Site icon IMLebanon

الأمن العام بين زمنين: جهاز عصري بمهام كثيرة

 

تحتل مؤسسة الأمن العام في لبنان مكانة واسعة في حياة واهتمام السلطات والمواطنين والمقيمين على حد سواء. طبيعة المهمات الموكلة إليها تفرض عليها العمل على مسارات سياسية وأمنية وإدارية. تعاظم التحديات، نتيجة متطلبات اللبنانيين والمقيمين في لبنان، إضافة الى آثار الصراع المستمر مع العدو، والحروب الجارية في دول الجوار، ولا سيما في سوريا، جعلت هذه المؤسسة، تقوم بدور يتجاوز مساحة لبنان. وخلال سبع سنوات من تولي اللواء عباس إبراهيم المهمة، يمكن الحديث عن مؤسسة، في طريقها لتكون أبرز مؤسسات الأمن الوطني في لبنان.

الرائد طارق الضيقة. اسمٌ لا يعني شيئاً لكثير من اللبنانيين، لكنّه الضابط الشجاع الذي حاول توقيف انتحاري سعودي، قبل أن يُفجِّر الأخير نفسه في فندق «الدو روي» في منطقة الروشة في حزيران عام ٢٠١٤. الضيقة كان على رأس دورية أمن عام مع الرتيبين أسامة حجازي وهيثم ماضي، حاولوا الدخول إلى غرفة الفندق التي ينزل فيها الانتحاريان السعوديان. أُصيب الثلاثة إصابات بالغة، دخل جرّاءها اثنان منهم في غيبوبة. هؤلاء الثلاثة أفشلوا بدمائهم مخطط تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي كان يُعِدّ لاستهداف مطعم الساحة بهجوم انتحاري لقتل عشرات الأبرياء الصائمين أثناء إفطارهم. قُتل انتحاري وأوقف الانتحاري الآخر أثناء زحفه، محاولاً الوصول إلى الحزام الناسف لتفجيره.

الرتيب عبد الكريم حدرج. اسمٌ آخر يتربع على قائمة الشرف لدى الأمن العام. ولمن لا يذكر هذا الاسم، هو الاستشهادي في الأمن العام الذي واجه بجسده انتحارياً داعشياً، قاطعاً الطريق عليه، بعدما افتدى بنفسه عشرات الأبرياء ممن كان الانتحاري ينوي استهدافهم. استُشهد عبد الكريم وقُتل الانتحاري لينجو العشرات من مرتادي أحد مقاهي الطيونة.

عبد الكريم وهيثم وطارق وأسامة وآخرون كُثر من ضباط وعناصر الأمن العام بذلوا الكثير، لكنّ أحداً لم يسمع بأسمائهم أو يعلم عنهم شيئاً. فلا يشعر بالجراح إلّا صاحبها. وقد يعترض البعض على كشف أسماء هؤلاء العناصر والضباط الذين لا يزال بعضهم يمارس مهماته الأمنية، إلا أنّ تكريم الأحياء منهم وتخليد الشهداء، أمر لا مجاملة ولا محاباة فيه. إنه بعض من رد الجميل لمن قدم حياته ليحيا آخرون.

يقف هؤلاء إلى جانب عشرات المجهولين من ضباط وعناصر الأمن العام الذين يصلون أيامهم بلياليهم لتقفّي أثر إرهابي أو لرصد وتعقّب وتوقيف مطلوب خطير أو تفكيك خلية تجسس إسرائيلية. لا أحد يعلم حجم العبء والمسؤولية التي حملها بضعة ضباط وعناصر في الأمن العام أثناء هجمة الإرهاب على بلادنا مع بدء الأحداث في سوريا. بين الأمن والإرهاب، خطوة. ومن يتقدّم فيها، يُحقّق الانتصار. إنْ سبق الإرهابي، قتل العشرات. وإن نجح الأمن، أُنقِذ هؤلاء الأبرياء. لقد تمكن الأمن العام، إلى جانب استخبارات الجيش وفرع المعلومات، وبالتعاون الوثيق مع أجهزة الأمن التابعة للمقاومة الإسلامية، من استباق الإرهاب مرّات عديدة. قد يكون أخطأ الهدف مرّة، لكنه نجح مرّات عديدة في إفشال الكثير من الهجمات الإرهابية التي كانت تُعَدّ ضد لبنان.

