيكون ضئيلاً جداً، وغير مُغر بالنسبة للدولة اللبنانية والشعب اللبناني.

 

الحل الثاني: التحدي الأصعب يتعلق بالإستمرارية والإنتاجية. فلكي تُنتج مؤسسات الدولة العامة عليها أن تستورد مواد أولية، ومعدات، وقطع غيار وتوفير الصيانة، في حين أنّ استيراد ما تقدم عادة ما يتمّ تمويله بالعملات الأجنبية Fresh Fonds، وهي في الوقت الحاضر غير متوافرة، بل تتبخر في لبنان، لأنّ هذه الأموال تُستخدم في دعم المواد الضرورية: المحروقات والأدوية والقمح. لذا، قد يصل الوقت الذي لم يعد في استطاعة المؤسسات العامة أن تُموّل المواد الأولية من أجل الإنتاج، وهذا يعني أنّ المؤسسات العامة المعنية لن يمكنها أن تقدم الخدمات المطلوبة منها للمواطنين اللبنانيين الذين دفعوا ثمن هذه الخدمة، علماً أن هذه المؤسسات العامة من واجبها خدمة الشعب والمواطنين.

 

وحتى لا يمكن للمؤسسات العامة أن تُمول الإنتاج (أو تتمول)، لأن ليس لديها سيولة بالعملات الأجنبية، علماً أنّ مدخولها اليوم بالليرة اللبنانية وهي تفقد قيمتها يوماً بعد يوم، كما أنّ ضَخ السيولة بالليرة، ومضاعفة جباية الرسوم والضرائب، لن يكفيا لتمويل مؤسسات الدولة، فيما الدولة عاجزة عن الاستثمار أو الاستدانة، حيث من المستحيل أن تحصل على أموال مُستدانة من المصارف الداخلية أو الأجنبية.

 

الحل الثالث يتعلق بالمساعدات الدولية: المؤسسات العامة كانت تتلقى مساعدات من الصناديق الدولية، لكنّ الدولة اللبنانية في الوقت الراهن فقدت ثقة البلدان المانحة، والسلطات الدولية، التي كانت تساعد هذه المؤسسات في وقت سابق. للأسف، أُقفل هذا الباب، لأنّ السلطات المانحة لم يعد في مقدورها الإنتظار، إذ إنّ المساعدات الدولية التي مُنحت للدولة اللبنانية بدءاً من «باريس 1 و2 و3» وغيرها، قد تبخّرت، وساهمت في تمويل الفساد وقسم من الأحزاب اللبنانية، والسياسيين. لذا، فإنّ البلدان المانحة لن تُكرر خطأها بتمويل الدولة اللبنانية مجدداً، علماً أنّ المستثمر الخارجي لن يغامر بالإستثمار في الدولة اللبنانية نظراً إلى الكلفة والمخاطر السيادية.

 

أما إذا افترضنا أنّ أموال الفساد، أو الأموال الفاسدة التي هُرّبت من لبنان إلى الخارج، يُمكن أن تُسترجع لشراء ممتلكات الدولة، فهذا الأمر لن يُجدي نفعاً، وقد جَرّبته بلدان أخرى وفشلت. ونحن كتجمّع لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين في العالم ضد هذه العملية، أي ضد الذين نهبوا البلد، إذ إنهم سيعودون هم أنفسهم إلى الحكم، من خلال شرائهم ممتلكات الدولة بأسعار ضئيلة جداً.

 

الحل الرابع يتعلق بالشراكة بين القطاعين العام والخاصPPP – Public Private Partnership: مَن من المتمولين يستطيعون أن يشاركوا القطاع العام اللبناني في هذا المناخ الاستثماري غير الملائم في لبنان في الوقت الراهن؟ من المنطقي، توفير الثقة أولاً عندما نتحدث عن الشراكة، إضافة إلى وجود إنتاجية، وخطة ورؤية مشتركة، وهذا كله معدوم في الوقت الراهن. فالقطاع الخاص، يبني، ويُصدّر، ويصمد ويُقاوم الأزمات، في حين أنّ القطاع العام لا يستطيع أن يقوم من كبوته، لأنه لا يزال يتخبّط بالفساد.

 

يبقى الحل الأخير المنطقي والعلمي الذي يمكن تنفيذه في وقت سريع وهو يتعلق بالـ B.O.T BUILD OPERATE TRANSFER والتي تعني البناء والتشغيل والتحويل: وهذا يعني أن تأتي شركات دولية من الخارج إلى لبنان، وتأخذ على عاتقها تمويل مؤسسات القطاع العام، أي تمويل المواد الاولية، والصيانة، والمعدات، وفق أسعار دولية، وتحت مراقبة الدولة، وبشفافية تامة، وبحوكمة رشيدة، كي توفر الإستثمارات والخدمات العامة والطبيعية للمواطنين، وربط المؤسسات ببعضها. عندئذ ستقوم المؤسسات الدولية بتمويل هذه الشركات الخارجية وليس الدولة اللبنانية. ونحن كرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين في العالم مستعدون للمشاركة في هذه المشروعات، لأنها ستكون وفق القوانين الدولية والمعايير العالمية والحوكمة الرشيدة والشفافية التامة. بناء عليه، إنّ مرفأ بيروت الذي دُمّر لن يُعاد بناؤه إلا بواسطة الـ B.O.T، وكذلك كل مؤسسات الدولة.