اول الغيث مع تنفيذ القانون الاميركي اقفال حسابات مؤسسات تابعة لحزب الله استشفائية واجتماعية. القانون الاميركي يفرض على الدولة اللبنانية ووزاراتها اجراءات جديدة في التعامل مع مندرجات القانون
في الايام الاخيرة، سُحب ملف القانون الاميركي بفرض عقوبات مالية على حزب الله من التداول الاعلامي بما يتناسب مع رغبة كافة الاطراف المعنيين به. الاميركيون لا يريدون اثارة تشنّجات داخلية حفاظاً على الاستقرار النقدي والمالي، كما الامني، في لبنان، وهم حرصوا عبر موفديهم تكراراً على تأكيد دعمهم لهذا الاستقرار.
اما حزب الله، المعني الاول، فمن الطبيعي ان يرغب اكثر في عدم تظهير هذا الملف اعلامياً لتخفيف وقعه وحصر ارتداداته ومعالجة ما يمكن معالجته بأسلوب هادئ، بعدما كشفت نقاشات دارت بين المصارف والمصرف المركزي والحزب، وما دار بين المسؤولين اللبنانيين والموفدين الاميركيين.
لكن سحب النقاش من التداول لا يعني سحب القانون او تجميد العمل فيه. كل الاطراف المعنيين، في مقدمهم حزب الله وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة والمصرفيون، يعرفون تماماً ان القانون سينفّذ بحذافيره. وهذه هي خلاصة كل المداولات في الاسابيع الاخيرة. اما آلية التنفيذ فهي التي يمكن العمل على التخفيف من وقعها والتعامل معها وفق ما تقتضيه الظروف الداخلية، في وقت احدث فيه التعميم الاخير الصادر عن مصرف لبنان ــــ الذي التزمت به المصارف وبدأت العمل به ــــ نوعا من التهدئة وعدم زيادة الاحتقان السياسي.
لكن ما غفلت عنه بعض الاوساط السياسية هو ان تنفيذ القانون تدريجي، ولن تتوقف كرة الثلج عند هذا الحد. فالقانون فتح باب العقوبات ولن يقفلها قريباً، لأن الآلية التطبيقية متدرجة وطويلة المدى، وبدأت تثير سلسلة من الاسئلة والموجبات القانونية والمالية، بعدما بدأت المصارف اقفال حسابات مؤسسات تابعة لحزب الله مدرجة في لائحة المئة اسم التي اعلنتها وزارة الخزانة الاميركية.
وكشفت مصادر مطلعة لـ «الاخبار» ان مصارف لبنانية بدأت عمليا تنفيذ القانون الاميركي بفرض عقوبات مالية على الحزب ومؤسساته. واكدت المعلومات ان حسابات «لجنة الامداد» و»مؤسسة الشهيد» ومستشفى سان جورج التابع لها، وهي مؤسسات تابعة للحزب مباشرة، قد اقفلت، وهذا يشمل مئات ــــ ان لم يكن آلاف ــــ الحسابات.
لكن الخبر لا يتوقف عند اقفال الحسابات، وهو متوقع وفق اللائحة الاميركية وسيتطور تدريجا، إذ إن اقفال الحسابات لا يطاول المؤسسات المذكورة وحدها عمليا، لان ثمة جمعيات ومؤسسات ومدارس ومستشفيات متفرعة من المؤسسة الام التي اقفل حسابها، كالمستشفيات التي تتبع «مؤسسة الشهيد»، وهي «الرسول الاعظم» و»مستشفى بعلبك» و»مستشفى البقاع الغربي»، وغيرها من المؤسسات الصحية والاجتماعية والتربوية. كما ان اقفال حسابات مستشفى بهمن التابع لجمعية المبرات (مؤسسات المرجع الراحل محمد حسين فضل الله)، ينذر باحتمال ان يصل الاقفال الى مؤسسات تربوية تابعة للجمعية. ما يعني ان الجمعية او المؤسسة التي يرد ذكرها في اللائحة الاميركية قد تكون عبارة عن عنوان كبير لمؤسسات غير مذكورة بالاسم في القانون الاميركي، لكنها مشمولة به معنويا وماليا. وعملياً، فان مؤسسات اخرى يمكن ان تقفل حساباتها تباعا، وهذا الامر قد يمتد اسابيع او اشهرا بحسب مندرجات القانون وعمل المصارف ورغبتها في التقيد الحرفي بمضمونه.
لكن مشكلة الحسابات المالية التي اقفلت، تنفيذا للقانون الاميركي، لا تتعلق بالمؤسسة نفسها فحسب، بل يطرح هذا الاقفال مجموعة من الاسئلة والمشكلات المالية والانسانية والاجتماعية والادارية دفعة واحدة، ومنها ما يتعلق بالوزارات اللبنانية المختصة.
فاقفال حساب مستشفى، مثلا، يعني اولا العاملين فيها ووضعهم المالي وعلاقتهم بالمصارف، وخصوصا من له حسابات توطين او قروض مصرفية. علما ان ليس كل الموظفين، ولا سيما في المستشفيات، تابعون لحزب الله او من الطائفة الشيعية بمعنى ادق، بل هناك موظفون واطباء مسيحيون وسنة يعملون فيها. وهنا يطرح سؤال عن احتمال التعامل النقدي المباشر مع جميع هؤلاء الموظفين، وحالة التداول بالنقد العام وخضوعها للرقابة داخليا وخارجيا.
ثانيا كيف سيكون حال الشركات الموردة للمستشفيات من آلات وادوية، وكيف يمكن لهذه المستشفيات ان تتعامل معها تحت سقف هذا القانون، وهل تكف هذه الشركات عن التعامل مع المستشفيات نهائيا او تتعامل بالنقد المباشر؟ وهل يسلم هذا التعامل مع آلية المراقبة المفترضة.
ثالثا، كيف يمكن ان تتعامل الوزارات المعنية مباشرة بالتحويلات المالية الداخلية مع مؤسسات اقفلت المصارف حساباتها، علما ان الادارات الرسمية لا تتعامل بالنقد المباشر، كيف ستدفع اشتراكات الضمان وكيف ستغطي وزارة الصحة الاكلاف وكيف ستدفع وزارة المال؟ واذا شمل القانون المدارس والمؤسسات التربوية على اختلافها، فكيف يمكن ايضا التعامل مع عشرات ومئات الاساتذة والموظفين العاملين فيها؟.
اليوم بدأت عمليا انكشاف تداعيات القانون الاميركي، وسيكون لبنان وحزب الله على موعد دوري مع قرارات مصرفية مماثلة تشمل كل من ورد اسمه في اللائحة الاميركية. والعبرة تبقى في كيفية تعامل جميع القوى المعنية، وحزب الله بطبيعة الحال اولها، مع هذه الاجراءات.