 

الأمن الحديث

في عام ٢٠١١، انتقل الضابط في الجيش اللبناني عباس إبراهيم من مديرية المخابرات الى إدارة الأمن العام، حاملاً خبرة عسكرية وأمنية ومتظلّلاً بخيمة سياسية مكّنته من القيام بدور يتجاوز المهمات التقليدية للأمن العام. الأولويات الجديدة فرضت تطوير الجهاز الأمني في المديرية، وإدخاله عالم مكافحة الإرهاب والتجسس. وبرغم الضربات التي تلقتها المؤسسة، إثر الانقلاب الذي قام به فريق 14 آذار بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إلا أن اللواء إبراهيم تمكن من وضع برنامج عمل، راعى فيه الكثير من الصعوبات الناجمة عن الأوضاع السياسية وطبيعة الطبقة السياسية الحاكمة. وسرعان ما تمكن الأمن العام من التقدم واحتلال المكانة الأولى في عالم الأمن السياسي، وبالتالي، فرض من جديد احترام جميع المؤسسات الأمنية الإقليمية والدولية، وحاجة هؤلاء الى دور الأمن العام في لبنان والعالم العربي أيضاً.

مواجهة الإرهاب والتجسس، دفعت الأمن العام سريعاً نحو “الأمن الحديث”. بعدما أنهكته ست سنوات من الإهمال والتهميش، وحوّلته الى جهاز عاجز. لم يكن الجهاز مؤهّلاً حينها. كان فيه جهاز تعقّب وتحديد موقع وحيد، ومعطّل منذ ٥ سنوات، بالإضافة الى برنامج قديم لفرز وتحليل المعطيات. ولم يكن هناك الفريق البشري المؤهل والذي يكفي لمواجهة هذه التحديات.

 

تمكن الأمن العام من احتلال المكانة الأولى في عالم الأمن السياسي، وبالتالي، فرض احترام جميع المؤسسات الأمنية الإقليمية والدولية لدوره

 

الجهاز الذي كان أقرب إلى مديرية إدارية مدنية بسيطة قوامها ٣ آلاف عنصر وضابط، لن يُشبه نفسه بعد الآن. فقد وَضَع إبراهيم مع نخبة من الضباط، يتقدمهم العميد منح صوايا نُصب أعينهم بناء جهاز أمني عصري وقوي. استقدم اللواء إبراهيم ٤٣ ضابطاً من الجيش لتبدأ الورشة الداخلية. أعطيت الأولوية لتوفير الإمكانات التقنية النوعية وخلق آلية اختيار العنصر البشري الكفوء. وتم استحداث مكتب تخطيط وضع خطة لتطوير الأمن العام تمتد لثلاث سنوات تُجدَّد وُتحدَّث لرفع مستوى الأداء والإنتاجية وفقاً للمعايير العالمية.

في قيادة المؤسسة اليوم، عمل متواز بين الأمن والإدارة. الأولوية لمكافحة الإرهاب، ومواجهة شبكات تجسس العدو. هذه المهمات جعلت اللواء إبراهيم يستمر في متابعة ملفات حساسة، منها ما يتعلق بالمجموعات المؤهلة أو المتورطة في أفكار تقود الى أعمال إرهابية. كما أبقى معه الملف الفلسطيني الذي تولاه مذ كان مديراً لمخابرات الجيش في الجنوب، وبعدها مساعداً لمدير المخابرات في اليرزة. ثم تقرر إنشاء وحدة خاصة لمكافحة الإرهاب. إذ ظهر سريعاً أن الاستعلام وجمع المعلومات يتطلبان ترجمة على الأرض، وهو ما دفع الأمن العام الى البحث عن وحدات جديدة. هنا، يكشف اللواء إبراهيم لـ«الأخبار» عن إنشاء «قوات نُخبة» خاصة في الأمن العام عديدها ١٧٥ عسكرياً وضابطاً، مجهّزين بأحدث العتاد، وهم يخضغون لتدريبات خاصة. كذلك تم تطوير وتفعيل دائرة الاتصالات والتعقب التقني (ما يعرف بالتنصّت)، وبعدما كان عديدها بضعة ضباط وعناصر، صار العاملون فيها، اليوم، نحو مئة ضعف، لما لهذه الدائرة من أهمية على صعيد جمع المعلومات.

