هي معركة مصير وطن وهيبة مؤسسات وراية شعب تأبى إلا ان تبقى خفّاقة. هي معركة تحرير أرض مُغتصبة منذ ما يزيد عن أربعة أعوام واسترداد حق يشهد مع كل فجر على دماء محمد حميّة وعباس مدلج وعلى رأسي علي البزّال وعلي السيد بعد فصلهما عن جسديهما. هو فعلاً يوم مشهود سوف تُرفع فيه رايات النصر في وطن ما تعوّد إلا النصر ولم يستسلم للهزيمة يوماً على الرغم من كثرة الجراح. وها هو النظام السوري القابع على دماء الأبرياء، يشهد على صلابة الرجال الرجال الذين سيُسطّرون ملاحم وبطولات في الميدان، وسيرسمون ببنادقهم وصمودهم عناوين العزّة في الوديان وعلى التلال.
كل شيء بات جاهزاً. التحضيرات اكتملت كما التحصينات، وخرائط الميدان تحوّلت إلى واقع على الأرض لا ينقصها سوى إطلاق الرصاصة الأولى. ضبّاط وجنود يترقبون ساعة الصفر وينتظرون بفارغ الصبر «كلمة السر»، التي ستتحوّل بكل تأكيد، إلى نشيد لمعركة الإتكال فيها على زنود سمراء تخجل حرارة الشمس من وهجها. زنود يعرف أصحابها المسار والمصير ويعرفون بأن الصعاب تهون في اللحظة التي تهب فيها بشائر النصر وهم الذين حرّروا ما يتجاوز العشرة في المئة، من مُجمل المساحة التي يحتلها تنظيم «داعش» الإرهابي في جرود القاع ورأس بعلبك، بعد السيطرة على عدة تلال ومواقع يومي السبت والاحد الماضيين. وهذا يُعتبر أوّل الغيث، فكيف سيكون الحال بعد إعلان قيادة الجيش بدء معركة تطهير الجرود في البع ساعة الأخير؟
لا عوائق سياسية ولا عسكرية ولا حتّى لوجستية أمام المعركة المُرتقبة، فكل المتطلبات والتجهيزات أصبحت في حكم المُنجزة. أمّا التهويلات التي تُطلق والتي تدعو إلى التنسيق بين الجيش وجيش النظام، فهي تبقى محصورة بمُطلقيها من دون أن تأخذ طريقها إلى التنفيذ لما يتمتّع به النظام السوري من توصيفات لا تُفرّق بينه وبين جماعات عاثت قتلاً ورعباً واجراماً في جرود لبنان. جماعات تربّت ونشأت في كنف هذا النظام وكبرت في سجونه وتحت رعايته، إلى أن كانت وجهتها الأراض اللبنانية، وهذا شاكر العبسي ومخطّط (سماحة مملوك)، وتفجير «التقوى» و«السلام»، ما زالوا شاهدين على إجرام هذا النظام، هذا إذا ما أردنا العودة إلى زمن الإغتيالات، بدءاً من الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وصولاً إلى الوزير الشهيد محمد شطح.
ما ورد يُبنى على جملة معطيات مؤكدة، أن الجيش يسير بخُطىً ثابتة نحو تحقيق أهدافه من دون منّة من أحد وبدعم فردي معقود على جهود واستبسال جنوده. واستكمالاً للدعم، ثمة أمر لا نقاش فيه، أن مسألة تنظيف الجرود من الإرهابيين بالنسبة إلى الجيش، مسألة لبنانية بحتة لا تخضع لا إلى ظروف ولا إلى تسويات أو إملاءات خارجية. لذا فإن دعمه السياسي والعسكري الخارجي، يعود فقط الى نجاحه في تثبيت الأمن على الحدود. والأهم أن الجيش ومن خلال المهام التي يقوم بها سواء لجهة تجهيز أرض المعركة، أو للعمليات الأمنية التي يقوم بها خلف خطوط الإرهاب، عاد ليرسم بنفسه خطوط سير معاركه وليقول للأقربين والأبعدين، إن الممرّات التي كانت تُعتبر في ما مضى «آمنة»، ما عادت كذلك اليوم، وإن محاولات التسلل إلى داخل الوطن ذهبت إلى غير رجعة بعدما أصبحت قصصاً من نسج الخيال، والأهم أن التهويلات بصعوبة ما ينتظره والمعطوفة على دعوات للتنسيق مع النظام السوري، سوف تلفظها أصابع الرجال الضاغطة على الزناد والجاهزة لإطلاق النار في اللحظة التي تُطلق فيها الرصاصة الأولى.
يردد البعض أن لدى الجماعات المسلحة ورقة ضغط تستعملها في وجه الدولة اللبنانية تتمثل بالعسكريين المخطوفين، وأن هذا الأمر يُمكن أن يعوق أي عملية عسكرية للجيش ينوي تنفيذها ضد هذه الجماعات سواء كانت هجومية أو دفاعية. إلا أن السؤال الذي يبرز في هذا المجال، هل الأمر متاح لهذه الجماعات بالتوغل ضمن الأراضي اللبنانية في ظل الانتشار الذي يتبعه الجيش؟ من المفترض أن مسلحي الجرود موجودون داخل الأراضي السورية وفي جرود عرسال ورأس بعلبك، وتقدمهم بإتجاه العمق اللبناني سيواجه بخط انتشار طويل ومتين للجيش من شأنه ليس فقط أن يُكبدهم خسائر فادحة، بل أن يُنهي وجودهم في تلك المساحات. والتحضيرات المتعلقة بإنهاء هذا الوجود للجماعات الإرهابية، يُمكن قراءته من خلال عمليات التنسيق بين الوحدات وكيفية الانتشار، بالإضافة إلى شبكة نيران مدفعيته وخطط ميدانية قد تصل في بعض جوانبها، إلى حد المواجهة عن بعد أمتار قليلة بين عناصر الجيش وعناصر «داعش».
اليوم، ثمة إصرار لبناني على أن تعود للدولة هيبتها وان تتحكّم بزمام الأمور وأن يكون قرار الحرب والسلم بيدها فقط، وأن للجيش وحده حق حماية البلد واللبنانيين من أي مخطط أو عدوان، وهذا فعلاً ما بدأوا يلمسونه اليوم من خلال الدعم السياسي والشعبي اللامتناهي للمؤسسة العسكرية ودورها في تثبيت الأمن والاستقرار والذود عنهم عند الشدائد والصعاب. وهذه الجرود اليوم، تشهد على قوة ومنعة الجيش واستعداده لخوض الحرب الثانية بعد معارك «نهر البارد»، وبكل تأكيد لن يعود من هذه المعركة، إلا وفي يده سيف النصر. من هنا يُحسم الكلام وهو أن أساس معركة جرود القاع ورأس بعلبك، يكمن في موقف السلطة والجيش وكل ما عدا ذلك يدخل في سياق المحاولات المعهودة إن لفك عزلة النظام السوري وفتح باب التعاون معه لبنانياً، او لشرعنة سلاح البعض، لكن وعلى بعد خطوات من الميدان وعلى تلك الجبال والتلال التي تُشبه هاماتهم وشموخ جباههم، تصدح صرخة مُدوّية للجيش ليُعلن أن «الأمر لي».