IMLebanon

مغامرة بوتين لفرض واقع جديد.. فماذا عن اللاعبين الأميركي والتركي والإسرائيلي؟

المملوك حمل طلب الأسد بالتدخل.. والروس درسوا بدقة توقيت الضربات

مغامرة بوتين لفرض واقع جديد.. فماذا عن اللاعبين الأميركي والتركي والإسرائيلي؟

موسكو انغمست في ساحة مليئة بالألغام بصدامها مع «الإسلام السياسي» وحربها إلى جانب النظام في وجه الأكثرية السنية

في الرواية المتداوَلة لدى مقرّبين من الكواليس الروسية، أن الرئيس السوري بشار الأسد حَمّل موفده إلى موسكو، اللواء علي المملوك، رسالة خطية مُستعجَلة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين يشرح فيها خطورة المرحلة التي وصل إليها عسكرياً، لا سيما في ضوء استفحال الخلافات والتباينات وارتفاع منسوب الحساسيات بين أركان الفرقة الرابعة – الذراع العسكرية للنظام – والضباط الإيرانيين التابعين للقائد العسكري في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وانعكاس ذلك سلباً على جبهات القتال، والذي تجلى بصورة كبيرة في معركة الزبداني. ويطلب الأسد في الرسالة من حليفه الروسي الدعم العسكري المباشر.

رسالة استَشَفّ منها بوتين مَخاطِر خسارة موسكو لموقعها في الملعب السوري، إذا انهار الأسد، الأمر الذي دفعه لإرسال جزء من ترسانته العسكرية إلى الساحل السوري، حيث لموسكو قاعدة عسكرية تطل على المتوسط.

في قراءة المقرّبين للروس، أن مجرّد الإعلان عن الانخراط الروسي في سوريا، سيكون له تأثير إيجابي على معنويات الجيش السوري، ويعطي جرعة من الثقة لأركان النظام.

ويرى هؤلاء أنه، بغض النظر عن الأهداف المعلنة لموسكو من تدخلها، والمتمثلة بضرب التنظيمات الإرهابية، فإن ما ترمي إليه بشكل رئيسي هو حماية النظام ورئيسه من خلال الحفاظ على ما بات يُعرف بـ «سوريا المفيدة»، وهي مهمة تستوجب القيام بعمليات عسكرية نوعية تتكامل فيها الضربات الجوية مع عمل عسكري برّي. ويدور الحديث في هذا الإطار عن خطة يتم الإعداد لها لاستعادة «جسر الشغور»، مما يؤمّن مظلة حماية للساحل السوري وخط إمداد مع دمشق وحلب، فضلاً عن عمليات مماثلة تعزز وضع قوات الأسد في حمص وحماه، وحتى في درعا، مما يُشكّل قلباً للمعادلة، من وجهة النظر الروسية، يستطيع معها بوتين أن يدفع في اتجاه الذهاب بتسوية سياسية يكون فيها اللاعب الأساسي والمفاوض عن الأسد ومصير سوريا بفعل تغيّر موازين القوى على الأرض.

تلك الخطة تتطلب، برأي محللين روس، سرعة تحرّك من «سيّد الكرملين» كي لا تسقط موسكو في حرب استنزاف طويلة الأمد تحاكي «مستنقع» أفغانستان الذي دفعت ثمناً باهظاً له بسبب تدخلها المباشر آنذاك.

وإذا كانت قراءات المقرّبين من الكواليس الروسية تتحدث عن مهام محصورة للتدخل الروسي، فإن مقرّبين من النظام السوري يذهبون أبعد بكثير من ذلك، إذ يعتبرون أن التدخل الروسي، الذي كان يُحضّر له منذ فترة طويلة بآفاق استراتيجية واسعة، غير محكوم بزمن، بل بأهداف هي الأخرى غير محدودة وغير محكومة بجغرافيا مُعيّنة، وتتجاوز بعناوينها ما هو أبعد وأعمق من «العنوان الداعشي»، وأن روسيا ستتبنى «تصنيف» الدولة السورية للجماعات المسلحة على أرضها، بوصفها إرهابية أم لا.