 

من المولوي إلى ماليزيا وأوروبا

في سرد لأبرز إنجازاته، أوقف الأمن العام القيادي في «جبهة النصرة» شادي المولوي في أيار عام ٢٠١٢، فجُنّ جنون الشارع الطرابلسي. خرج وزير المال آنذاك محمد الصفدي ملوِّحاً بإقامة دعوى ضد الأمن العام على طريقة استدراج المولوي وتوقيفه في مركز للخدمات الاجتماعية العائد للصفدي. لم يلبث أن خرج المولوي بعدها جراء الضغوط السياسية التي كان يقودها رئيس الحكومة آنذاك نجيب ميقاتي. بعدها، تحول المولوي ليكون أحد أبرز وجوه القتال على الساحة الشمالية. ليس هذا فحسب، قبل أن يرد اسمه ضمن لائحة المتورّطين في تفجيرات انتحارية استهدفت لبنانيين. مع تلك الحادثة، سُجّلت انطلاقة جديدة للأمن العام.

لم يكن سهلاً أن ينتزع الأمن العام ثقة الناس. تلك كانت مهمة استثنائية في ظل وجود فرع المعلومات واستخبارات الجيش وكلاهما له باعه الطويل في العمل الأمني. لذلك استحدث الأمن العام «دائرة التحليل» ومهمتها تحليل المعلومات واستثمارها بشكل إلكتروني وربط المعلومات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، الواردة من مختلف المصادر، في قواعد بيانات. وقد ساعدت هذه الدائرة في استباق وقوع أحداث أمنية، ولا سيما على صعيد مكافحة الإرهاب وإحباط مخططات إرهابية وكشف خلايا نائمة وتحديد مصادر تمويلها. كما استُحدثت «شعبة الرصد والتدخّل» لتنفيذ عمليات الدهم ومكافحة الإرهاب والتهريب. وقد شاركت هذه الشعبة في عدد من المهمات إلى جانب قوى الأمن والجيش.

بعد المولوي، تمكّن الأمن العام من توقيف عدد كبير من الإرهابيين. أولهم كان الأردني عبد الملك يوسف المعروف بـ«عمر القطري» عام ٢٠١٢ الذي كان يؤدي دور المسهّل المالي لتنظيم «القاعدة» والناشط في قسم جمع الأموال والتبرعات وشراء الأسلحة وإرسالها إلى سوريا. كذلك تمكن في العام نفسه من توقيف خلية متورطة في خطف الأستونيين. ثم توقيف خالد حمود وعبد اللطيف أبو معيلق وحمود أحمد الذين تبين أنهم شاركوا في قتل عسكريين في الجيش وقوى الأمن والتخطيط لتفجير كنيسة في زحلة. وفي آب عام ٢٠١٣، ضبط عناصر الأمن العام سيارة عُثر بداخلها على ٢٥٠ كلغ من المواد الشديدة المتفجرات وأوقف عدد من المشتبه فيهم في ما اشتُهر يومها بـ«خلية الناعمة». كذلك نجح أحد ضباط الأمن العام في استدراج أحد عناصر كتائب عبد الله عزام وسام نعيم من داخل مخيم عين الحلوة وتوقيفه، علماً بأنّه كان يُصمم دوائر إلكترونية تُستخدم في صناعة المتفجرات وإطلاق الصواريخ. كذلك نجح الأمن العام في توقيف أحد الأمراء الشرعيين في «داعش» إبراهيم بركات عام ٢٠١٥. أما الإنجاز الأكبر، فتمثّل في توقيف إمام مسجد بلال بن رباح ومُشعل أحداث عبرا الشيخ أحمد الأسير في آب ٢٠١٥، أثناء محاولته السفر عبر مطار بيروت بموجب وثيقة سفر فلسطينية مزوّرة، بعدما غيّر ملامح وجهه. ثم توقيف خلية الأخوين كعوش اللذين كانا يسعيان لربط المخيمات الفلسطينية بعضها ببعض واستهداف مراكز الجيش بهجمات انتحارية وسيارات مفخخة.

