IMLebanon

وضع النقاط على الحروف في المغرب

لا يترك الملك محمد السادس مناسبة وطنية الّا ويستغلها لوضع النقاط على الحروف في شأن كلّ ما له علاقة بالمغرب وحماية مواطنيه والمنطقة المحيطة به، اكان ذلك في الفضاء المغاربي نفسه او في ما يخص البعد الافريقي او في شأن كلّ ما له علاقة بمواجهة الحملة التي يتعرّض لها الدين الإسلامي. يتعرّض الإسلام لحملة بسبب ممارسات المتطرفين الذين ارتكبوا أخيرا اعمالا إرهابية في مناطق مختلفة من اوروبا. هؤلاء لا علاقة لهم بالإسلام على حد تعبير العاهل المغربي الذي يقول: «ان الإرهابيين باسم الإسلام ليسوا مسلمين ولا يربطهم بالإسلام الا الدوافع التي يركبون عليها لتبرير جرائمهم وحماقاتهم. فهم قوم ضالون مصيرهم جهنم خالدين فيها ابدا».

مرّة أخرى، يتجرّأ محمد السادس حيث لا يتجرّأ غيره وذلك بدعوة مواطنيه الى ممارسة اقصى درجات الوعي حيال ما يدور في هذا العالم، قائلا «اننا نتأسف للتوجه المنحرف الذي اخذه تدبير قضايا الهجرة في الفضاء المتوسطي، حيث تمّ تغييب أي سياسة حقيقية لادماج المهاجرين»، وذلك في انتقاد مباشر للسياسات الاوروبية تجاه الهجرة. أضاف ان «على الذين ينتقدون المغرب ان يقدّموا للمهاجرين ولو القليل مما حققناه».

كان خطابه في الذكرى الثالثة والستين لـ»ثورة الملك والشعب» امتدادا للخطابات التي القاها في السنوات القليلة الماضية. تعني هذه الخطابات، التي لها ترجمة على ارض الواقع، انّ الثورة الشعبية المتمثلة في ما حصل في العشرين من آب ـ أغسطس 1953 مستمرة. يومذاك، نفى الاستعمار الفرنسي الملك محمد الخامس فرد المغاربة بمواجهة شاملة مع المستعمر الفرنسي انتهت بعودة الملك محمد الخامس الى بلده وعرشه.

تحدث هذه السنة الملك محمد السادس من تطوان موجها كلامه الى المغاربة. كانت لخطابه محاور عدة بدءا بالتذكير بتلازم الكفاح ضد الاستعمار بين المغرب والجزائر، وصولا الى التركيز على حماية الإسلام من الذين يشوهون صورته، مرورا بالعلاقة بين المغرب وافريقيا.

هناك في نصّ خطاب العاهل المغربي نقاط لا بدّ من التوقف عندها. هناك في البداية عودة الى الظروف الاقليمية التي رافقت «ثورة الملك والشعب». في تلك المرحلة، «قدّمت المقاومة المغربية الدعم المادي والمعنوي للثورة الجزائرية في مواجهة الحملة العنيفة التي كانت تتعرّض لها من طرف قوّات الاستعمار (الفرنسي) التي كانت تريد القضاء عليها قبل الاحتفال بذكراها الاولى». هناك بكل بساطة دعوة مغربية جديدة الى تجاوز عقد الماضي والعودة الى تلك المرحلة، أي الى التضامن المغربي ـ الجزائري. لذلك قال محمّد السادس: «اننا نتطلع لتجديد الالتزام والتضامن الصادق الذي يجمع على الدوام الشعبين المغربي والجزائري لمواصلة العمل سويا بصدق وحسن نيّة من اجل خدمة القضايا المغاربية والعربية ورفع التحديات التي تواجه القارة الافريقية».

هل تخرج الجزائر من عقدتها المغربية وتتذكر دور المغرب في دعم ثورتها في مواجهة الاستعمار وتأخذ علما بأنّ التعاون بين البلدين الكبيرين سيساعد افريقيا في حلّ «المشاكل التي تعاني منها شعوب القارة حاليا كالتخلف والفقر والهجرة والحروب والصراعات واليأس والارتماء في أحضان جماعات التطرّف والإرهاب، وهذه نتائج للسياسة الكارثية التي اعتمدها الاستعمار طيلة عقود من الزمن. فقد نهب خيرات افريقيا ورهن قدرات أبنائها ومستقبلهم وعرقل مسار التنمية فيها وزرع أسباب النزاع بين دولها».

هناك في الوقت ذاته فعل ايمان مغربي بقدرات افريقيا ورهان على ان القارة «قادرة على النهوض بتنميتها وعلى تغيير مصيرها بنفسها بفضل ما لشعوبها من إرادة قويّة وطاقات بشرية وموارد طبيعية».

