IMLebanon

حسابات بوتين في التدخّل والإنسحاب

دخل في الوقت المناسب وخرج في الوقت المناسب، وليس مغالاة القول إن سوريا هي حلبة الكاراتيه العسكري والسياسي التي تتوج فلاديمير بوتين فائزاً وحيداً حين يبدو باراك أوباما متوارياً وراءه. صحيح ان الحل السياسي الذي زادت فرصه واحتمالاته في جنيف قد يبدو ثمرة اتفاق بين واشنطن وموسكو، لكن بوتين هو بطل هذا الحل.

في نهاية ايلول كان طموح بشار الأسد الاحتفاظ بما سمّاه “سوريا المفيدة” أي المناطق العلوية التي كانت في شبه حصار من قوات المعارضة وفي غياب مطلق للأميركيين عن الساحة قرر بوتين الدخول عسكرياً إستجابة لطلب النظام وحلفائه الإيرانيين، كانت حساباته واضحة: نستغل سياسة التردد والإنكفاء الأميركية في الشرق الأوسط، نعيد فرض الدور الروسي كلاعب محوري دولي، نوجد على خط أساسي هو محاربة الإرهاب إنطلاقاً من الساحة السورية، نمنع سقوط الأسد، نحتفظ بمواقعنا وقواعدنا على الساحل السوري، نوجد عناصر ضاغطة تساعد لاحقاً في تجاوز عقد المشكلة الأوكرانية وما نجم عنها من عقوبات غربية.

بوتين حدد أربعة اشهر لتحقيق المهمة، وبعد انقضاء هذه المدة تبيّن ان المضي في الحل العسكري من الجو لم يحقق الكثير، وإن كان أقام نوعاً من التوازن بين النظام والمعارضة، خصوصاً ان عمليات القصف الروسي التي واكبها تقدم النظام وحلفائه الإيرانيين ومنظماتهم ساعدت فقط على لملمة حدود “سوريا المفيدة” لا أكثر ولا أقل.

بعدما بات أوباما يعمل وفق روزنامة بوتين، وبعدما تبيّن ان المضي في العمل العسكري سيكون مكلفاً وعويصاً، تبدلت الحسابات الروسية وفق الآتي:

أقمنا توازناً يساعد على الحل السياسي فلماذا لا نكون أبطال هذا الحل عبر ترتيب عملية انتقالية وخريطة طريق وانتخابات تجرى خلال فترة نتفق عليها مع الأميركيين، هذا سيوقف النزف في الاقتصاد الروسي، وخصوصاً مع تراجع أسعار النفط، وسيظهر روسيا عامل سلام وتسويات للمشاكل المعقدة، وسيساعد لاحقاً في تجاوز التداعيات السياسية والعقوبات الغربية الناجمة عن الأزمة الأوكرانية!

وهكذا لم يكن من عبث ان توجّه موسكو ما يشبه التوبيخ الى النظام السوري عندما دعته الى العمل وفق نصيحتها ليخرج بكرامته، ولم يكن من عبث ان تَرد عليه بغضب بعدما تحدث عن انتخابات من طرف واحد الشهر المقبل، والأكثر اثارة على ما يبدو ان الإيرانيين استوعبوا التحولات الجديدة فلم يتردد أمير عبد اللهيان في التسليم بالقول إن جيش الاسد منهك وإن الاجتماعات في جنيف ستحدد اسماء أعضاء الهيئة الإنتقالية. لكن النظام حاول التملص مرة جديدة، فكانت تصريحات وليد المعلم عن ان الأسد خط أحمر وان لا وجود للإنتقال السياسي، ولهذا جاء الانسحاب صفعة قوية ليصدق الأسد ان عليه فعلاً ان يبدأ حزم حقائب الرحيل!