ولم تقتصر حرب الأمن العام على الإرهاب فحسب، إنما طاولت خلايا ناشطة لمصلحة العدو الإسرائيلي. كما لم يقتصر جهد الأمن العام على مستوى لبنان فحسب، إنما تعدّاه إلى خارج الحدود. فقد تم توقيف خلية ماليزية تخطط لاستهداف السفارة الأميركية في ماليزيا. كما أوقف فلسطينياً سويدياً هو همام الولي الملقب بـ«أبو فضل الشامي» الذي تم تجنيده من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية ـــــ داعش» لتنفيذ عدد من الهجمات في أوروبا، أبرزها خطف أولاد الدبلوماسيين العاملين داخل السفارة الأميركية في ستوكهولم واغتيال رئيس مجلس الوزراء الفرنسي الحالي.

 

 

روح القانون: حماية الأفراد وحرياتهم

لطالما واجه المواطن في لبنان مشكلة النص القانوني المبرم. وحيث تكون الإدارة مكبلة، تصبح المشكلة أكبر، ما يجعل الجهات المسؤولة تلجأ الى علاجات موازية لا تشكل خرقاً فاضحاً للقانون، لكنها تتيح معالجات. وفي الوقت نفسه، يسمح عامل التدخل بفرض أعراف، من شأنها إعاقة تطور لبنان. وفي هذا السياق، واجه الأمن العام انتقادات كثيرة؛ بينها ما يتعلق بعدم توفير الحماية الكافية للعاملين الأجانب الذين يتعرضون للقهر والعنف جسدياً ومعنوياً، إضافة الى سرقة حقوق.

 

 

(هيثم الموسوي)

 

ويشكل قانون الكفالة عائقاً أمام تحرير هؤلاء من حقبة “العبودية” المستمرة حالياً. صحيح أن التعديل يفرض قانوناً صادراً عن السلطات التشريعية والتنفيذية، إلا أن بمقدور الأمن العام التصرف وفق ما يقتضيه روح القانون لإدخال تعديلات جذرية على طريقة التعامل مع هذه الفئة من المقيمين.

آمر آخر يتعلق بالرقابة على الأعمال الإبداعية، نصاً وفيلماً وموسيقى، وصولاً الى التفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي. والخلل القائم سببه عدم مقاومة الأمن العام الرقابة غير الرسمية وغير القانونية القائمة، وخصوصاً من المرجعيات الطائفية التي تتدخل عبر ممثليها في دور الإفتاء والكنائس والمرجعيات الروحية، لتفرض منع هذا الفيلم أو عدم السماح بتوزيع هذا الكتاب، أو ملاحقة مغرد أو ناشط على مواقع التواصل. وهنا، يجدر بالأمن العام إلزام السلطات القانونية في البلاد بآلية يشارك فيها جميع المعنيين بحماية الحريات العامة في لبنان، وفرض قواعد تحفظ السلامة العامة، لكنها لا تقيد الناس بحجة احترام الحرمات والمقدسات، وما أكثرها في بلادنا.

 

مساعد سياسي ومفاوض دبلوماسي

معلوم أن واحدة من مهمات الأمن العام، مساعدة الحكومة على اتخاذ قرارات سياسية صائبة، من خلال التقدير العام للموقف الذي يستند الى معطيات دقيقة وإلى تحليل علمي. وهو دور أعيد الاعتبار إليه. كما تعزز الدور مع الرئيس ميشال عون، الذي يتعامل مع اللواء عباس إبراهيم بوصفه أحد مساعديه في ملفات مختلفة، داخلية وخارجية.