ووفق هؤلاء فان الروس سيتدخلون جواً لا براً، ومن خلال صواريخ بعيدة المدى موجهة عبر الأقمار الاصطناعية، فيما العمليات البرّية متروكة للجيش السوري وحلفائه، لكن تلك العمليات تبقى مرهونة بتحقيق الضربات الجوية لأهدافها، ما يدفع بهؤلاء إلى الاعتقاد بأن التدخل الروسي سيأخذ مداه زمنياً، وأن خيارات المعارك البرية ستحكمها أولويات الميدان، تبعاً لضربات سلاح الجو الروسي.

القريبون من النظام السوري يبدون حرصاً لافتاً على التأكيد أن موسكو درست بعناية توقيت تدخلها ومجاله، آخذة في الاعتبار الوقائع الميدانية والاستراتيجية لكل الجبهات ومن ضمنها الجبهتان الجنوبية والشمالية.

وإذا كان المراقبون، من خارج الدوائر المقرّبة لروسيا وسوريا، يقرّون بأن موسكو فاجأت الجميع بتدخلها في سوريا، وتجاوزت واشنطن والغرب في محاولتها فرض واقع جديد للإمساك بالمبادرة وبورقة التفاوض، فإنهم يرون أن التحدّي الأكبر أمام الكرملين يتمثل في قدرته على تحقيق انتصارات حقيقية، والحدود التي يمكن أن يصل إليها في «مغامرته»، في ظل قناعة بأن الرئيس الروسي دفع بالتحدّي إلى مدى غير محسوم، ذلك أن هذه المغامرة لا يمكن أن يُسلّم بها لاعبون أساسيون على المسرح السوري، بدءاً من الأميركيين والأوروبيين، مروراً بتركيا وإسرائيل، وصولاً إلى دول الخليج العربي الداعمة لفصائل المعارضة السورية.

فروسيا تصرّفت، حسب رأي هؤلاء، على خلفية الانكفاء الأميركي، لا بل فشله في التعامل مع الأزمة السورية، لكنها انغمست في ساحة مليئة بالألغام يسهل معها إغراقها في حرب استنزاف طويلة، وإغراقها ليس فقط في المستنقع السوري بل في حرب ذات طابع طائفي من السهولة نقلها إلى عقر دارها وحدائقها الخلفية وساحاتها في آسيا الوسطى ودول البلقان، ذلك أن صدامها مع «الإسلام السياسي» الذي تمثله بعض الدول الداعمة للمعارضة السورية وحربها إلى جانب الأسد في وجه الأكثرية السنية في البلاد سيؤجج الصراع المذهبي أكثر، وسيترك تأثيراته وتداعياته على الداخل الروسي المثقل بأزماته الاقتصادية، ويدفع بموسكو إلى مزيد من الحصار والتأزم في علاقاتها مع الغرب على خلفية هذا التدخل.

وإذا كان من المبكر الجزم بما سيؤول إليه الدخول الروسي العسكري على الأزمة السورية، فان استهداف موسكو في ضرباتها مواقع المعارضة المعتدلة وليس التنظيمات المتطرفة المصنّفة إرهابية، ومحاولاتها قلب موازين القوى الداخلية سيحمل، وفق مراقبين، اللاعبين الإقليميين والدوليين على تغيير قواعد الاشتباك عبر تزويد المعارضة السورية بأسلحة نوعية وصواريخ مضادة للطائرات لكسر شوكة روسيا، في مشهد يُعيد إلى الأذهان مفاعيل صاروخ «ستينغر» الذي زودت به واشنطن المجاهدين الأفغان، فقلب الموازين وأخرج الاتحاد السوفياتي مهزوماً في حرب أفغانستان!