لم يكتف المغرب بالعودة الى الاتحاد الافريقي أي «الى مكانه الطبيعي داخل اسرته القارية». هناك سلوك مغربي تجاه افريقيا. يقوم هذا السلوك على فلسفة تقول انّ «افريقيا بالنسبة الى المغرب اكثر من مجرد انتماء جغرافي وارتباط تاريخي. فهي مشاعر صادقة من المحبة والتقدير وروابط إنسانية وروحية عميقة وعلاقات تعاون مثمر وتضامن ملموس. انّها الامتداد الطبيعي والعمق الاستراتيجي للمغرب».

لم يكتف المغرب بالكلام عن مساعدة افريقيا ودعمها. هناك ترجمة لهذا الكلام. فالمغرب مثلا «لا يقوم بتصدير الادوية الى الدول الافريقية، بل يحرص على تشييد المعامل لصناعة الادوية والمؤسسات والمراكز الصحيّة… ان افريقيا بالنسبة الينا ليست هدفا وانما هي التزام من اجل المواطن الافريقي أينما كان». مثل هذا التفاعل بين المغرب وافريقيا والذي يصبّ في التعاون بين دول المنطقة كلّها ليس وليد البارحة. هناك سنوات من الجهود الدؤوبة من اجل مساعدة المواطن الافريقي على كل صعيد، بما في ذلك تخريج أئمة للمساجد ينادون بالإسلام المتسامح والاعتدال. 

من هذا المنطلق، لم ينس العاهل المغربي التذكير بأن بلده «يعدّ من بين اوّل دول الجنوب التي اعتمدت سياسة تضامنية حقيقية لاستقبال المهاجرين من جنوب الصحراء وفق مقاربة إنسانية مندمجة تصون حقوقهم وتحفظ كرامتهم». 

ليس صدفة ان تكون السياسة الانسانية التي اتبعها المغرب تجاه الافارقة اهلته لتولي الرئاسة المشتركة في السنتين 2017 و 2018 للمنتدى العالمي للهجرة والتنمية.

في مجال وضع النقاط على الحروف، لم يفوت محمّد السادس فرصة ذكرى «ثورة الملك والشعب» للتذكير بواجباته كأمير للمؤمنين وذلك بدعوته المغاربة المقيمين في الخارج الى «التشبث بقيم دينهم وتقاليدهم العريقة في مواجهة هذه الظاهرة الغريبة عنهم» وهي ظاهرة الإرهاب والتطرف. لا حلول وسط في هذا المجال «هل من المعقول ان يأمر الله الغفور الرحيم شخصا بتفجير نفسه او قتل الأبرياء»؟

لم يتردد العاهل المغربي في تأكيد انّه «امام انتشار الجهالات باسم الدين، فإن على الجميع، مسلمين ومسيحيين ويهودا الوقوف صفّا واحدا من اجل مواجهة كلّ اشكال التطرف والكراهية والانغلاق»، مشيرا الى انّ «الحضارة الانسانية حافلة بالنماذج الناجحة التي تؤكد ان التفاعل والتعايش بين الديانات يعطي مجتمعات حضارية منفتحة تسودها المحبّة والوئام والرخاء والازدهار. وهذا ما جسّدته الحضارات الانسانية، خصوصا في بغداد والاندلس، وكانت من اكبر الحضارات الانسانية تقدّما وانفتاحا».

لم يترك محمد السادس مجالا لأي شك في ان المغرب لا يقبل المراوحة في المكان نفسه، أي الاكتفاء بما تحقق في الماضي. ثمّة تحديات جديدة تفرض نفسها كلّ يوم. من بين هذه التحديات العمل على مكافحة الإرهاب والتطرف بكلّ اشكالهما، خصوصا ان المواطن المغربي المقيم في الخارج يعاني من تشويه صورة الإسلام ويواجه صعوبات كثيرة بشكل يومي. المواطن في الداخل والخارج مسؤولية الملك الذي لم يغب عن باله ان «ثورة الملك والشعب» هي ثورة مستمرّة. كانت هذه الثورة من العوامل الأساسية التي ساعدت في جلاء الاستعمار عن المغرب والجزائر، كما لعبت دورها في إيجاد تلك اللحمة بين العرش والمواطن العادي. هذه اللحمة هي التي مكنت المغرب ان يكون استثناء ليس في منطقة شمال افريقيا فحسب، بل في القارة الافريقية كلّها أيضا. ليس في هذا الكلام أي مبالغة بمقدار ما انّه اعتراف بواقع لا يمكن تجاوزه او المرور عليه مرور الكرام. ما على كلّ من لديه ادنى شكّ في ذلك سوى ان يزور المغرب كي يشاهد بنفسه ان هناك بعض النقاط التي لا تزال مضيئة في هذا العالم العربي الذي اصبح للأسف الشديد عوالم عربية…