يُقال:
ما اجتمع إثنان في لبنان إلا وكان حديث الفساد ثالثهما.
هذا الكلام ليس مُبالغاً فيه على الإطلاق، فهذا البلد هو بلد العشرة في المئة أو العشرين في المئة أو حتى الخمسين في المئة، أما ما هي هذه النسبة فهي نسبة العمولات والسمسرات والرشاوى التي تُدفَع سواء في الدوائر الرسمية أو في الإدارات، بحيث أنَّ اللبناني بات عليه أن يُخصِّص قسماً من موازنته للرشاوى، تماماً كما يؤمِّن موازنة من ماله للطبابة وللتعليم وللمولِّد وللمصاريف العادية.
يئنُّ اللبناني من الفساد، يراه أمام عينيه، ويلمسه لمس اليد، لكن يقول:
ما باليد حيلة فإذا ما بلَّغ عنه فإنه مطلوب منه أن يثبته وكأنَّ المواطن هو المسؤول عن إثبات الفساد وليس أجهزة الدولة، ولأنَّ الأمر كذلك، فإنَّه يعفي نفسه من هذه المسؤولية وكأنه يقول بينه وبين نفسه:
شو وقفت عليي؟
يجول اللبناني في دول العالم، سواء في الدول الأوروبية أو الخليجية، فيجد الإدارات تسير بانتظام ودقة كالساعة السويسرية، يسأل نفسه بحسرة:
ولماذا لا يكون هذا الشيء عندنا في لبنان؟
الجواب سهل لكنه ليس جواباً واحداً بل عدة أجوبة متفرعة عنه:
في لبنان هناك فساد ولكن ليس هناك فاسدون! علماً أنَّ العلاقة سببية، فلا فساد من دون فاسدين، لأنَّ الفساد لا يأتي من تلقاء نفسه بل هناك فاسدون يقومون به:
من أوجه الفساد:
لماذا يستمر دفع الرشاوى في الدوائر العقارية من أجل انجاز المعاملات؟
الناس يدلون بالإصبع على الموظفين الذين يتلقون الرشاوى، أليس هناك من تفتيش يضبطهم ويحولهم إلى القضاء المختص؟
كيف يستمر تهريب البنزين من سوريا إلى لبنان من دون ضبط الصهاريج قبل وصولها إلى الأسواق اللبنانية؟
إنَّ حجم الصهريج ضخم إلى درجة أنَّه لا يمكن إخفاؤه، فكم من رشاوى تُدفع لتمرير هذه الصهاريج؟
ومَن هم المستفيدون؟
أليس بالإمكان إخضاع أصحاب الصهاريج للتحقيق لمعرفة مَن يقف وراءهم ومعاقبتهم؟
ماذا عن الفساد في قطاع الكهرباء؟
إلى متى ستبقى المولِّدات تتحكم بجيوب العباد؟
متى تبدأ الإدارات والوزارات المعنية في تركيب العدادات للمولِّدات ليعرف اللبناني ما هو حجم استهلاكه بدل أن يبقى يدفع مبلغاً مقطوعاً؟
مَن هم المستفيدون من تأجيل تركيب العدادات؟
ولأيّة دوائر يتبعون؟
ولماذا يجري السكوت عنهم والتستر عليهم؟
وما هو حجم الإفادة من ورائهم؟
وما ينطبق على العدادات ينطبق على النفايات. أين أصبح هذا الملف؟
ماذا عن مصير مواقع تجميع النفايات في الكوستابرافا وبرج حمود؟
هل يدرك المسؤولون المعنيون حجم الكوارث بسبب الروائح المنبعثة من الكوستابرافا التي تودِّع المسافرين وتستقبل العائدين بروائح تكاد تسبب الإختناق؟
ماذا عن الفساد في التراخيص للجامعات غير المستوفية للشروط الأكاديمية؟
كيف تأخذ مثل هذه الجامعات تراخيص؟
ماذا عن الشهادات والإجازات الجامعية التي تعطيها للطلاب والتي تُرفَض من معظم المؤسسات والشركات؟
هذا غيض من فيض، ولأنَّ استفحال الفساد والرشاوى والتهريب يتزامن أكثر فأكثر مع مرحلة تشكيل الحكومة، فإنَّ المطلوب اليوم قبل الغد أن تكون وزارة مكافحة الفساد وزارة أساسية لا وزارة دولة لمكافحة الفساد، وحين نقول وزارة مكافحة الفساد، فهذا يعني أن تكون لها هرمية إدارية مثلها مثل سائر الوزارات كالإقتصاد والزراعة والصناعة والبيئة، وأن تتحدد العلاقة بينها وبين الضابطة العدلية من أجل سرعة تحركها.
مكافحة الفساد ليست خياراً، إنها مسارٌ إلزامي وليس اختيارياً، فهل يستفيق المسؤولون قبل فوات الاوان؟