في بدايات العنف النظامي وعسكرة الثورة كانت هناك رؤى مستقبلية تجيب عن سؤال: ما العمل؟ بين داعمي النظام من رأى أن أول ما على الرئيس بشار الأسد القيام به في الاطار الاستراتيجي هو الذهاب الى موسكو لضمان الدعم الكامل. وبين المعارضين من دعا تشكيلات المعارضة التي اندفعت نحو عواصم المنطقة والغرب الأميركي والأوروبي الى قراءة المعادلات جيدا والتوجه نحو موسكو لضمان الحل السياسي الذي يصعب الوصول اليه من دون دور روسي.
المعارضون ذهبوا مراراً الى موسكو حاملين شعار الانتقال الديمقراطي للسلطة، فوجدوا الموقف الروسي ثابتاً بالنسبة الى الحفاظ على النظام ومرناً بالنسبة الى بعض الاصلاحات في النظام. أما الرئيس الأسد الذي جاءه الدعم الروسي بالسلاح والمستشارين مع الدعم السياسي والديبلوماسي، فإنه لم يذهب الى موسكو الا في السنة الخامسة للحرب، وبعد الدخول العسكري الروسي المباشر فيها. وهو ذهب وحيداً بناء على طلب الرئيس فلاديمير بوتين الذي لبى طلبه تقديم مساعدة عاجلة لإنقاذ النظام ومحاربة الارهاب.
ولا أحد يعرف متى والى أي حد يتم تسريب ما دار في المحادثات. لكن صورة الاجتماع ناطقة بأكثر من الصوت الذي أريد للناس أن تسمعه حول بعض ما دار في المحادثات. فالقراءة في لغة الجسد بدت سهلة ومعبرة جداً. والرسالة التي بعث بها بوتين الى كل العناوين هي أنه يمسك بمعظم الخيوط في اللعبة العسكرية والسياسية. أما مسار اللعبة، فإنه البناء على التطورات الايجابية في العملية العسكرية لترتيب العملية السياسية بمشاركة كل القوى.
وليس في المسار، حتى الآن، ما يوحي أن الظروف نضجت. فالنجاح الاستراتيجي الذي حققه الانخراط في الحرب لا يزال في حاجة الى إكمال الامتحان في مواد أخرى. والقصف الجوي الروسي لم يرافقه تقدم على الأرض يشكل اختراقاً استراتيجياً. فضلاً عن ان القوى التي أربكها قرار بوتين هي القوى التي لا مهرب من التفاهم معها على العملية السياسية، ولا ضمان لبقائها مترددة في توفير ما يساهم في التصعيد العسكري.
والمشهد سوريالي: تفاهم روسي مع كل من أميركا واسرائيل على تنظيم سير الطيران الحربي في أجواء سوريا بمعزل عن أي قرار سوري وضمن تسليم ضمني من القوى الثلاث ب شرعية تدخلها. وليس اصعب من الحل العسكري سوى الحل السياسي.