Site icon IMLebanon

مَن ينفخ على اللبن يكون قد أحرقه الحليب

إذا كانت نيّة معالي الوزير الصديق وائل بو فاعور حجبَ الانظار عن عملية التمديد او غيرها فهذا موضوع أتركه لأنصار نظريات المؤامرة وكنا قد ألمحنا اليها بردة قرّادي «شعر عامّي» من باب المزاح ليس إلّا، وما أحوج اللبنانيين اليوم الى القليل من الضحك على أنفسهم وبلدهم والقدر الذي أوصل مَن أوصل للتحكّم برقابهم.

لستُ من النوع الذي يُحاكم على النيات ولكن سأحكم على الوزير الصديق من خلال ما يفعله، وانني اعتبر هذا العمل بداية جبارة للوصول الى غذاء سليم، وقد كانت المعاناة والمخالفات في القطاع السياحي كبيرة، لم نشأ حينها أن نسير على طريق التشهير، وربما كنا على خطأ، ولكننا حاولنا جاهدين ايجاد حلول جذرية لموضوع سلامة الغذاء في لبنان.

كان هذا الموضوعُ موضعَ اهتمامٍ ليس فقط من وزارة السياحة بل من وزارة الاقتصاد المسؤولة المباشرة عن حماية المستهلك في لبنان وبالطبع وزارة الصحة كما وزارة الصناعة التي لها دور أساس في موضوع المواصفات.

وقد يكون موضوع المواصفات هو الموضوع الاهم، فدعوني اعطي مثلاً بسيطاً، أنّ مَن يسمح ببيع او حتى نقل الدجاج من دون توضيب، أيْ «فلت»، فهو كمَن يلعب لعبة الروليت الروسية لأنه يمكن لدجاجة واحدة مُصابة بالبكتيريا أن تنقل البكتيريا الى كلّ ما هو موجود داخل البراد.

لفت نظري عنوان الصفحة الاولى من جريدة الدايلي مايل البريطانية بتاريخ الاربعاء 19-11-2014 مقالٌ بعنوان «Freeze your chicken to avoid food poisoning « أيْ «جلّد دجاجك لتجنّب التسمم الغذائي» وتبيّن من خلال المقال أنّ كلّ 6 من أصل 10 دجاجات تُباع في بريطانيا مُصابة ببكتيريا الـcampylobacter ما يُسبب إصابة نصف مليون مواطن بريطاني بتسمّم غذائي يموت منهم 100 شخص في السنة، وأنّ الحلّ البسيط لهذه المشكلة تحديداً هو التجليد.

ويلفت المقال النظر بأنّ بعض المسالخ اعتمد طريقة Chilling Blast أي التبريد السريع، كما تعتمد أكثرية مزارع الحبش هذا الاسلوب لقتل البكتيريا، ويتابع المقال انه إذا فُرِض على كل مزارع دجاج اعتماد الـBlast chilling من الممكن السيطرة على هذه المشكلة.

لسنا في الواقع بصدد بحثٍ علمي وهذا ليس من اختصاصي، ولكن أعطيتُ بعضَ الامثلة لاقول إنّ المواصفات والاجراءات والاستمرارية هي الاساس للسيطرة على الأمن الغذائي، من هنا لا بدّ من الاشارة بأنّ وزارة الاقتصاد في عهد الزميل والصديق نقولا نحاس بادرت الى إعادة إحياء حلّ كان طُرِح في الماضي يتمثل بإقرار قانون سلامة الغذاء والذي ينصّ على تشكيل هيئةٍ لسلامة الغذاء، لتنضمّ الى الهيئات الكثيرة الملحَقة برئاسة مجلس الوزراء والتي كانت الغاية منها بالاساس كالعادة سحب صلاحيات كل الوزارات لوضعها في هيئة مستقلة، وكان المقتَرَح توظيف أعداد كبيرة من المفتشين والموظفين والاداريين وفتح بورصة مُحاصصة في هذه الهيئة التي تختصر عملَ كلّ الوزارات، وكنتُ أنا من المعارضين، حيث طلبت حينها إعطائي مثلاً عن فعالية واحدة حققتها إحدى هذه الهيئات أستطيع الاقتضاءَ بها، وكان شبحُ الهيئة العليا للاغاثة يظهر عليّ ليلاً ككابوسٍ مخيف رهيب يخيفني ويخاف منه معظم اللبنانيين.