 

 

 

الى جانب ذلك، وإستناداَ إلى علاقات إبراهيم المتنوعة، أنيط به حصراً دور المفاوض والوسيط في ملفات حساسة، داخلية وخارجية، بينها السياسي والأمني والاقتصادي. فقد أدى المدير العام للأمن العام دوراً رئيسياً في إتمام صفقات تبادل الأسرى (بسبب الحروب الدائرة في المنطقة) بين عامَي ٢٠١١ و ٢٠١٨، وصولاً إلى مواكبة عمليات إجلاء المسلحين السوريين وعائلاتهم من مناطق لبنانية في آب 2017، بالإضافة الى إدارة التفاوض لاسترجاع جثث مجموعات لبنانية قاتلت في سوريا وقتل أفرادها هناك (مجموعة تلكلخ عام ٢٠١٢). وبعدها بأشهر، خاض إبراهيم رحلة تحرير المخطوفين اللبنانيين الذين احتجزتهم جماعات إرهابية في منطقة أعزاز السورية. وبعد جولات شاقة من المفاوضات بين لبنان وتركيا وقطر وسوريا، نجح في تحريرهم بعد ٥٥٢ يوماً على أسرهم. ثم كان إبراهيم المحرك والمشرف على تنفيذ صفقة تحرير راهبات معلولا. وبعدها تحرير العسكريين المختطفين لدى جبهة النصرة، ثم استرجاع جثث شهداء الجيش الذين كانوا مختطفين لدى تنظيم «داعش».

ولم يقتصر الأمر على هذا الجانب، فالأمن العام شريك كامل في المفاوضات الجارية حول المنطقة الاقتصادية المتنازع عليها مع العدو قبالة الناقورة، وتقوم المؤسسة بدور مباشر في كل المفاوضات حول ما يعرف بترسيم الحدود البرية والبحرية للبنان مع فلسطين المحتلة.

وفي سياق عمله الدبلوماسي ـــــ الأمني، تولى اللواء إبراهيم تسهيل عدد كبير جداً من الاتصالات ذات الطابع الأمني ـــــ السياسي بين عواصم عالمية كبرى وبين دمشق. ورتب لقاءات جمعت مسؤولين أمنيين من البلدين في أكثر من عاصمة عربية وأوروبية. وفي أرشيفه الكثير من المعلومات عن «حشود الأمنيين العالميين» من الولايات المتحدة الى بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وعواصم أخرى، من الذين استضافهم الأمن العام في بيروت أو في طريقهم الى لقاءات عقدت في دمشق، ولم يكشف عن الكثير منها.

وفي معركة حماية المؤسسات اللبنانية، تابع الأمن العام ملفات مطلوبين يجب استردادهم الى لبنان، أو آخرين يجب تسليمهم الى دولهم. كذلك حماية القطاع المالي في لبنان، وكانت آخر مهمة في هذا المجال إدارة تعاون عملاني وثيق مع السلطات الأمنية العراقية لتوقيف عصابة ابتزاز لعدد من المصارف اللبنانية.

 

الأمن العام: نحو إلغاء القلم والورقة

منذ عام 2011، نجح اللواء عباس إبراهيم في إقناع السلطة السياسية بزيادة عديد الأمن العام من خلال تطويع ضباط وعناصر في العسكر، كما في اختصاصات مدنية ونصف مدنية، ليرتفع العدد من ٣ آلاف عنصر إلى ٨ آلاف، وذلك في سياق خطة تقضي بأن يصل العديد إلى ١٢ ألف عنصر وضابط.

يؤكد اللواء إبراهيم لـ«الأخبار» أهمية «بناء جهاز أمن عام عصري»، مشيراً إلى أنّ هدف الأمن العام خلال السنوات الخمس المقبلة إلغاء الورقة والقلم. يوضح: «نسعى إلى أن يكون بمقدور المواطن تقديم وإنجاز معاملته إلكترونياً، من دون حاجته إلى زيارة مراكز الأمن العام، وهي وسيلة تمنع بصورة نهائية أي استنسابية أو تمييز بين المواطنين». ويؤكد إبراهيم أنّ أحد أبرز أهداف خطط الأمن العام تطبيق الإدارة بمفهومها الحديث، مشيراً إلى أنّ ذلك يتطلب هيكلية متطورة تناسب العقود الآتية بعد إجراء عملية مكننة شاملة للإدارة، إضافة إلى تعزيز الشراكة على الصعيدين الداخلي والخارجي لتبادل الخبرات والمعلومات. ويشير إلى أنّ المديرية فازت بجائزة نظام الجودة العالمي للتصميم والتطوير والإنتاج والتشغيل والخدمة ISO ٩٠٠١ ما يُثبت الحرفية العالية على صعيد الإدارة.

أول الإنجازات بالنسبة إلى إبراهيم، اعتماد جواز السفر البيومتري اعتباراً من آب ٢٠١٦ المزوّد برقاقة إلكترونية لتخزين البيانات الشخصية، وفق معايير عالمية سترفع من الثقة بجواز السفر اللبناني في مطارات العالم. لكن إبراهيم، يلفت الى أن المكننة تتطلب استعداداً كبيراً لمواجهة خطر القرصنة، موضحاً أن على السلطات الرسمية تحمل هذه المسؤولية التي تفرض برامج إنفاق مالي مستدامة لشراء وتفعيل أنظمة الحماية، في سياق برنامج عام لحماية المعلومات والخصوصية.

خلال سبع سنوات، تم استحداث ١٨ مركزاً إقليمياً في المناطق البعيدة والمكتظة سكانياً من أجل تسيير أمور المواطنين. إضافة إلى استحداث نظارة في أيلول ٢٠١٥ تستوفي الشروط والمعايير الدولية لحقوق الإنسان لتستقبل الموقوفين الأجانب المحالين إليها، مع العلم بأن هناك مشكلة جدية على صعيد الاكتظاظ، بسبب وجود عشرات الألوف من المقيمين بصورة غير شرعية من مواطنين عرب ومن جنسيات أخرى.

اليوم، يمكن لزائر مراكز الأمن العام كأنه يدخل إلى مصرف أو مؤسسة خاصة. إذ بإمكان المواطنين دفع تكاليف معاملاتهم عبر بطاقات الائتمان بعد تجهيز مراكز الأمن العام بأجهزة دفع إلكترونية. كما يعتمد الأمن العام نظام الرسائل القصيرة لتسهيل شؤون المواطنين لجهة تذكيرهم وإبلاغهم قبل شهر من انتهاء إقامة العامل الأجنبي في لبنان. ناهيك عن أنّ بعض المعاملات يمكن إنجازها عبر شركة نقل البريد libanpost . الأمر لا ينتهي هنا، إذ إنّ الخطة الخمسية التي يطبقها الأمن العام تهدف إلى اعتماد الخدمات الإلكترونية من خلال مكننة شاملة للإدارة.

وشكلت أزمة النزوح السوري التحدّي الأبرز أمام الأمن العام في السنوات السبع الأخيرة. أكثر من مليون ونصف مليون سوري تدفّقوا إلى لبنان، مع ما يترتب على ذلك من أعباء إدارية وأمنية. لذلك عمدت قيادة الأمن العام إلى وضع معايير تضبط دخول السوريين إلى لبنان والإقامة فيه عبر تقسيمهم إلى عدة فئات. (سياحة، زيارة عمل، دراسة، مرور، علاج طبي، مراجعة السفارات، كفالة من قبل لبناني). وفُرض توفير مستندات معينة لكل فئة، يُعطى بموجبها نوع محدد من سمة الدخول أو الإقامة. كذلك استُحدثت مراكز جديدة في مختلف المناطق اللبنانية لاستقبال طلبات الإقامة ومعالجة أوضاع النازحين القانونية. كذلك عمدت قيادة الأمن العام إلى اعتماد نظام الإقامة البيومترية الذكية للرعايا العرب والأجانب، بدءاً من آب عام ٢٠١٤.