وقد اقترحتُ حينها فكرة جديدة، ولكنها كالعادة مثل مئات الافكار التي تُطرَح من خارج نادي الصلاحيات التي يُدافع كلّ وزير عنها كأنه يُدافع عن شرفه وعرضه بأسلوب أصبح معروفاً في لبنان، والفكرة بكلّ بساطة أن نبدأ من خلال إقرار المقاييس والمواصفات، وعدم تضييع الوقت في بلدٍ بحجم لبنان لاختراع واكتشاف مواصفات جديدة بل اعتماد المواصفات والمقاييس المعتَمَدة في الاتحاد الاوروبي حرفياً واللجوء من الناحية التنفيذية الى الاستعانة بشركة من شركات التدقيق العالمية المعتمَدة للقيام بدور الكشف الاولي قبل انشاء المؤسسات والكشف اللاحق والدوري على كلّ المؤسسات للتأكد من التزامها المعايير والمواصفات المطلوبة.

وكنا في وزارة السياحة قد اعتمدنا هذا الاسلوب أولاً من أجل تصنيف الفنادق والمطاعم والكشف المستمرّ بما يتعلق بالشق السياحي هنا لا بد من التوضيح بأنّ سلامة الغذاء هي مسؤولية مشترَكة بطريقة عجيبة غريبة تحتاج الى منجم مغربي لِفَك خفايا الواجبات والصلاحيات الموزعة على عدد من الوزارات كما ذكرنا.

كلّ ما سبق هو وصفٌ سريع للموضوعات قبل الانفجار الفاعوري الذي أدعمه لاننا كنا بحاجة الى صدمة تسمح لنا الوصولَ الى شاطيء الامان بما يتعلق بسلامة الغذاء في لبنان.

لذا فلنختصر ونرسم خريطة طريق لفتح باب الحوار الجدي حول هذا الموقف:

1. اولاً- لنعتمد المواصفات والمعايير الاوروبية، ونقطة على السطر، دون اضافات وسفسطة حول جنس الملائكة.

2. ثانياً- يتم الاتفاق بين الوزرات المعنية على توزيع الادوار ويُصار الى حصر الموضوع التنفيذي بوزارة واحدة.

3. ثالثاً- تجاربنا مع الهيئات مريرة ومريرة جداً ومن كثرة الهيئات المربوطة بخط عسكري برئاسة مجلس الوزراء من دون المرور بالوزارات المختصة لذا نقترح أن يُصار الى التعاقد مع شركات تدقيق عالمية ويكون التعاقد من قبل الوزارة التي تشرف على موضوع سلامة الغذاء خصوصاً أنّ سلامة الغذاء هي سلسلة تبدأ من المزرعة الى المسلخ الى المصنع وصولاً الى نقاط البيع وبالطبع المطاعم، فتكون الشركة مسؤولة عن المراقبة الدَورية وتُوزَع تقاريرها دورياً على كلّ الوزارات.

وبالطبع سيأتي مَن يسأل لماذا الشركة الخاصة؟ الشركة الخاصة العالمية حتماً ستكون أبعد عن الرشاوى من القطاع العام الموبوء كما يعلم الجميع، ونستطيع من خلال التعاقد أن نضع بنداً جزائياً عند اكتشاف أيّ تقصير أو محسوبيات أو رشاوى، ولا سيما أنّ الشركة الخاصة تلتزم جدولاً زمنياً وتحاسب موظفيها عليه وعلى النتائج المحقَقَة، ومن الممكن أن توظف اختصاصيين حين تدعو الحاجة وبالرواتب التي يستحقونها، ومن دون تأخير وليس كما في القطاع العام.

ومن المعلوم أنّ القطاع الخاص يستطيع أن يُنجِز ما يقوم به القطاع العام بنسبة 10 % من الموظفين. بكلّ بساطة، الكشف والتدقيق من خلال القطاع الخاص تكون كلفتهما أقل بكثير من كلفة القطاع العام والفعالية أفضل بكثير أيضاً.

والاهم أننا سننتهي من موضوع الصلاحيات، وأنا أجزم أنه من المستحيل الوصول الى تحديدٍ واضح للصلاحيات بين الوزارات «ومَن ينفخ على اللبن يكون قد أحرقه الحليب»، ما يذكّرني أنّ صلاحية وزارة السياحة لا تصل الى خدمة التاكسي في مطار بيروت وكلّ محاولات إصلاح خدمة التاكسي والتي تضرّ بالسياحة مثلها مثل غياب سلامة الغذاء باءت بالفشل باسم الصلاحيات.

والجدير ذكره أنّ وزارة السياحة مجردة من أيّ صلاحيات في مطار بيروت كما سياسة النقل اجمالاً. نتمنى أن تكون الصدمة الفاعورية الايجابية مدخلاً الى حلٍّ دائم وفاعل لا حلولاً وجرعات مورفين موقتة، فموضوع السلامة الغذائية هو ورشة عمل يومية ومتابَعة دقيقة كي نصل الى حلّ معضلة سلامة الغذاء في لبنان.